لم يكد «داعش» يظهر في الفلبين منذ أقل من 3 أسابيع حتى تزايدت أعداد مقاتليه إلى أكثر من 1200 تكفيري في تلك الفترة الوجيزة داخل هذه الدولة الآسيوية ذات الأغلبية الكاثوليكية. ودمر عناصر هذا التنظيم الإرهابي مدينة "ماراوي" الإسلامية الواقعة بجنوبها وأجبروا ربع مليون من سكانها وسكان المدن المجاورة لها بولاية ميندناو على الفرار، وهم يسعون من وراء ذلك لتحويلها لمعقل جديدة لهم أو مركز بديل للرقة أوالموصل. وتبدأ قصة ظهور ما يعرف ب"فرع أو إمارة داعش" في الفلبين بمبايعة جماعتي "أبو سياف" و"ماوتي" الفلبينيتين لهذا التنظيم التكفيري في مايو الماضي، وجاء إعلان ولائهما لداعش نتيجة لانشقاقهما عن جبهة "مورو الإسلامية للتحرير" التي تطالب بإنشاء دولة إسلامية في جنوب البلاد بسبب بدء الأخيرة لمباحثات سلام مع الحكومة الفلبينية. وذكر بعض المحللين أن داعش اختارت أنيلون هابيلون - زعيم مجموعة أبو سياف الإسلامية الذي تعتبره واشنطن أحد أهم الإرهابيين المطلوبين - أميرا لفرع هذا التنظيم الإرهابي في الفلبين، في حين يترأس الأخوان ماوتي "عبد الله ماوتي وشقيقه عمر الخيام ماوتي" الجماعة التي تحمل الاسم ذاته، كما يعملان وكل مقاتلي تنظيمهما الإرهابي تحت إمرة التكفيري هابيلون باعتباره أمير دواعش الفلبين الذى انضم إليه أكثر من 140 مقاتلا أجنبيا جاءوا من خارج البلاد بعضهم من الشرق الأوسط. ولمعرفة أسباب اختيار التكفيريين للفلبين دون غيرها، أعلن الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي أن قادة داعش أخذوا يبحثون بعد دحرهم في العراق وسوريا عن قاعدة جديدة، فلم يجدوا أنسب من جنوب بلاده نظرا لحصول المتمردين فيه، ولا سيما جماعتا ماوتي وأبو سياف، على التمويل اللازم لهم من تجارة المخدرات التي يمكن أن تمثل البديل المؤقت لتجارة الآثار والبترول والأعضاء البشرية التي استخدمها داعش كمصادر لتمويل أنشطته في الشرق الأوسط. ووسط غياب الأمن وعدم تأمين الحدود وتفشي الجهل والفقر في الجنوب، استولى التكفيريون على"مرواي" وحولوها لأطلال بعد أن رفعوا راياتهم السوداء فوق مبانيها وأقاموا بها مترايس تمهيدا لتحوليها معقلا لهم، كما أجبروا أكثر من 200 ألف من سكانها وسكان المدن المجاورة على الفرار، وقتلوا قائد شرطة مدينة ما لابانج خلال نقطة تفتيش تابعة لهم وقطع رأسه في المكان مباشرة. ودفع هذا الموقف الكارثي الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي لإعلان الأحكام العرفية في ولاية مينداناو التي تضم مدينة ماراوي، وأعلن خوض معركة ميدانية ضد الدواعش بها. وعلى الفور، شن الجيش والشرطة الفلبينية في 23 مايو عملية عسكرية للقبض على هابيلون أو قتله، لكن العملية أخفقت بسبب المقاومة العنيفة من مقاتلي الأخير. وتراجعت قوات الجيش عقب الهزيمة أمام 400 داعشي سيطروا على كامل المدينة وهاجموا السجن ومركز الشرطة واستولوا على أسلحته وذخائره وعلى مؤسسة بروتستناتية وكاتدرائية كاثوليكية واحتجزوا كاهنها وأكثر من 10 آخرين من رعاياها رهائن، كما دمروا مسجدا شيعيا. وردا على العمليات العسكرية ضدهم في مرواي، أعلن داعش في 31 مايو الماضي مسئوليته عما عرف بهجوم "الكازينو" بمنتجع سياحي في العاصمة مانيلا الذي أسفر عن مصرع 37 شخصا. وكإجراء احترازي، هدد الرئيس الفلبيني باحتمال فرض الأحكام العرفية في بقية أنحاء البلاد إذا لزم الأمر، وأعلن مكافأة مالية تقدر بنحو 410 آلاف دولار لمن يساعد في اعتقال هابيلون والأخوين ماوتي، كما رصدت واشنطن 5 ملايين دولار لمن يساعد في القبض على هابيلون لدوره في خطف وقتل مواطنين أمريكيين. ولم تقتصر آليات مواجهة واشنطن لدواعش الفلبين على إعلان المكافآت المالية وحدها، بل سلمت مانيلا أسلحة حديثة لم تحصل عليها من قبل للقضاء على الدواعش. وللحفاظ على الأمن الإقليمي، عقدت دول جنوب شرق آسيا مؤتمرا طارئا في سنغافورة حول أوضاع الأمن بالمنطقة أكدت خلاله رياميزارد رياكودو وزير الدفاع الإندونيسي أن دعش لديه نحو 1200 مقاتل في الفلبين، بينهم أجانب، وأكد حتمية اعتماد وسائل مواجهة شاملة ضدهم ومنع وصولهم إلى الفلبين وخاصة جنوبه لأنهم آلات موت وهدفهم قتل الناس. وفي النهاية، تكمن الأسئلة الأكثر أهمية الآن في كيفية وصول الدواعش وخاصة الأجانب منهم للفلبين، وهل سينجحون في التمركز فيها؟ يجيب مسئولون إندونيسيون عن ذلك بالقول إن الدواعش الأجانب ربما تسللوا إلى مراوي تحت غطاء التجمع السنوي لجماعة التبليغ السنية الدعوية التي لا تعمل بالسياسة والتي لا تمانع مانيلا في دخولهم. ولمنعهم من التمركز، يتعين على مانيلا إحكام القبضة على حدودها ومنع تسلل المزيد منهم إلى داخل أراضيها، فضلا عن حتمية مشاركة دول الجوار كإندونيسيا الجارة الأقرب للفلبين ثم ماليزياوسنغافورة وغيرها من دول جنوب شرق آسيا في إحكام السيطرة على حدودها ومنع أي من مواطنيها من اعتناق الأفكار التكفيرية أو الذهاب للفلبين للانضمام لفرع داعش بها، حتى لا يكتوي الجميع مستقبلا بنار الإرهاب.