تدخل المنطقة العربية مرحلة جديدة من اختبار التحالفات التى تساندها الدولة الأقوى اقتصاديا وعسكريا على المستوى العالمى لكنها مساندة مشوبة بأشياء كثيرة تستوجب كثيرا من الحذر فى التعامل معها قبل اصدار أحكام فورية على ما يجري. فقد خرج دونالد ترامب بأكبر مكسب يمكن أن يحصل عليه رئيس على الإطلاق فى تاريخ الرئاسة الأمريكية ودشن مرحلة جديدة فى العلاقات السعودية-الأمريكية التى سيتبعها خطوات تالية كثيرة.. والأهم بالنسبة لترامب أنه قد عاد بعقود وصفقات يفوق خيال المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى الذى سيقف وراءه فى الكونجرس ضد أى محاولات للإطاحة به من منصبه على خلفية ما جرى من استقالة مستشار الأمن القومى السابق مايكل فلين بسبب الاتصالات مع الروس ثم الإطاحة برئيس المباحث الفيدرالية إف. بى. أى أخيرا وما استتبعه من هجوم شرس وصل إلى الدعوة إلى عزل ترامب. قيمة الصفقات تسيل لعاب الشركات الأمريكية التى ستدخل مباشرة فى التعاقدات والشركات والدول التى سوف تستفيد من تدفق أموال ضخمة فى الإتجاهين وتجعل مرحلة ما بعد قمة الرياض مختلفة! ------- حجم الصفقات مع الأمريكيين تشير إلى أن العلاقات بين الخليج والولاياتالمتحدة يعاد صياغتها للمدى الطويل الأبعد من الحرب على الإرهاب، وربما بالنسبة لواشنطن هى فرصة لإحتواء ظهور منافسين دوليين أخرين مثل الصين وروسيا بعد أن وسعت الأخيرة من دائرة وجودها فى العالم العربى خلال السنوات الأخيرة. وفكرة «الناتو العربي» ستأخذ الكثير من الوقت فى النقاش لأسباب كثيرة جداً وأهمها دور الطرف الضامن لمثل تلك الترتيبات وهو الولاياتالمتحدة ورغبتها فى حدوث تقارب وصفقة نهائية بين إسرائيل والعالم العربى حول التسوية السلمية وهى الخطوة التى وردت فى وثيقة مشروع تحالف الخليج والبحر الأحمر التى حصلت عليها من داخل حملة ترامب ونشرت فى «الأهرام» بعد فوزه بالرئاسة فى نوفمبر من العام الماضى وتحفظت عليها عواصم عربية بسبب استباق المشروع المقترح للأحداث. -------- السيناريو الأقرب هو إلتزام الولاياتالمتحدة بضمان أمن حلفائها فى الخليج والدخول مع حليف تقليدى هو مصر فى شراكة استراتيجية أكثر عمقا فى المستقبل تضمن دعم القاهرة فى الحرب على الإرهاب وتوفير دعم اقتصادى أكبر وربما دور للشركات المصرية فى تنفيذ التعاقدات الجديدة. وقد كان رئيس الحرس الوطنى الأمريكى وعضو رئاسة الأركان المشتركة الفريق أول جوزيف لينجل واضحا فى الحديث المنشور فى الأهرام «أمس» عندما سألته عن أسباب الزيارة فقال السبب الرئيسى هو تأكيد العلاقة الاستراتيجية بين القاهرةوواشنطن وأن الولاياتالمتحدة تقف مع حلفائها التقليديين لتقوية قدراتهم العسكرية وحتى يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم داخل حدودهم. كما أشار المسئول العسكرى الأمريكى إلى أن واشنطن تنظر بتقدير إلى سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسى فيما يخص عملية الاصلاح الإقتصادى التى تضمن توفير مزيد من فرص العمل للشباب وبالتالى ابتعادهم عن تبنى الأفكار المتطرفة أو الانضمام للجماعات الإرهابية، وهو ما يعنى أن تجربة مصر فى التعامل مع التهديدات الإرهابية والمواجهة الشاملة تلفت أنظار المسئولين فى الإدارة الأمريكية إلى نضج فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب بكل أبعاده ويضع مصر فى مكانة أفضل دوليا فى الفترة المقبلة. ----- من المؤكد أن رؤية ترامب لمستقبل العلاقات مع العالم الإسلامى يمكن أن تفرض أوضاعا جديدة ومنها اجراءات مختلفة للتعامل مع الخطاب الدينى فى دول الخليج ورسم صورة للأخر تختلف عما هو متداول لعقود طويلة. قدر أكبر من الإنفتاح ينتظر المجتمعات العربية فى الخليج وربما يزداد الاهتمام بتوسيع رقعة مشاركة المرأة فى الحياة العامة وتخفيف القيود على الأجانب بعد أن فتحت السعودية الطريق أمام تملك المستثمر الخارجى نسبة 100 % من الشركات على أراضيها وهى خطوة يمكن أن تغيير من الكثير من أساليب ممارسة أنشطة الأعمال والبيزنيس. ----- كنت أتمنى أن تعقد القمة العربية-الإسلامية- الأمريكية على خلفية اتفاق واضح على مسميات بعينها فى مقدمتها تعريف الإرهاب ودور الحكومات فى مواجهة الميليشيات المسلحة التى تريد تقويض الدول ولدينا فيما يجرى فى المنطقة العربية أمثلة لا تقبل النقاش لكن الأولوية الأمريكية ستنصب بتأكيد تحجيم النفوذ الإيرانى فى المنطقة وهو محور تفكير الدوائر السياسية والعسكرية فى واشنطن على مدى سنوات وجاء ترامب ليسقط الافتراضات التى صنعها سلفه باراك أوباما عن بدء عملية احتواء لإيران من خلال صفقة البرنامج النووى ويبدأ ترامب مرحلة جديدة فى الخليج. لن تصلح أفكار «ناتو عربي» على غرار حلف شمال الأطلنطى من الأوضاع فى المدى القصير لأن الوجود العسكرى الإيرانى قد تعمق فى عدد من الدول العربية سواء فى سوريا أو اليمن تحديدا من ثم تصبح المواجهة العسكرية شديدة التكلفة ومخاطرة كبيرة والأرجح أن تشرع الولاياتالمتحدة وحلفاؤها فى عملية احتواء للجماعات الموالية لطهران فى تلك الدول والاستمرار فى فرض عقوبات اقتصادية تجعل الإيرانيين أقل قدرة على فرض هيمنتهم على المنطقة. ومايهم حكومات المنطقة هو عدم وصول التهديد إلى أراضيهم وهو تخوف مشروع فى ظل الارتباك والفوضى الضاربة فى عمق المنطقة. والأكثر أهمية بالنسبة لنا أن تذهب حصة معقولة من التمويل إلى مشروعات البناء والتعمير وتشجيع العلم المعرفة فى المناطق المحرومة أو التى ضربتها الحروب الأهلية والميلشيات الإرهابية حتى نمنح الناس أملاً فى غد أفضل. [email protected] لمزيد من مقالات عزت ابراهيم;