لعميد الرواية العربية نجيب محفوظ مقال رائع بعنوان «الصيام طاعة ومحبة لله» حمل بين ثناياه رؤية منهجية وعميقة لمعنى الإيمان وجوهر الإسلام هذا نصه: «قالوا لى فى حكمة الصيام إنه فرض على المؤمنين ليخبروا فى أنفسهم آلام الجوع فتنعطف قلوبهم نحو الفقراء، وأنه وسيلة تربوية لشحذ الإرادة واعتياد الصبر، وأنه سبيل إلى تهذيب نوازع النفس وتطهير الروح، كل هذا حق، غير أن المؤمن لا يقبل على الصيام لداعٍ من هذه الدواعى بقدر ما يقبل عليه طاعة لله ومحبة فيه، وهو يجد فى هذا السعادة دون تعليل أو تأويل، وطاعة الله ومحبته تقتضيان واجبات روحية لعلها أخطر من الصيام نفسه، ولكن الصيام تذكرة لمن شاء أن يوجه ضميره نحو هذه الواجبات لتأملها والعمل على تحقيقها، فليكن لنا من شهر الصوم فرصة طيبة لمراجعة النفس فى سلوكها حيال الحياة والناس على ضوء مبادئ الدين الخالدة، فأول هذه المبادئ التوحيد أو تحرير الروح من عبادة أى شىء أو أى شخص، فلا نعبد إلا الله وما قدم للبشر من دستور للخير والتقدم ومن هذه المبادئ روح التضامن فى المجتمع الإنسانى التى جعلت للفقير حقا فى مال الغنى معالجة بذلك الفقر ومشكلاته وعواقبه مع مراعاة ما يوسع به ( الاجتهاد ) على المؤمن المفكر من إيجاد الحلول الجديدة فى الظروف الاجتماعية الجديدة.. ومنها الدعوة الحقة إلى الأخوة الإنسانية دون تفرقة بين أسود وأبيض أو أصفر وأسمر إلا بالإيمان بالله والإنسان ومنها التسامح الدينى الذى جعل من بلاد الإسلام فى العصور المظلمة الموطن الوحيد الذى لا يلقى فيه الإنسان اضطهادا، بسبب عقيدته الدينية.. وأخيرا وليس آخرا، مبدأ الجهاد فى سبيل الحق الذى يدعو المسلم للعمل على تحقيق هذه المبادئ بما فى وسعه من قوة القلب واللسان أو اليد، وعلى ضوء هذه المبادئ ينبغى لنا أن نحاسب أنفسنا وأن نسائلها عن موقفنا الحقيقى من الدين الذى نؤمن به والله الذى نعبده». شروق محمد نجيب منيل الروضة القاهرة