إنه إثم لو تعلمون عظيم ذلك الذى وقع فى المنيا صباح الجمعة الماضية من اعتداء خسيس على مواطنين مصريين آمنين، وجريمة وحشية استخف مرتكبوها بأبسط وأسمى القيم والتعاليم الدينية والإنسانية السمحة ونحن نستقبل شهر الرحمات والمغفرة، وضربوا بها عرض الحائط، ظانين أنهم يتقربون إلى الله زلفى بما سفكوه من دماء طاهرة أوجعت أفئدة كل مَن يملك عقلا وضميرًا يقظًا. وإن حسب الجناة الأوغاد أنهم أفلتوا بجرمهم المشهود فهم فى غفلة ويسبحون فى ظلمات بحور أوهامهم وأحلام يقظتهم، وسينالون العقاب الشديد جزاء ما اقترفوه وستلاحقهم اللعنات إلى يوم الدين، والبداية كانت دك أوكارهم فى درنة بليبيا، وعلى هامش ما جرى نبدى الملاحظات الآتية: الملاحظة الأولى أن الإعلام الوطنى بشقيه القومى والخاص أظهر اتزانًا ورشدًا فى تغطيته للحدث، رشادة التناول والتحليل حرمت الإرهابيين ومنتدياتهم من زهوة ونشوة الانتصار المزيف الذى يتباهون به على مواقع تواصلهم الشيطانية على الانترنت، ويخدم استراتيجيتهم لاشاعة الخوف والفزع فى نفوس المصريين بمسلميهم ومسيحييهم، من خلال الافراط فى نشر الصور والفيديوهات لجثث الضحايا وأشلائهم المتناثرة يمينًا ويسارًا. وذاك خطأ فادح كانت وسائل إعلامنا تقع فيه فى معظم الأحيان، كلما تعرضت البلاد لعملية إرهابية، وكان ينتج عنها آثار عكسية تماما، فمن جهة كانت تضاعف من لوعة وحزن أهالى الذين يسقطون قتلى ومصابين وتزيد احساسهم بالألم ما أن تقع أعينهم عليها، ومن جهة أخرى توفر دعاية مجانية للتنظيمات الإرهابية التى ترسخ أقدامها وتجتذب بواسطتها أعضاء جددا بإيهامهم بأنها صاحبة ذراع طويلة ولا يقف فى وجهها كائن من كان، وأنها تحمى الإسلام وغيرها من الخزعبلات والأكاذيب التى يروجونها بالليل والنهار. الامتناع عن نشر هذه النوعية من الصور المقززة ليس تعتيما ولا إخفاءً للحقائق وهروبا منها ومن دروسها المستفادة، لكنها وسيلة من وسائل مكافحة الإرهاب، وهو دور حيوى بدأت الصحف والفضائيات المصرية تتنبه إليه وتعززه بنشاط وهمة فى الآونة الأخيرة، ومن واقع المتابعة اليومية للصحف وشبكات التليفزيون العالمية نجدها تمتنع فى بعض المواقف والوقائع من إذاعة ونشر لقطات لأحداث مأساوية وكارثية، مستندة إلى أنها ستكون سببا فى إيذاء مشاعر البعض، حتى ولو كانوا يقدرون بالعشرات وليس بالآلاف والملايين، ومن المحاسن الجديرة بالإشارة إليها فى التغطية الإعلامية الاحجام عن البعد الطائفى بوصف مَن قتلوا غدرا بالشهداء وبأنهم مصريون، فالمسلم مثل المسيحى لا فرق بينهم، ومن يُقتل مغدورًا فهو شهيد. ثانية الملاحظات، أن الرئيس عبد الفتاح السيسى تحدث فى مناسبات عديدة، آخرها فى أثناء القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض، عن ممولى وداعمى الإرهاب، ويجتهد الصحفيون ومقدمو البرامج فى بيان مَن هم وما يقومون به لتمكين تنظيمات إرهابية من العربدة فى المنطقة، بينها داعش، وضخ الدماء المستمر فى شرايينها لاستخدامها كأداة لجمع مكاسب ومنافع سياسية ونيل مكانة لا تتناسب مع أحجامهم وأوزانهم التاريخية والجغرافية والحضارية والديموجرافية، وتساؤلى المشروع هو: ما الحائل بيننا وبين كشفهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد؟. أليسوا أعداءً لنا ولوطننا، ويسعون للاضرار به بكل السبل الممكنة وغير الممكنة، فهم فى معركة مفتوحة معنا وتتسم أساليبهم بالقذارة والحقارة، ومن حقى كمواطن ومعى باقى المصريين معرفة مَن معنا ومَن يحاربنا من تحت الطاولة وفوقها، ان تعريتهم ستجعلنا نأخذ حذرنا منهم، ومواجهتهم بالطرق والوسائل الصحيحة التى يفهمونها. ففى أوقاتنا الصعبة تلك لا مجال ولا متسع للتعامل الدبلوماسى الرقيق المؤدب، فما يلزم هو تحديد الواقفين فى مربع الأعداء، وفى خانة الأصدقاء، وأن نعلم مَن الذين يحجبون عنا المعلومات الأمنية من القريبين والبعيدين، بعدما تابعنا تحذيرات سابقة على وقوع هجوم المنيا الإرهابى أطلقتها سفارات أجنبية فى القاهرة، فالتعاون الأمنى من القوى الكبرى والصغرى لابد أن يكون وافيا وشاملا، لأن هم الإرهاب بات عالميا وليس محليا ولا إقليميا، ومثلما حذرنا فى الماضى الغرب والولايات المتحدة من تعرضها لعمليات إرهابية وأنقذنا المئات من رعاياهم فقد حان دورهم لمساعدتنا، إذا توافرت لديهم معلومات موثقة عما يُجهز من خطط غرضها الأساسى شق الصف الوطنى المصري، واثارة الفتن الطائفية، ودفع الأقباط دفعا إما للسعى للهجرة لبلاد الله الواسعة، أو الانزواء فى ركن قصى وعدم التفاعل مع ما يشهده البلد من حراك سياسى واقتصادي، ايثارًا للسلامة وحفاظًا على أرواحهم بعدما أصبحوا هدفا ثابتا للإرهابيين. الملاحظة الثالثة، أنه قبل يوم واحد من حادث المنيا كان الغرب يتطلع لوجه مصر الجميل متجسدًا فى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فالشيخان كانا فى زيارة لألمانيا الطيب ، وروسيا تواضروس ، وقدما بتصريحاتهما وتصرفاتهما بيانا عمليا لفضائل التسامح وحوار الأديان واشتراكها فى احترام وتبجيل النفس البشرية وتجريم ازهاقها بدعوى دينية باطلة، وأن يكون الانسان سيدًا لنفسه، وألا يبيع عقله بثمن بخس لجهلاء يجيزون لهم القتل والإرهاب، ويعطونهم صكا يدخلون به جنات النعيم والخلد، حيث تنتظرهم الحور العين، فهما تنويريان ومنفتحان على الآخر المختلف دينيا وثقافيا وحضاريا، ويحرصان على تمتين جسور الوئام والتفاهم بين الأمم والشعوب. هذه رسالتهما المبنية على العقل والتدبر وإضاعة الفرصة على دعاة الفرقة والتمييز الديني، وهدم المؤسسات والجيوش الوطنية واستبدال ميليشيات بها تعيث فى الأرض فسادًا وترويعا دون ضابط ولا رادع، الشيخان ليسا سوى قمة الجبل لوجه مصر الجميل، ومهمتنا أن نظهر منه أقصى ما يمكننا، فهذا الوجه هو الكفيل بهزيمة قتلة المصريين فى المنيا ومن على شاكلتهم. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;