هى مظهر رمضانى لا تخطئة عين فى أى من بلاد المسلمين، ومشهد من مشاهد التكافل الاجتماعى الذى يتفرد به الشهر الكريم عن غيره من الشهور .. إنها "موائد الرحمن"، زاد الفقير، والمسكين، وعابر السبيل. قد يبادر البعض بإقامة سرادق مجاور لمنزله وتقديم أجود أنواع الأطعمة، وآخرون يقدمونها على أنها صدقة جارية، بينما تبرع البعض للفقراء ب"كرتونة رمضان"، أو بقيمتها المالية، وبالإضافة إلى كل تلك المظاهر ينتشر الشباب فى إشارات المرور وقت أذان المغرب لتوزيع العصائر والتمر والمياه على الصائمين. وإذا كانت جميع تلك المظاهر هى من أوجه الخير والتكافل فنحن بدورنا نتساءل: ما آداب موائد الإفطار الواجب اتباعها من قبل المتبرعين ومن يفطرون على تلك الموائد، وأيهما أولى مساعدة المحتاجين بالمال، أم تقديم الطعام للفقراء الصائمين وعابرى السبيل ومن لا يجدون قوت يومهم ؟ وهل تحتسب الأموال المخصصة للموائد الرمضانية من الصدقات أم من زكاة المال؟ يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن، إن إعداد طعام ودعوة الناس إليه ليفطروا عليه، هو مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعى الذى دعا إليه الإسلام، وشرع لأجله الزكوات والصدقات، ومد يد العون لأصحاب الحاجات، وقد حض الإسلام على إطعام الطعام مطلقا، فقال الله تعالى فى صفات الأبرار: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا؛ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا” وورد فى السنة أحاديث عدة تحض على إطعام الطعام، منها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)، وذكر صلى الله عليه وسلم أن إطعام الطعام من أسباب النجاة من النار، فقال: ( اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة). مظهر إسلامي وأضاف: إن موائد الرحمن مظهر إسلامي، يشتمل على كل معانى التراحم والتآلف والتكاتف والتضامن بين الناس، وهذه الموائد إن أريد بما يقدم فيها زكاة الفطر، أو كفارة للحنث فى الأيمان، أو فدية للفطر فى رمضان فى حق العاجز عن صيامه، أو من مات قبل التمكن من قضاء ما أفطره، أو كفارة للظهار، أو ما يقوم مقامه، فإنها تجزئ فاعلها إن كان من يدعى إليها من الفقراء والمساكين، أو كان خليطا من الناس يجمع هؤلاء وغيرهم، إذا أحصى من فيها من الفقراء والمساكين فى كل مرة، ليعلم من أطعم من هذه الكفارات ونحوها، فضلا عما فى تناول الأغنياء منها من نيل ثواب إطعام صائم فى رمضان، فقد ورد فى الحديث عن رمضان: (من فطر فيه صائما: كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار) وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، ومن ثم فإن الأجر الوارد فى الحديث يناله من فطر صائما على تمرة، أو كوب عصير، أو جرعة ماء، أو نحو ذلك، ولا بأس أن يختار المفطر من هذه الموائد ما يناسب حاله وصحته ومدى تقبله لما يقدم فيها. الفخر شرك وأشار إلى أن الفخر والمباهاة بفعل هذه الموائد، أو التباهى والإعلان عن أنواعها بغرض الفخر، يعنى أنها لم تكن خالصة لله تعالى، ولا ينال صاحبها مما فعلبه شيئا من الأجر، للحديث: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ)، ولكن حتى ينال المرء ثواب هذا العمل، فإنه ينبغى أن لا يضيق الطريق على الناس، أو يوقع المارة فى حرج عند مرورهم على هذه الموائد، وألا يكون من شأن إعداد هذه الموائد ودعوة الناس إليها إحداث ضجيج أو ارتفاع أصوات، يتأذى منه الناس، وألا تكون وسيلة إلى جمع الصدقات أو الأموال، أو دعوة إلى تذكية أحد أو ترشيحه لهيئة أو مؤسسة، أو إكسابه نوعا من الوجاهة، أو محو خطأ ارتكبه فى حق الخاصة أو العامة، وأن يتحرى المال الحلال ليشترى به طعامها وشرابها، وإذا كان أكثر الناس لديه قدرة على الذهاب إلى هذه الموائد، فإن بعض الناس قد لا يتمكن من حضورها إما لبعد المسافة، أو عجزه عن الحركة، أو أن أفراد أسرته من الذكور والإناث يتحرجون من الذهاب إلى هذه الموائد، فيكون نقل الطعام إليهم بالكيفية المناسبة، أولى لمن فى مثل حالهم، رفقا بهم وبمن كان مثلهم، سواء كان هذا النقل عن طريق تجهيز طعام وتقديمه لهم، أو تقديم ما يجهزونه لأنفسهم، من عناصر الغذاء المختلفة. لا للتفاخر حذر الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية، ووكيل كلية حقوق القاهرة سابقا، من التفاخر بالموائد فى رمضان، لأن الله تعالى قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتصدق بيمينه ولا تعلم يساره، والأولى أن يخفى صاحب الصدقة ما يقوم به، ويترك الثواب لله، العالم بجميع الأمور، ولا يظهر ما يعبر عن تفاخره أو منه على الناس بمثل هذا الأفعال كمن يعلنون عن ولائم أو مآدب فى نهار رمضان، فى أجهزة الأعلام أو البرامج، من باب أن يحمدهم الناس فيسقطون ثواب الصدقة، ولكننا نقول إننا لا قضاة ولا حكام على من يقوم بالصدقة، فالله هو العالم ببواطن الأمور، وهو الذى يكشف الصدقة إن كانت خالصة لوجهه أو فيها معنى من معان الافتخار أو الظهور الدنيوي، والعمل يقدم والقبول متروك لله عز وجل، وعلينا أن نحث الناس بصورة لائقة على أن يخفوا مظاهر الصدقة، والله هو المحاسب على مافى القلوب، ونشجع الناس على أن يقوموا بذلك لسد جوع صائم أو حاجة فقير مستشعرين بذلك أجواء رمضان والصيام، وربما قربهم ذلك إلى التوبة والقرب من الله عز وجل. وطالب باتباع آداب إقامة تلك الموائد، وأهمها، أن يعامل المحتاجون والضيوف فى هذه المآدب معاملة لائقة، يكونون فيها بمنزلة الضيوف الذى أمرنا الإسلام باحترامهم، وكذلك يقدم فيها الطعام اللائق دون إهانة أو إشعار بالمن، أو المعاملة السيئة كإجلاسهم على الأرض، كما ينبغى على أصحاب الموائد أن لا يميزوا فئة دون أخرى، حتى لا يشعروا الناس بالضعف أو الإهمال، وليست العبرة بالقيمة، وإنما العبرة بالمعاملة الحسنة المبنية على الأخلاق، لقوله صلى الله عليه وسلم، (وخالق الناس بخلق حسن).