حين تقرر أن تغضب للدماء المغدورة، فتذكر أن المستهدف هو أن تغضب، ليكون الغضب حطب نيران تطهو الأفكار فتحيلها قنابل تسهم في اتساع دوائر النار. وحين تتسع دوائر النار يكون قطار الإرهاب قد بدأ يتحرك صوب محطات الفزع، حيث الأوطان أثرٌ بعد عين، والمواطنون الذين كانوا إخوة، قد استحالوا فِرَقاً، يقتل بعضهم بعضاً، والشرق الأوسط القديم يصير شرق أوسط جديداً يباركه النظام العالمي وفوضاه الخلاقه!. وحين تقرر أن تتألم وجعاً لمشاهد الدماء التي روت صحراء المنيا ليلة وقفة (رمضان)، فتذكر أن الوجع دليل عافية من إدمان مشاهد الدماء المسفوحة بفعل نصال وحوش العالم الجديد، الذين يتبادلون الأدوار على أعتاب انتظاره، فريق يجز الرقاب أو يفجر الرءوس، وفريق يُسَوِق المشاهد، لفريق يستنكر ويشجب، وفريق يوصينا بضبط النفس حتى تنتهي ساعات المخاض وعندها يولد (العالم الجديد) حيث حدود جديدة وأنظمة وليدة وتحالفات فريدة. وحين تفزع لمناظر الجثامين المرمية في صحراء طريق دير الأنبا (صموائيل) فتصرخ (بأي ذنب قتلت؟)، عليك أن تراجع نفسك قبل استخدام النص، حتى لا يصدمك مدعي تدين قائلاً (كيف تسقط النص القرآني على غير المسلمين؟)، وحتى لا يهاجمك مدعي عَلْمَنَة وتَحَضُر صارخاً (إن النصوص التي تتساءل عن ذريعة القتل هي نفسها التي تسوغ القتل؟)، وحتى لا ينقسم متابعوك في فضاء التواصل الاجتماعي إلى فريقين يتبادلان الصدام والاتهام ما بين مُدَّعٍ لتدين ومُدَّعٍ لتحضر، وكلاهما لا يعنيه حادث أو دماء أو أرواح غادرتنا، قدر ما يعنيه عدد ال (Comment Share-Like)! وحين تقرر أن تتفكر في حادث زوار دير الأنبا (صموائيل)، فعليك أن تثبت للدنيا أنك تمتلك من مفاتح الحكمة ما لم يملكه غيرك أو يسبقك إليه بشر، وبالتالي كن الخبير الأمني والمحلل الاستراتيجي والمتخصص في شئون الإرهاب والمهتم بقضايا الأقليات والحائز على كأس العالم في العدو وراء الحقائق والاستخواذ على الوثائق، وانشر مقاطع حصرية لشهادات الأطفال الفَزِعَة، ولسقطات الأمهات الثكلى، ولانفعالات القلوب المكلومة، وحبذا لو كانت صورتك السلفي في خلفيتها أحد النعوش، أو جموع من الوجوه التي تصرخ وتستغيث، إن هكذا تفكر في الحادث بالتأكيد سيضمن لمنتجه أن يبيع ولإنتاجك أن ينتشر ولا تشغل بالاً بوطن مستهدف أو بفوضى تنتقل جراثيمها عبر أداءاتك المختلفة، المهم أنك ستكون حاضراً في مشهد الخبراء الإخصائيين والمتفردين!. وحين تقرر أن تكون شريكاً في مشهد القتل، فكل ما عليك فعله أن تجعل صورة بروفايلك (مرسي أردوغان تميم رابعة سيفين ومصحف مكملين أسامه بن لادن أبو بكر البغدادي علم داعش محمد كمال حسن البنا ضد الانقلاب)، أو أبدع في اختياراتك وابدأ التنظير (النصارى عزلوا الرئيس الشرعي الكنيسة شاركت في الانقلاب إنها لعنة الدماء التي ستصيب الجميع ذهل أنقذتكم الطوارئ ..) وهكذا سيرتدي شيطانك ثوب الواعظ المؤمن صاحب القضية، وسيحيلك التنظيم إلى قاتل مستنعج قادر على أن يشارك في جرم القاتل بتهيئة أجواء الدماء، وتجييش مشاعر الكراهية الحيوانية، وتعميم ثقافة الاستحمار انتحاراً! وحين تقرر أن تكون مخَطِطًا للقتل، فعليك أن تكون قياديًا في تنظيم يختزل الإسلام (مشروعاً)، أو إعلاميًا يرفع الإسلام راية (سبوبة)، أو سياسيًا يهرب من وطنه ليجوب العالم لاعناً الوطن وأهله لأنهم لم يسمحوا له بأن يبلغ حلم تمكينه ويصبح من سدنة (الخلافة) بما لا يخالف شرع الله، وفي الحالات جميعاً ستعلن أنك سلمي الوسائل والمشروع وإن كنت تؤمن بأن (الجهاد سبيلك والموت في سبيل الله أسمى أمانيك) وسيؤمن على تصريحك مجلس العموم البريطاني ومعه الكونجرس الأمريكاني، لكنهم لن يفوتهم كلما اجتث إرهابك مصريين مسيحيين في الطريق إلى دير أو داخل كنيسة أن ينكسوا أعلامهم حداداً على ضحايا الإرهاب الأسود ويطالبوا بتهجير المسيحيين أو حمايتهم دولياً. وحين تقرر أن تكون مصرياً، فعليك أن تعيد النظر في كل مكونات مشهد الواقع، لتكتشف أن هذا الوطن القديم الذي تنتمي إليه، إنما استمد قِدَمَه من دماء عتقت عروق الارتباط به، فتعاقبت الهويات على أجياله مكونة منمنمات الإنسان المصري، العارف لربه فرعونياً ورومانياً ويونانياً ومسيحياً وإسلامياً سنياً فشيعياً ثم سنياً، إنها هوية وطن يحيلها الإيمان طاقة حضارة وعلم حضور على خريطة الإنسانية. وإذا ما تقرر أن نكون مصريين، فعلينا البحث عن ذلك الإنسان الذي كناه، حيث إنه الوحيد القادر على مواجهة الوحش الذي يستهدف النظام العالمي أن نكونه، والإنسان المصري القديم يمتلك مقدساً في وعيه مؤهلاً لأن يكون في الوعي العام قَسَمْ عنوانه (العيش والملح)، وجامعه (المودة) رحماً يربط المصريين ببعضهم حين يتحلقون حول (طبلية الوطن) يأكلون مُرَّهُ شهداً ما دام عهد (العيش والملح) باقيا، وهذا هو المستهدف الذي يصوب نحوه كل العدا سهامهم، فليست القضية استهداف المسيحي المصري أو المسلم، وإنما إسقاط الوطن بعد نقض عهد (العيش والملح). نزف للخلد شهداء الغدر، على الثغور في سيناء أو بساحات الرباط، وعلى أعتاب الكنائس أو أبواب المساجد، تسيل دماؤهم الزكية لتخبز عيشاً وطنياً مقدساً يحيل طعام المواطنة عهد صمود، يلزم الرعاة بحسن الإعداد والرعاية، ويحتم على الرعية اليقين بوطن، به نكون لا بغيره، وإن فرطنا يكون بغيرنا. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;