عملية استرداد أراضى الدولة التى بدأت تأخذ شكلا نشيطا بعد توبيخ الرئيس السيسى فى قنا لجهات الدولة المختلفة لا تحتاج قطعا إلى ذلك التصريح الذى أدلى به محمد مختار جمعة وزير الأوقاف عن أن «الاعتداء على المال العام لا يكون إلا من مجرم آثم قلبه، وأن استرداد أملاك وحقوق الدولة واجب شرعى ووطني». ذلك أن استمداد الشرعية من تلك السنادة الدينية الواضحة هو استنساخ لطرق تقليدية تعودناها فى تحويل كل إجراء نقوم به إلى عمل «ديني»، فنقول مثلا حين نواجه أحد خصومنا «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، وحين نسالمه أو نتصالح معه «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها»، وهكذا نلجأ فى كل أمر إلى إعطاء تلك السنادة الدينية لكل إجراء تقوم به الدولة لحماية هيبتها وسيادتها، فنرسخ دون أن ندرى فى أفهام الناس أن الالتجاء إلى المرجعيات الدينية لازم لكى تقوم الدولة بواجباتها وهذا غير صحيح على الكلية والتفصيل فالدولة لا تحقق شرعية قراراتها عبر رأى «المشايخ» ولكنها تفعل ذلك عبر «القانون»، ولابد من تعليم الناس قياس صحة كل قرار حكومى بالالتجاء للقانون وليس بتفسيرات رجال الدين. أينعم أن للأوقاف مصلحة مباشرة فى عمليات استرداد أراضى الدولة، لأن جزءا معتبرا منها هو أراض تابعة للأوقاف، ولكن يجب ألا يطرح التفسير الدينى كسند وحيد للقرارات الحكومية، وأينعم أيضا إن تفسير وزير الأوقاف الدينى لعملية استرداد الأراضى صحيح من حيث المنطق والدلالة، ولكن بصراحة فإن هناك فقدان ثقة فى الطريقة التى يكيف بها رجال الدين معنى أى نص دينى على هواهم أو ميل السلطة وأغراضها، ولابد أن نلتجئ إلى التفسير القانونى لأى إجراء فاهمين فى النهاية أن نصوص القانون فى معظمها مستمدة من الشريعة. نحن مؤمنون وموحدون بالله ولكننا نستشعر خطرا كبيرا يؤدى إلى الاعتماد على تفسيرات الأئمة فقط كوسيلة لإضفاء الشرعية على أى أمر، مع أن قرار استرداد أراضى الدولة قانونى ومنطقى وطبيعى لأن سرقة أراضى الدولة فى غيبة هيبتها، قبل وبعد عملية يناير 2011 هو أمر لا يحتاج أكثر من أن تقوم الدولة فى مرحلة استعادة صلابتها بأن ترجع كل شيء لنصابه وتستعيد أملاكها وتنهى حالتها أو صورتها «كشبه دولة».. عملوا الناس القانون والتزامه لكى يكونوا مواطنين فى «دولة». لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع