شكل إعلان القيادة الكردية تحديد موعد الاستفتاء على الاستقلال عن العراق فى 25 سبتمبر المقبل، هزة سياسية فى بغداد، كما أنه أثار ردود أفعال إما رافضة أو متخوفة من نتائجة فى أحسن الأحوال. وبرغم أن مسالة تحديد مصير الأقليم أمر غير جديد ومسألة غير مستحدثة، حيث كان هناك إعلان مماثل صدر فى عام 2014 وتم تأجيله بسبب الظروف السياسية فى حينه لقيام تنظيم داعش باحتلال أجزاء كبيرة من العراق إلا أن هذه المرة هناك رغبة من أربيل فى استغلال نجاحها اللافت خلال حرب تحرير الموصل، وضعف الحكومة المركزية فى بغداد لاقتناص فرصة سانحة لوضع خطة الاستقلال، أو حتى فرض واقع جديد على الأرض يمكنها من الحصول على المزيد من الامتيازات. وعلى الرغم من بساطة السؤال الذى نتوقع أن يشتمل عليه الاستفتاء وهو«هل توافق على الانفصال عن العراق؟» وكون نتائجه غير ملزمة ولا يترتب عليها أى حكم قانونى أو دستورى، إلا أنه يشكل قاعدة لإقامة الدولة المستقلة، حيث يبدو أن الطرف الكردى الذى نال حكماُ ذاتياً فى عام 1991 بعد حرب الخليج، سئم من علاقة الشد والجذب مع الحكومة المركزية فى بغداد، الخلافات المزمنة حول عدد من الموضوعات منها مسألة ملكية حقول النفط فى المناطق الكردية وتأخير المستحقات المالية للإقليم وعدم دفع فوائد النفط. أيضاً إن الاستفتاء خطوة أولى من خطوات تشكيل الدولة المستقلة، وينبغى على الأكراد العمل على أكثر من مستوى لتحقيق الحلم،فعلى الصعيد الدولى يجب على أربيل الحصول على تأييد الدول الكبرى للاستفتاء أولا ودفعهم للالتزام بشعارات الحرية والديمقراطية التى لطالما تحدثوا عنها وهو أمر صعب خاصة مع إعلان دول مثل المانيا وفرنسا التى أعلنت صراحة رفضهم لفكرة الاستقلال أو حتى واشنطن التى رفضت ضمنيا الفكرة وقالت انها قد تصرف الانتباه عن محاربة الإرهاب، وهو أمر يبدو أن قادة الإقليم يتجاهلونه حين يؤكدون أن ردود الأفعال الدولية إيجابية حول قضيتهم فهم ينبغى عليهم الاعتراف بأن هناك فرقا بين الشعارات الرنانة والتنفيذ. مستوى آخر ينبغى على أربيل العمل فى اتجاهه وهو دول الجوار التى تخشى من امتداد مطالب الانفصال إلى خارج الحدود العراقية. والمعروف أن الأكراد موجودون فى 3 دول وهم سوريا وتركيا وإيران، وبسسب الأزمة المشتعلة فى سوريا فيبدو موقف دمشق من الاستفتاء غير واضح، وإنما الموقف جليا فى طهرانوأنقرة وهو الاتفاق على الرفض حتى وأن اختلفت الأسباب. فطهران حليفة بغداد ترى أن الاستفتاء ممكن أن يؤدى لمشكلات جديدة. وأما فى أنقرة فطبعاً لن تسمح الحكومة التركية وبأى شكل بوجود دولة جوار كردية تدفع أكرادها للمطالبة بالاستقلال أيضاً. ووصفت الاستفتاْء بكل وضوح بأنه خطأ فادح وعرضت القيام بوساطة بين أربيل وبغداد، وهنا يجب الأشارة لحجم العلاقات التجارية الكبير بين الطرفين فتقدر علاقات التبادل التجارى بمليارات الدولارات. مستوى آخر من العلاقات لا يستطيع إقليم كردستان إغفاله الا وهو المستقبل مع الدول العربية فهل ستغفر الدول العربية للدولة الجديدة مسئوليتها عن تفتيت دولة مثل العراق، وفى هذه الحالة يجب على القيادات الكردية إرسال رسائل تطمينات لهم. وأما داخلياً، فبالطبع أن مجرد عقد الاستفتاء سيكون نصرا كبيرا لرئيس الإقليم الذى ستنتهى ولايته هذا العام بعد تمديدها لعامين مسعود البرزانى، إلا أن هناك تحديات جمة لها تأثيرات سلبية على الوضع فى الأقليم فهناك تباين فى الرؤى بداخل الإقليم نفسه فيما يخص مسألة وتوقيت الاستفتاء فهناك مجموعة حتى وإن لم تكن كبيرة العدد متخوفة من تأثير الانفصال على الوضع الاقتصادى الذى يعانى الأمرين أساساً وتكافح إدارة الإقليم لدفع الرواتب، كما أن الإقليم يعانى مشكلات وتعقيدات سياسية. نقطة أخرى مهمة أخرى وهى النزاع حول كركوك، فهى وإن كانت لا تقع ضمن محافظات إقليم كردستان، غير أنها تحت سيطرة قوات البشمركة الكردية أمنيًّا، وفى وقت يرغب فيه المكون الكردى أن تشمل عملية الاستفتاء المحافظة يرفض العرب والتركمان إجراءه والانضمام إلى إقليم كردستان. وقد نص الدستور العراقى على أنَّها من المناطق المتنازع عليها، وفى حالة إجراء الاستفتاء فإنَّه يجب أن تقوم به الحكومة الاتحادية وليس كركوك، التى انضمت إلى سياسة الإقليم وإعلانها موعد إجراء الاستفتاء. ولذلك يرى البعض أن الاستفتاء سيكون بلا قيمة فى حالة استثناء كركوك منه. والآن فإن كردستان العراق أمام منعطف تاريخى ونقطة فاصلة تحدد مستقبله وترسم تاريخه، وهناك إعتقاد سائد بأن الاستفتاء ونتائجه المحسومة سلفاً ستكون ورقة ضغط تلوح بها كردستان للحكومة المركزية للحصول على المزيد من التنازلات والامتيازات وربما حتى كركوك الغنية بالنفط. وإنما المؤكد هنا أن قيام دولة للأكراد أمر مستبعد حالياً بسبب مخاوف إقليمية ودولية لأن تتحول الدولة الوليدة لشوكة للمنطقة المضطربة.