جاءت الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي إلى السعودية لتشير بوضوح إلى ما سوف تشغله السعودية ودول الخليج من أهمية لدى السياسة الأمريكية تجاه المنطقة خلال الفترة القادمة خاصة أن الزيارة شملت إلى جانب العلاقات الثنائية بين البلدين، العلاقات الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الدول العربية والإسلامية التي شاركت في القمة وحضرها ممثلو 50 دولة. وفي الحقيقة إن تقييم أبعاد ونتائج ما جرى خلال الزيارة واجتماعات القمة الخليجية الأمريكية والقمة العربية والإسلامية الأمريكية يتطلب الوقوف عند الاطار الذي يحكم توجه الرئيس الأمريكي للتعامل مع هذه الأطراف، الأمر الذي يتضح من خلال التأكيد المتواصل للرئيس الأمريكي على ضرورة أن تدفع دول الخليج مقابل قيام الولاياتالمتحدة بتوفير الحماية لها، وكان ذلك الأمر ولا يزال هو الحاكم في تعامله مع دول الخليج. وتأكيد الرئيس الأمريكي أن مسئولية مواجهة الإرهاب مسئولية الدول الإسلامية، وأن أمريكا حليف مساند لها وهو ما عبر عنه بوضوح في خطابه في الرياض عندما أكد أن الدول الإسلامية مسئولة عن مواجهة الإرهاب بنفسها. ولا شك أن التحليل الواقعي لما جرى خلال القمم التي حضرها ترامب في الرياض يتطلب تحليل: أولاً وثيقة الشراكة الاستراتيجية السعودية الأمريكية، وثانياً بيان الرياض، ثم خطاب كل من الملك سلمان والرئيس الأمريكي باعتبارها الوثائق الرئيسية المتفق عليها بين الحضور، وبهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى أن إعلان الرؤية الإستراتيجية المشتركة السعودية الأمريكية يركز على عناصر رئيسية أهمها رسم مسار محدد نحو شرق أوسط ينعم بالسلام، وحقبة جديدة من الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وتشكيل مجموعة استراتيجية تشاورية والتصدي المشترك لأي تهديدات لمصالحهما، وتعزيز التعاون الدفاعي، وصياغة هيكل أمني إقليمي موحد وقوي وتوسيع اطار هذا التحالف لمن يرغب من الشركاء من الدول الإقليمية للدخول في التحالف.وجاء إعلان الرياض، وكأنه مذكرة تفصيلية لوثيقة الرؤية الإستراتيجية الثنائية ولكن بصورة أكثر تفصيلاً وتحت مظلة حوالي خمسين دولة إلى جانب الولاياتالمتحدة خاصة تشكيل تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي الذي سيستكمل تأسيسه العام القادم وتوسيعه بمن يرغب من الدول وتشكيل قوة من 34 ألف فرد لدعم العمليات ضد الإرهاب إذا دعت الحاجة في سورياوالعراق والشراكة مع الولاياتالمتحدة لمواجهة الفكر المتطرف ونبذ الأجندات الطائفية وممارسات النظام الإيراني وخطورة برنامج الصواريخ الإيراني وضرورة حماية الممرات المائية والارتياح لدعم الحكومة الشرعية في اليمن، أما تصريحات كبار المسئولين فقد شهدت تركيزاً أمريكياً على أهمية التعاون الاقتصادي ودعم التجارة مع دول المنطقة والتجاوب مع مخاوفها من الممارسات الإيرانية، بينما ارتفعت وتيرة العداء لإيران وسياستها باعتبارها العدو الرئيسي. وبالنظر إلى ما سبق نؤكد عددا من الاعتبارات ، أهمها أن من أهم نتائج الزيارة كانت ضبط الخطاب الأمريكي وخطاب الرئيس ترامب شخصياً تجاه الدين الإسلامي والمسلمين إدراكاً لمدى تضرر المصالح الأمريكية من مواقفه السابقة بهذا الخصوص. وتبلور ملامح انخراط امريكي اكثر إيجابية في قضايا وتطورات المنطقة تتجاوز سلبية الإدارة الأمريكية السابقة ولعل الإعلان عن عودة مناورات النجم الساطع قبل نهاية هذا العام دليل واضح على ذلك وتعكس ملامح التفهم الأمريكي للمواقف المصرية والحرص على دعم العلاقات الثنائية مع مصر على مستوياتها المتعددة. أن إعلان الرياض لا يتجاوز المبادئ العامة وتشير كواليس القمة إلى أن هذه الصيغة لم يتم التشاور الجاد بخصوصها وأنها جاءت توافقية بين مواقف ليست متطابقة وهو على هذا النحوغير ملزم بالنسبة للدول المشاركة في القمة ولا يعتبر اتفاقاً رسمياً. كما أن بعض ما ورد في البيان غير قابل للتطبيق فتشكيل قوة احتياط لمواجهة الإرهاب في سورياوالعراق (لاحظ من 34 ألف فرد وليست 35 ألفا، فعلى أي أساس تم تحديد العدد) وما المقصود بالإرهاب في العراق هل هو داعش أم الحرس الثوري الإيراني أم الحشد الشعبي الذي يتجاوز عدده 100 ألف يرتبطون بإيران وتم دمجهم ككيان متماسك داخل الجيش العراقي، ومن الذي ستواجهه في سوريا هل داعش أم القاعدة أم جيش الإسلام الذي يحظى بدعم من قوي إقليمية متعددة أم أحرار الشام التي تحظى بدعم إقليمي أم تنظيم نور الدين الزنكي المدعوم من تركيا أم حزب الله والفصائل الشيعية أو الحرس الثوري الإيراني. مجمل ما جرى في لقاءات الرياض يطرح بعض القضايا الاستراتيجية التي يتعين على دوائر صنع القرار المصري التعامل معها والبناء على ما ورد في خطاب السيد الرئيس السيسي في الرياض، والذي كان من أكثر المواقف الرسمية وضوحاً سواء في مقترحاته في مواجهة الإرهاب أو تجفيف منابعه أو فرز القوى والدول التي تساند وتمول الإرهاب. ومن أهم هذه القضايا في تقديري، أن أي تحالف إقليمي يجب أن يرتكز على أسس قوية خاصة حق كل دولة مع اتخاذ المواقف التي تعبر عن مصالحها، وأن محور التحالف هو التسليم بوجود تباين في الرؤى، ومحاولة تعظيم المشتركات دون فرض آراء أو رؤى خاصة. أنه إذا كان حتماً وضرورياً مواجهة الإرهاب بصورة جادة فيجب أن يكون هناك موقف إقليمي ودولي في مواجهة الدول الداعمة والممولة للإرهاب، ويجب ان تتبنى مصر مبادرات بهذا الخصوص، سواء لدى الدول الكبرى المعنية أو المنظمات الدولية. كما ان صيغة حل الدولتين هي الصيغة الوحيدة التي يمكن أن تسهم في حل الصراع الإسرائيلي، وأن اندماج إسرائيل في الإطار الإقليمي يجب أن يكون لاحقاً لتحقيق إنجاز على هذا المستوى. إن جزءاً من الموقف الأمريكي المتشدد تجاه إيران يستهدف التأثير على التحالف الروسي الإيراني، ومحاولة تفكيكه وربما لو تجاوبت إيران نسبياً بهذا الخصوص يمكن أن يكون الموقف الأمريكي أقل تشددا خاصة أن هناك تفاهمات أمريكية إيرانية غير مباشرة في العراق. أن التحالف المصري الخليجي يجب أن يراعي أن الاندفاع الأمريكي لتوفير الحماية للدول الخليجية في مواجهة إيران مصدره أساساً من خلال دعم قدراتها بصفقات تسليح وغيرها، وبالتالي على دوائر صنع القرار في مصر مراجعة مدى ثقل وتأثير وعائد هذا التحالف في المرحلة القادمة، والبحث عن صيغ تكفل الحاجة إليه في ظل تلك التطورات. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات