بعد كل معركة انتخابية، ومع تعالى الصيحات وانتشار الاحتفالات وسيل البرقيات للفائز بالتهنئة والأمنيات، يتوقف التصفيق والتهليل، لتنطلق مرحلة تقييم نتائج الحدث وتحليل مضمونها بما يضع حقيقة المشهد واضحة أمام الجميع لاستقراء مستقبل الدولة مع بداية العهد الجديد. وعندما جدد الشعب الإيرانى الثقة فى نظام الرئيس حسن روحانى فى الانتخابات الرئاسية، كان لابد من التوقف عند الأرقام مقارنة بالولاية الأولى التى فاز بها عام 2013، لنكتشف أولا أن زعيم الإصلاحيين حقق فارقاً أكبر فى انتخابات 2017، على الرغم من توحد التيار الأصولى خلف مرشح واحد وهو إبراهيم رئيسي، حيث قفز إلى 57٪ من أصوات الناخبين، متفوقا ب6٪ إضافية عما حققه منذ 4 سنوات. ويعكس انتصار روحانى الأخير، والذى توج بسيطرة الإصلاحيين على مجالس البلدية والقرى وإطاحتهم بالمحافظين الذين احتكروها طويلا، ارتفاعاً فى شعبية الرئيس الإيرانى رغم المشاكل والضغوط التى يتعرّض لها، وهو ما يقودنا إلى الحديث عن مضاعفة التحديات التى سيتحمل عبء مواجهتها وتذليلها للاستمرار فى الطريق الذى بدأه بخطوة الاتفاق النووى عام 2015، ولا يزال يزرع بذور الصفقة الكبرى فى أرض إيران أملا فى أن يقطف الشعب ثمارها يوما ما. ولعل وعود روحانى بمزيد من الانفتاح الخارجى ورفع العقوبات الاقتصادية وتنفيذ بنود الاتفاق الدافع وراء ما أكده الخبير فى الشأن الإيرانى محمد محسن أبو النور من أن روحانى سيسعى داخلياً لتعزيز سياسات السنوات الأربع الماضية بالتركيز على ملفى الاقتصاد والإصلاح المجتمعي، بدءا بتوفير مساكن للنازحين من الريف وتقليص الفجوة بينهم وبين أهل المدن، ومرورا بدعم برنامجه الانفتاحى على الغرب وكل المؤسسات العالمية لجذب الاستثمارات الأجنبية والتهدئة مع أمريكا بأى شكل، مضيفا أن ثمة تسريبات حول رسالة من روحانى وصلت للرئيس الأمريكى دونالد ترامب عبر رجل أعمال شيعى فى محاولة لتخفيف حدة التوتر بين واشنطن وطهران، خصوصا مع تعبئة الأجواء ضد إيران فى القمة الأمريكية الخليجية الأخيرة بالرياض وتصنيفها كأبرز أجنحة الإرهاب المطلوب استئصالها من المنطقة ومحوها من العالم بأسره. ويدخل روحانى الولاية الثانية بأجندة أولويات على رأسها حماية المشروع النووى من محاولات الإجهاض، وسرعة ترجمة الاتفاق عمليا فى ظل الأزمات الداخلية التى تجتاح إيران ومنها الفشل فى القضاء على التضخم، وخلق فرص العمل، وتحسين الوضع المعيشى للمواطنين، حيث شهد عام 2016 زيادة فى عدد العاطلين عن العمل نتيجة إغلاق المصانع والمعامل الإنتاجية فى البلاد، فيما تشير الإحصائيات إلى أن ثلثى السكان يعيشون تحت خط الفقر النسبى ، و15 مليونا يغرقون فى الفقر المدقع، وكلها ذرائع تدفع تيار المتشددين وأنصاره إلى إثارة الرأى العام مجددا على نظام روحانى انتقاما لخسارتهم الساحقة، ليواصل الحلم النووى الرقص مع «الذئاب» المتصارعة من أجل السلطة على حساب استقرار وأمن البلاد. ويظل هذا الوصف هو المانشيت الرئيسى للوضع السياسى فى إيران وفقا لتعبير مريم رجوى زعيمة المعارضة بالخارج.