التعليم تعلن عن التصفيات النهائية لمسابقة "تحدي القراءة العربي" للعام الثامن    نائب رئيس جامعة عين شمس تتفقد أعمال التطوير بقصر الزعفران    الشرقية.. إحالة 30 من العاملين المقصرين بالمنشآت الخدمية للتحقيق    الجيزة: قطع المياه لمدة 6 ساعات غدًا بهذه المنطقة    «بولد رووتس» للتسويق العقاري تدشن أول مكتب إقليمي لها في دبي    وزير العمل: الخميس المقبل إجازة مدفوعة الأجر للقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    السعودية وبلجيكا تبحثان الجهود المبذولة بشأن التطورات في غزة    جوتيريش: علينا التزام أخلاقي بدفع جهود التهدئة في الشرق الأوسط    قائد الجيش الجزائري: التعاون مع الناتو ساهم في إرساء شراكة متينة ومثمرة    "تهرب تاو وأشعة لإمام عاشور".. طبيب الأهلي يكشف موقف مصابي الفريق    الزمالك يكشف ل «أهل مصر» حقيقة أزمة حسين لبيب مع أحمد سليمان    نجم ليفربول على موعد مع رقم تاريخي أمام أتالانتا في الدوري الأوروبي    "متلازمة أبريل".. هل حسم مانشستر سيتي أمر الدوري الإنجليزي بالفعل؟    9 مصابين في حادث سيارة بطريق الكريمات    مقتل مسن داخل فرح بالدقهلية رفض تحية أحد الحضور بمكبرات الصوت    وزارة التضامن تفتح باب سداد الدفعة الثانية للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية    من داخل طائرتها الخاصة.. ياسمين صبري تتألق في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق    كان السينمائي يمنح "ستوديو جيبلي" جائزة "السعفة الذهبية" الفخرية لأول مرة    سوزان نجم الدين ضيفة إيمان الحصرى في مساء DMC الليلة    آداب يوم الجمعة باختصار .. الاغتسال ودهن الشعر والتطيب    جامعة أسيوط تشهد انطلاق المؤتمر الثاني لطب الجنين بصعيد مصر    رئيس جنوب الوادي يتفقد 24 مصابًا فلسطينيًا في المستشفيات الجامعية    طبيب نفسي يكشف تأثير التوقيت الصيفي علي الصحة العامة | خاص    الإعدام لمتهم بقتل زميله بعد هتك عرضه في الإسكندرية    انخفاض الأسعار مستمر.. غرفة الصناعات الغذائية تزف بشرى للمواطنين    البنك الأهلى.. إصابة" أبوجبل" اشتباه في قطع بالرباط الصليبي    إعادة فتح حلقات توريد القطن لمدة أسبوع    «القومي لثقافة الطفل» يحتفل باليوم العالمي للتراث غدا    مجلس النواب يعقد أولى جلساته فى العاصمة الإدارية الأحد المقبل    وزير قطاع الأعمال: القطاع الخاص شريك رئيسي في تنفيذ مشروعات التطوير وإعادة التشغيل    مميزات وعيوب إيقاف تنفيذ العقوبة للمتهمين    بعد تغيبه.. العثور على جثة طفل غريق داخل ترعة في قنا    مفتي الجمهورية يفتتح معرض «روسيا - مصر..العلاقات الروحية عبر العصور» بدار الإفتاء..صور    الاتحاد الأوروبي: نرفض أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية ونخشى حدوث كارثة    بيلينجهام يمدح حارس الريال بعد التأهل لنصف نهائى دورى أبطال أوروبا    يسهل إرضاؤها.. 3 أبراج تسعدها أبسط الكلمات والهدايا    تعاون ثقافي بين مكتبة الإسكندرية والمكتبة الوطنية البولندية    قافلة طبية تخدم 170 مواطنًا بقرية الحمراوين في القصير البحر الأحمر    شوقي علام يفتتح أول معرض دولي بدار الإفتاء بالتعاون مع روسيا (صور)    وكيل الأزهر يتفقد التصفيات النهائية لمشروع تحدى القراءة في موسمه الثامن    إلغاء إقامتها.. مفاجأة جديدة عن بطولة الدوري الأفريقي في الموسم الجديد    وفاة معتمرة من بني سويف في المسجد النبوي بالسعودية    زاخاروفا: مطالب الغرب بتنازل روسيا عن السيطرة على محطة زابوروجيا ابتزاز نووى    5 خطوط جديدة خلال الربع الأول من العام تستقبلها موانئ دبي العالمية السخنة    طقس سئ.. غبار رملي على الطرق بالمنيا    تأجيل محاكمة حسين الشحات في واقعة ضرب الشيبي لجلسة 9 مايو    وكيل صحة قنا يجتمع مديري المستشفيات لمناقشة اللائحة الجديدة وتشغيل العيادات المسائية    فى الجيزة.. التعليم تعلن جدول امتحان المستوى الرفيع والمواد خارج المجموع لطلاب النقل والإعدادية    تعَرَّف على طريقة استخراج تأشيرة الحج السياحي 2024 وأسعارها (تفاصيل)    الوزراء يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    وثائق دبلوماسية مسربة.. البيت الأبيض يعارض الأمم المتحدة في الاعتراف بدولة فلسطينية    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    في قضية «الشيبي وحسين الشحات».. محامي لاعب بيراميدز يطلب الحصول على أوراق القضية    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    بلدية النصيرات: غزة تحوّلت إلى منطقة منكوبة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    بيان عاجل من اتحاد جدة على تأجيل لقاء الهلال والأهلي في دوري روشن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوعى الزائف
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 05 - 2017

نحن ندرس التاريخ ونبحث عن قوانين تتحكم فى مساره، وندرس المجتمع وتشكل الكيانات الجماعية والتفاعل بينها، كما ندرس الاقتصاد وقوانين العرض والطلب وتراكم رأس المال، فلماذا لا ندرس أيضا الأفكار وطرق تكونها وتطورها؟ كان هذا هو السؤال الذى طرحه المفكر الفرنسى ديستوت دى تراسى، فأسس من أجل ذلك علم الأفكار أو الأيديولوجيا.
هذا المصطلح شاع وانتشر فى الخطاب الفكرى المعاصر، وأصبح محملاً بدلالات عديدة ومتنوعة. ويعود هذا الانتشار إلى الاهتمام الذى وجهه له الفيلسوف الإلمانى كارل ماركس. واكتسب المصطلح لديه دلالات متنوعة ولكن كلها سلبية. فهو فى نظره تعبير مشوه عن الواقع، أو قناع يخفى الواقع الحقيقى، أو وعى زائف يخفى عن الانسان جهله، المهم أنه فى النهاية يشير إلى مجموعة من الأفكار يعتقد قائلها بصحتها لكنها تعبير خاطئ عن الواقع. فقائلها لا يتعمد الكذب، ولكن أحكامه، رغم ذلك، غير صحيحة. وتتسلل الأيديولوجيا إلى أذهاننا بصيغ مختلفة تكون فى الغالب غير واعية وخارجة عن إرادة الفرد، ويحدد ماركس لها الآليات الآتية:
أولاً: عرض ما هو تاريخى بوصفه طبيعىا وعقلىا، وبالتالى يتسم بالدوام والاستمرارية. فالتطور التاريخى يفرض على الإنسان نظم حكم وقوانين وقيما أخلاقية محددة. هذه النظم تكون لازمة فى فترة معينة ثم يتجاوزها التاريخ. ولكن الأيديولوجيا تقدمها باعتبارها شيئاً ضروريا وطبيعيا وأزليا. فقد اعتبر أرسطو أن النظام العبودى نظام فرضته الطبيعة على الإنسان بصرف النظر عن بلده وثقافته، وبالتالى أى مخالفة له هى خروج عن الطبيعة، وبالطريقة نفسها اعتبر آدم سميث النظام الرأسمالى هو التعبير الوحيد عن العقلانية فى الاقتصاد وما يخالفه من نظم غير عقلانى وضار بالإنسان.
ثانيا: تقديم المصلحة الشخصية فى صورة مصلحة عامة. فكل مواطن بحسب موقعه الاجتماعى ودوره فى الإنتاج تتشكل له مصالح معينة، ولكنه حينما يتحدث عنها فإنه يقدمها فى صورة المصلحة العامة ويظهر بمظهر الشخص المنزه عن الغرض والذى يبغى فقط مصلحة الوطن. فرجل الأعمال يرى دائما أن تحرير التصدير والاستيراد، أو تخفيف الضرائب هو أمر مفيد للمصلحة العامة. والأستاذ الجامعى ينادى دائما بضرورة الاهتمام بالعلماء وبالبحث العلمى. وطبقا لجان بول سارتر كان فلاسفة التنوير مثل فولتير وروسو وديدرو يكثرون الحديث عن الإنسان، وفى الواقع كان الإنسان عندهم هو البرجوازى، وبالتالى كانت أفكارهم هى دفاع عن مصلحة البرجوازية فى نضالها ضد الإقطاع والحكم الدينى، وليس عن مصالح الجماهير الشعبية.
ثالثا: التعبير عن الرغبات بوصفها وقائع، وهو أمر يدخل فى باب علم النفس الجمعى. حيث إن كثرة الإحباطات والتطلعات المجهضة تدفع المجموعات إلى البحث عن انتصارات زائفة.. فالألمان فى القرن التاسع عشر كانوا يعتقدون أنهم أمة عظيمة، ولكنهم كانوا ينظرون إلى انجلترا وفرنسا وقد حققتا امبراطوريات استعمارية كبرى، وغمرت السلع التى تنتجها صناعتهما كل أسواق العالم، أما الألمان فلم تكن لديهم مستعمرات وكانت الصناعة لديهم، فى ذلك الوقت متخلفة. ولهذا اعتبروا الأفكار التى ينتجها فلاسفتهم مثل كانط وهيجل أفكاراً عالمية، وأن هؤلاء الفلاسفة يفكرون للبشر أجمعين، وتصوروا أن الأفكار يمكنها أن تصبح عالمية، وأن تحل محل السلع.
الأيديولوجيا إذن ليست هى الحقيقة ولكنها فى نفس الوقت ليست كذباً قصدياً. كما أن مروج الأيديولوجيا قد يكون متلاعبا بالآخرين، كما أنه فى نفس الوقت قد يكون ضحية. ويكفى أن ننظر إلى من يتحملون معاناة قاسية وتضحيات هائلة بسبب أيديولوجيا يعتقدون بصدقها، إنهم ضحايا الوعى الزائف.
بالطبع نشعر أننا بصورة أو بأخرى واقعون فى براثن الأيديولوجيا التى تتسلل إلى فكرنا رغما عنا. فهل من سبيل للتحرر من الأيديولوجيا؟
يشير ماركس إلى نمطين من الفكر خاليين من الأيديولوجيا. النمط الأول هو العلم الذى ينتج نظريات لتفسير الظواهر قابلة للتحقق من صحتها فيعبر لنا بذلك عن حقيقة الواقع، وبهذا المعنى لن يكون وعيا زائفا بل وعى حقيقى. النمط الثانى هو النقد، وهو لا ينتج حقائق ولا يولد معارف، ولكنه يشير إلى مواطن الخلل فى الاعتقادات والتصورات الشائعة، ولهذا يعد النقد شرطا لكل تنوير.
بهذا التحليل للأيديولوجيا يمكن لنا أن نتجنب الخداع المضمر فى أقوال الآخرين، كما يمكن لنا - وهذا هو الأهم- أن نخضع أفكارنا ومعتقداتنا الخاصة للنقد الذاتى ونتخلى عن وعينا الزائف.
لمزيد من مقالات د.انور مغيث;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.