يمثل الروائى محمد عبد النبى حالة إبداعية غريبة، فقد نختلف معه فى آرائه وأفكاره أو فى القضايا التى يطرحها، لكن هذا لا يمكن أن يمنعنا من الاعتراف بأنه استطاع أن يقدم أعمالا إبداعية جيدة المستوى، وينطبق هذا على روايته «فى بيت العنكبوت» التى صعدت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، فقد اقتحم موضوعا شائكا بجرأة غير معتادة، وأجاد رسم أحداث وشخصيات روايته، كما جاءت لغته متدفقة سلسة خالية من تقنيات التجريب التى استخدمها فى بعض رواياته. وأصدر عبدالنبى خمس مجموعات قصصية وثلاث روايات، ووصلت روايته «رجوع الشيخ» إلى القائمة الطويلة للبوكر عام 2013، وفاز بجائزة ساويرس فى القصة القصيرة عام 2010، كما فاز بجائزة أفضل مجموعة قصصية فى معرض الكتاب 2015.. ما تقييمك لمشاركتك فى مسابقة البوكر من حيث المكاسب والخسائر؟ لم يكن هناك خسائر بالنسبة لى فى تجربة البوكر، فقد فزنا جميعًا، وفاز القراء أيضًا، بل فازت لجنة التحكيم لشجاعتها وتحديها المتوقع، وفزنا أيضًا بتعارفنا ببعضنا البعض، وهذا وحده شيء رائع. ماذا تقصد بقولك: «بل فازت لجنة التحكيم لشجاعتها وتحديها المتوقع»؟ أقصد أن وصول رواية العنكبوت للقائمة القصيرة هو فوز للجنة التحكيم، وأن منح الجائزة لرواية سعودية لكاتب شاب، مع عدم الالتفات للتوزيع الجغرافي، الذى توقع حصول ليبيا على الجائزة مثلا، هو أيضًا، فى ظني، علامة أخرى على نزاهة وشجاعة اللجنة. ماذا عن الدعوة لإطلاق جائزة إبداعية مصرية كبرى على غرار جائزتى البوكر وأمير الشعراء؟ أتمنى ذلك، لكن الجوائز العربية صارت كثيرة، ولا بد أن تكتسب أى جائزة جديدة صفة أو طبيعة خاصة بها تميزها عن الجوائز الأخرى. تطرح فى روايتك قضية شائكة وهى قضية المثلية الجنسية.. ألم تخش من طرح هذا الموضوع إبداعياً؟ لم يعد موضوع المثلية الجنسية من التابوهات، فلم نعد فى مجتمع مغلق، صحيح أنه ليس مجتمعًا متحررًا بما يكفي، لكنه ليس مغلقًا بكل تأكيد، فالانفتاح على العالم لم يعد خيارًا نملك أن نأخذه أو نرفضه، بل أصبح ضرورة للبقاء، ومسائل مثل المثلية الجنسية تُطرح فى الإعلام وفى الأعمال الفنية بين الحين والآخر، لكن المشكلة غالبًا تكون فى طريقة الطرح نفسها التى تتراوح بين الإدانة الصريحة والإشفاق والدعوة لعلاج المثليين، إلى آخر تلك المواقف المتحفظة والمغلوطة من وجهة نظري. وجزء من دور الأدب هو أن يمنح صوتًا للمنسيين، ولكن دون أن يعنى هذا الصراخ والعويل المعتادين فى الأدب الملتزم بمفهومه التقليدي. طريقة رسم شخصية بطل الرواية «هانى محفوظ» أوحت بأنك تدافع عن المثليين، خاصة مع إطلاقك لقب «الحبايب» عليهم.. ما ردك؟ لستُ بحاجة للدفاع عن هانى محفوظ، لأنه بالنسبة لى ليس متهمًا، بل هو شخصية فى رواية، ربما كان متهما عند الدولة والقضاء والمجتمع وليس عندي، لذلك كان كل ما عليّ أن أرسم شخصيته بما لها وما عليها، فالرواية ليست ساحة محكمة لا بدّ أن يصدر فيها حكم مع أو ضد الشخصيات الرئيسية، ولقب «الحبايب» أطلقته شخصية أخرى عليهم، وهو البرنس أبوهم الروحى فى الرواية. اعتمادك على حادثة واقعية وشهيرة أساسا للأحداث، وعودتك إلى وثائقها الأصلية جعل البعض يصف روايتك بأنها توثيقية.. ما رأيك فى ذلك؟ لكل واحد الحق فى أن يرى العمل كما يشاء، من ناحيتى حاولت ألّا أعتمد كثيرًا على المعلومات المتوافرة لدى حول قضية «الكوين بوت» التى تدور حولها أحداث الرواية، وأن ألجأ للخيال فى تكوين حياة بطلى وعلاقاته وأفكاره ومشاعره، وهو ما لا يمكن أن أجد له مادة متوافرة فى أى تقارير أو مواد وثائقية. أصيب البطل ب»الخرس» عندما ألقى القبض عليه فى بداية الأحداث، فاستعاض عن الكلام بالكتابة طوال الرواية تقريبا.. إلى أى شىء كنت ترمز بذلك؟ هذا ليس رمزًا لأى شيء، ربما يكون حيلة فنية لكى أدفعه دفعًا للجلوس وكتابة قصة حياته، أو ربما هو مجاز عن استعادة الصوت المفقود، بكبت المجتمع واضطهاده له، عبر الفن والكتابة، وربما تكون هنالك احتمالات أخرى ممكنة. جاء السرد فى الرواية مباشرا بدرجة كبيرة، وخاليا من تقنيات التجريب التى اتبعتها فى بعض رواياتك السابقة، فهل لذلك علاقة بنوعية موضوع الرواية؟ بعض التقنيات تكون واضحة وتشير إلى نفسها كما فى روايتى «رجوع الشيخ»، وبعض التقنيات تخفى نفسها بنفسها وتشير فقط إلى الحكاية والشخصية والعالم المطروح، وهو ما احتجت إليه أكثر مع «العنكبوت»، فيما أظن، لأن البطولة كانت لطبيعة الموضوع والشخصية وحكايتها وليس للألعاب الفنية. شخصيات الرواية متعددة ومتنوعة، وهى بالفعل كثيرة ومتداخلة كخيوط بيت العنكبوت.. كيف تمكنت من غزل هذه الشخصيات كلها فى نسيج واحد؟ صحيح أن الشخصيات كانت كثيرة، لكن كان هناك شخصية مركزية واحدة فقط، هى هانى محفوظ، نرى العالم كله من خلال عينيه، ما أتاح لى أن أستعين بالشخصيات الأخرى أو أضعها جانبًا وفقًا لحالته أو مشاعره، وبالتالى كان النسيج ينطلق من مركز واحد هو شخصيتى الرئيسية ووعيها وعواطفها، ما سهّل مهمة البناء والحركة بينها. يأتى «العنكبوت» فى الرواية رمزا مهما له حضور قوى.. فهو الذى يشارك البطل حجرة المعيشة، ويحتل درج مكتبه ويمنعه من الانتحار، وأيضا يحتل أحلامه.. فلماذا العنكبوت بالتحديد؟ أسوأ مفسّر للعمل الأدبى هو كاتبه، لذلك فإن أى كلام قد أقوله عن رمزية العنكبوت قد يكون بلا فائدة، وقد أشار د. شاكر عبد الحميد فى ندوة إطلاق الرواية إلى أن العنكبوت من رموز الأم الكبرى (أحد الأنماط البدائية فى اللاوعى الجمعي)، ولم أكن أعرف ذلك من قبل، فقد جذبنى فى العنكبوت أساسًا نسيجه وصورة هذا النسيج كمعادل موضوعى للعديد من تشابكات عالم هانى محفوظ وحكايته، ثم توالت بعد ذلك تداعيات واحتمالات تأويل مقصودة أو غير مقصودة، فالمبدع ليس ماكينة إنتاج دلالات يعرف عن يقين حقيقية ومغزى كل ما يكتبه.