لقد وقع الاختيار النبوي على الصحابي الجليل دحية الكلبي ليكون سفيره إلى هرقل قيصر الروم، وقد توجَّه إلى القسطنطينية بعد أن كلّفه رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بإيصال كتابه إلى قيصر، ولكنه ما إن وصل إلى بصرى (من مدن الشام) إلا وبلغه أن القيصر قد فارقها قاصداً بيت المقدس، ولهذا بادر الى الاتصال بحاكم بصرى وأخبره بأمر الرسالة فما كان منه إلا أن أوصلها للقيصر. كان دحية حسن الطلعة جميل المُحَيّا، وكان جبريل عليه السلام يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورته. كان هرقل يحكم النصف الغربي من العالم، وكانت بلاد الشام، ومصر وإفريقيا كلها من مستعمراته ويحكم الإمبراطورية الرومانية في أوروبا وكانت روما مقر البابوية ولا تزال كذلك إِلَى اليوم، وكان لدى هرقل من العلم بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله الشيء الكثير الذي تنطق كتب أهل الكتاب. لقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتابين لقيصر الروم والسفير في المرتين الصحابي دحية الكلبي، الأولى حين أرسل كتبه إلى حكام العالم آنئذ، وكانت الرسالة في عموم الكتب هي الدعوة إلى الإسلام فقط، بينما الكتاب الثاني في السنة التاسعة في غزوة تبوك، التي عرض فيها الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو الحرب. قال الإمام الزهري: فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار لهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد وأن يثبت لكم ملككم ؟ قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت وفي المعجم حاص القومُ: جالوا جولةً يطلبون الفرارَ والمهربَ فدعا بهم إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم فقد رأيت منكم الذي أحببت، فسجدوا له ورضوا عنه. يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: ولو فطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب: (أسلم تسلم)، وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة وأسلم، لسلم له كل الدنيا وكل الآخرة، ولبقي ملكاً على بلاده بعد أن يسلم كما كان ملكاً عليها قبل إسلامه. السفير دحية الكلبي من الأنصار أسلم قبل بدر ولم يشارك فيها، وشارك فيما بعدها من المشاهد، سكن في المزَّة على مقربة من دمشق ودفن فيها في خلافة معاوية بن أبي سفيان.