من أسوأ الاختبارات أمام الإنسان، أن يوضع فى مسار إنعدام الثقة بالنفس، فما بالكم لو كان هذا متعمدا من النخبة المثقفة التى تقع عليها رسالة التنوير المستمر، وعليها تعزيز ثقة الشعب فى نفسه واحترام ذاته والفخر بإنجازاته التاريخية، حيث يخرج علينا من المحسوبين على هذه الفئة أن تجرح الشعب فى ثقته بنفسه، إلى حد الكفر بتاريخه بل واحتمال الكراهية، وذلك بإشاعة أن ما هو ثابت فى وجدان الشعب بأنه انتصارات حقيقية، هو أكذوبة وغير صحيح وغير حقيقى، تلك هى المأساة التى نعيشها بين آن وآخر. فهناك من شكك فى الإنجاز العظيم فى حرب أكتوبر 1973، واعتبره هزيمة، وتجاهل أكبر (3) إنجازات غير مسبوقة فى التاريخ العسكرى (عبور أكبر مانع مائى فى التاريخ، وتحطيم أقوى خط دفاعى عسكرى، وتنفيذ خطة خداع استراتيجية غير مسبوقة)، فماذا نقول عمن يشككنا فى إنجاز الشعب وجيشه العظيم، إلا أنه يستهدف افقاد الشعب والجيش الثقة فى نفسه، وقد حاول البعض ذلك، وتصديت وغيرى لمن يحاولون الاقتراب من هذه المنطقة، فهم يخدمون الأعداء وفى مقدمتهم إسرائيل بسلاحها الأمريكى خاصة والغربى بصفة عامة، بنفس قدر احداث الهزيمة النفسية للشعب والجيش، تفعيلا لما يسمى فى العلم العسكرى بالحرب النفسية، ولذلك فقد استقر تسمية هؤلاء بالطابور الخامس. وقد أشير إلى واقعة مهمة للنائب طلعت السادات، الذى شكك فى الجيش قائلا إنه وراء قتل الرئيس السادات، فكان جزاؤه المحاكمة العسكرية والسجن لمدة عام، وهو نائب؟!، وبالتالى لا يعفى أحد من المسئولية على الإطلاق، مادام كان التشكيك واضحا وعمديا. وفوجئنا بأحد الأدباء، يعلن على الملأ بأن صلاح الدين الأيوبى، شخص «حقير»، وهو الذى لم يحقق انتصارات ولا أى شىء آخر، بل هو أكذوبة، الأمر الذى أثار ضجة كبيرة!! وتابعت كل مقالاته توضيحا لأسباب ما قاله، متهما الآخرين بأنهم لم يفهموه، ولم يدققوا فى التاريخ، وأنه جاء الآن ليعيد قراءة الأحداث وتوضيحها للناس!! أمر يدعو للاستغراب حقا، وتابعت هذا الذى حدث باهتمام بالغ، وسألت نفسى سؤالا واضحا: لماذا لا نتقدم؟! الأسباب عديدة، ولكن فى مقدمتها أو من بينها، أننا لا نثق فى أنفسنا، حيث لا نثق أن نكون فى مقدمة الصفوف، رغم أننا كنا كذلك، ثم بحثت عن أسباب ذلك، فوجدت الإجابة فى أن هناك من ينشر الإنهزامية بما تعنيه إعدام الثقة فى النفس لدى شبابنا، ولدى القطاعات الحية من الشعب خاصة الفئات المتميزة فى العلم والمعرفة، ويتركز «هؤلاء»، فى شخصيات معروفة، ولكنها دائما ترى فى الفكر المعاكس خير وسيلة لانتشارها، تتسرب تدريجيا فى وسائل الإعلام حتى تحظى بمكانة معينة، وعندها تبدأ فى نشر السموم، وقد يساعدهم فى ذلك بعض من السياسيين قليلى الكفاءة، منعدمى الضمير، يتسمون بالانتهازية والتفريط والوصولية، الأمر الذى يساعد فى تكريس انعدام الثقة فى النفس. فالثابت فى وجدان الشعب منذ (900) عام تقريبا، أى تسعة قرون، أنه بعد ما استمرت الحروب الصليبية حوالى (200) سنة، ودنست بيت المقدس، جاء المقاتل صلاح الدين الأيوبى، ليحرر بيت المقدس، وأنه دائما ما ندعو إلى مجىء »صلاح« آخر لكى نستعيد »القدس« الحبيبة من براثن وتدنيس العدو الصهيونى، وتحريرها من الاستعمار الإسرائيلى المدعوم أمريكيا وغربيا، منذ وعد بلفور عام 1917، ومنذ مائة عام بالضبط، ومنذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948م الواضح أن هناك من يستهدف قتل الأمل فى نفوس الشعب العربى والإسلامى باستحالة تحقيق هدف تحرير القدس، لأن صلاح الدين الأيوبى المصرى لم يحررها، وكان ذلك أكذوبة، وهذا التقدير يكمل مهمة «سماسرة التطبيع» الثقافى، ممن دعون إلى التطبيع وزيارة إسرائيل رغم رفض جماعة المثقفين ونقابة الصحفيين والنقابات المهنية فكرة التطبيع، فالرسالة واضحة، أن البعض يقدم نفسه، لتجديد الفكر الانهزامى، وإعدام الثقة بالنفس، واستبعاد تحرير القدس، داعما فكرة إعاقة تقدم الأمة، رغم أن إمكانات التقدم قائمة.. وأخيرا أطمئنك التاريخ المستقر فى وجدان الشعب لن يهتز ولا الجغرافيا، وهما ثابتان كالجبال الراسخة، ولن تسمح القمم الثقافية، بتسرب هذا الطابور الخامس وانتشاره، بل إن عزله ومجابهته هو »الحل«، حتى تستمر ثقتنا فى أنفسنا وفى إنجازاتنا التاريخية!. لمزيد من مقالات د. جمال زهران