الإنسان هو الكائن السائل المتسائل بلا انقطاع، ويطرح عقب كل إجابة أسئلة أخري متجددة، وهو يتحرك دائما تحت دافع سؤال ملح، وفي بحث دائم عن معني وجوده ووجود الكائنات المحيطة به، هذا ما دام إنسانا. ومن يدري؟ ربما يأتي يوما يتوقف فيه الإنسان عن كونه إنسانا ربما يختزله الطغيان التكنولوجي المتزايد إلي مجرد آلة للإنتاج والاستهلاك دون أي أفق يتطلع به إلي ما وراء العالم المتلاعب التكنولوجي، وعند هذه المرحلة يصبح الإنسان عبدا للإله بحق كما يقول دكتور جوزيتي سكاتولين صاحب كتاب التجليات الروحية في الإسلام - نصوص صوفية عبر التاريخ: "إن الإنسان صنع الآلة ثم تحول علي صورتها ومثالها .. إن لم يكن تحول إلي عبد لها”. وقد صدقت هذه الكلمات علينا فأصبحنا أساري التكنولوجيا، وأصبح الإنسان مجرد أزرار يستخدمها، أو هي تستخدمه لأنه لا يستطيع أن يعيش دونها.لا يستطيع أن يعيش مع نفسه، مع انسانيته ،ومع المحيطين به من بشر. وحتي شهر رمضان الذي كان شهرا روحانيا بعاداته وتقاليده الإنسانية، لم يعد كذلك بعد أن اصبحت شاشة الموبايل (فيس . واتس) هي العالم الذي يعيش فيه كل منا منفصلا تماما عن نفسه وعن الآخرين أيضا. ويكتشف كل منا أزمة إنسانيته الضائعة عندما يداهمه مرض أو مكروه، ويتلفت حوله بحثا عن أنفاس البشر التي تدفئه فلا يجد أثرا، ساعتها يدرك أن العالم الافتراضي عالم من الوهم وأنه أضاع عمره أسيرا لآلة لا تحس ولا ترحم، وانه فقد الروابط الإنسانية الجميلة علي مذبح التكنولوجيا المخادعة. فقد نفسه وأصبح عبدا لمجموعة أزرار تحرك حياته بعيدا عن نفسه وإنسانيته التي لم يعد يعرف عنها شيئا. وكما يقول العارفون إن الإنسان من خلال خبرته الصوفية يتقابل في أعماق ذاته مع المصدر الأول لوجوده، وهو في نفس الوقت هدفه الأخير، هو الله. تري هل ما فعلناه في شهر رمضان يرضينا عن أنفسنا، وهل هزمتنا التكنولوجيا وأصبح الإنسان غريبا عن نفسه نهائيا؟ أم أنه سيظل إنسانا أبدا، بشرط أن يجلس مع نفسه ومع الآخرين دون أن يكون مشغولا بازرار الموبايل وشاشته؟. ولكل منا أن يجرب، وإذا نجحنا، فهناك أمل بأن إنسانيتنا لم تمت بعد.