الذين تابعوا احتفال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمرور المائة يوم الأولى له فى الحكم كان بمقدورهم إدراك أن هذا الرئيس يفتقر إلى إنجاز حقيقى يتباهى به أمام الشعب الأمريكي، لذلك فإن الجولة الخارجية الأولى فى تاريخ ترامب كرئيس للولايات المتحدة فى أوروبا والشرق الأوسط قد يكون هدفها الرئيسى تحقيق مثل هذا الإنجاز، لكن يبقى السؤال المهم بهذا الخصوص: ما هو هذا الإنجاز ومن سيدفع أثمانه؟ فمن المقرر أن يبدأ ترامب هذه الجولة يوم 25 مايو الجارى بزيارة بروكسل وهناك سيحضر قمة لقادة دول حلف شمال الأطلسى الذى وجه له الرئيس الأمريكى إهانات قاسية وغير مسبوقة امتدت إلى عدد من الحلفاء الأوروبيين الكبار وخاصة ألمانيا ومعها الاتحاد الأوروبي، خصوصاً عندما أبدى تأييده ودعمه للانسحاب البريطانى من هذا الاتحاد. وعقب انتهاء هذه القمة سيتوجه إلى إيطاليا لحضور قمة «مجموعة الدول السبع الصناعية الكبري» يومى 26 و27 مايو، ومنها سوف يتوجه إلى الشرق الأوسط، وقد تكون بداية هذه الجولة بالشرق الأوسط وبالتحديد السعودية، وبعدها يتوجه إلى أوروبا حيث أعلن أنه سيزور المملكة العربية السعودية وإسرائيل والفاتيكان، الأمر الذى اعتبره البعض تعديلاً مقصوداً يحمل معالم وأهداف هذه الزيارة بحيث تركز على التقريب بين الديانات السماوية الثلاث بزيارة الأطراف المعنية أكثر من غيرها بأمور هذه الديانات: السعودية (الإسلام) وإسرائيل (اليهودية) والفاتيكان (المسيحية)، ما يعنى أن هدف «الحرب على الإرهاب» قد تكون له الأولوية فى هذه الجولة، وليس هدف تحقيق إنجاز فى مشروع ما يسميه ترامب ب «الصفقة الكبري» المتعلقة بتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي. كان ملفتاً تعمد ترامب مغادرة واشنطن فى اليوم المائة من حكمه وتعمد تجاهل تقليد رئاسى أمريكى عريق يلتقى فيه الرئيس عادة بالإعلام والإعلاميين، وبدلاً من ذلك اختار أن يذهب إلى مدينة هاريسبرج بولاية بنسلفانيا، فى حين كان رموز هذا الإعلام يشاركون فى العشاء السنوى لرابطة مراسلى البيت الأبيض فى واشنطن الذى غاب عنه الرئيس فى سابقة هى الأولى من نوعها منذ 36 عاماً انتقاماً من الإعلام الذى ركز على فشل ترامب فى أيامه المائة الأولى من الحكم، واعتبر أنه «لم ينجز شيئاً». هذه الأجواء السلبية الداخلية سوف تؤثر حتماً على فرص نجاحات جولته فى أوروبا التى سيذهب إليها ليفرض شعار «أمريكا أولاً» دون اكتراث بحقيقة مهمة يدركها أغلب المفكرين الإستراتيجيين الأمريكيين مفادها أن «العصر الأمريكى قد انتهي»، وأن العالم يتغير حول الولاياتالمتحدة، ولم يعد يتقبل استعلاء السياسة الخارجية الأمريكية التى مازالت متمسكة بقواعد نظام عالمى لم يعد له وجود، وأن مستقبل النفوذ الأمريكى بات محل شك. هذه الحقائق راسخة لدى الأوروبيين، وأخذت تدفعهم لرفض إملاءات الشروط الأمريكية، والبحث عن مسارات استقلالية للسياسة الأوروبية لدرجة أن لجنة العلاقات الدولية بمجلس اللوردات البريطانى عبّرت عن ذلك صراحة على لسان رئيسها ديفيد هويل بالقول: «لم نعد نستطيع تصور أن تحدد أمريكا المسار لعلاقة الغرب مع الشرق الأوسط»، وحتماً سيكون لفوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا متفوقاً على منافسته مارين لوبين مرشحة اليمين المتطرف والأقرب إلى شعارات دونالد ترامب «الشعبوية» تداعياته على علاقة أوروبا بالرئيس الأمريكي. هل هذا يعنى أن ما سيفشل فيه ترامب مع قادة حلف شمال الأطلسى وقادة الدول الصناعية سيكون حريصاً على النجاح فيه مع دول الشرق الأوسط؟ هذا هو الأرجح لكن ترامب وإدارته فشلا فى الإعداد لهذه الجولة وباتت فرص نجاحه محدودة أيضاً بعد انكشاف غير مسبوق لزيف المشروع السياسى الأمريكى فى الشرق الأوسط، وظهور متغيرات جديدة قد تحبط رهاناته على نجاحات شرق أوسطية. فقد أساء ترامب الإعداد لزيارته للسعودية عندما أعاد التأكيد على ما كان قد صرح به فى أثناء حملته الانتخابية. فقد عاد ترامب ليكرر حديثه عن «الحماية الأمريكية للسعودية»، وأن «على السعودية أن تدفع مقابل ذلك» وأن المملكة «لم تتعامل بعدالة مع الولاياتالمتحدة»، وشاكياً من خسارة واشنطن أموالاً هائلة فى الدفاع عن السعودية. كما تجيء زيارة ترامب للمنطقة بعد صدور قرار تاريخى لمنظمه اليونيسكو بأغلبية ساحقة يعتبر القدس مدينة خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وأن الحرم الإبراهيمى فى مدينة الخليل، وقبر راحيل فى بيت لحم للمسلمين ولا يحق للكيان الصهيونى ضمهما. هذا القرار يضع ترامب أمام تحد كبير فى تنفيذ وعوده بنقل السفارة الأمريكية للقدس، وأن فعل ذلك فهو سيدخل فى صراع مكشوف ليس مع العرب فقط أو المسلمين بل مع العالم الذى أيد هذا القرار، وسيضع نهاية مبكرة لمشروعه الخاص ب «الصفقة الكبري» للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خصوصاً أن معالم هذه الصفقة باتت مكشوفة بل ومفضوحة وعلى لسان كبار مبعوثيه ومستشاريه. ففى زيارة جورج بابودوبولوس مستشار ترامب لإسرائيل مؤخراً تحدث للمرة الأولى عن الضفة الغربية بالمسمى الكاذب الذى تفضله إسرائيل أى «يهودا والسامرة» الأمر الذى يعنى اعترافاً أمريكياً مسبقاً بحق إسرائيل فى ضم الضفة الغربية إلى أرض إسرائيل. وكرر هذا الأمر فى لقائه مع رئيس «مجلس المستوطنات» يوسى داجان بقوله «إننا نتطلع إلى التحول فى علاقات جيدة مع كل إسرائيل بما فيها يهودا والسامرة التاريخية». وفى الزيارة التى قام بها جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكى إلى تل أبيب صرح بأن «إسرائيل حليفتنا وصديقتنا القديمة فى المنطقة والخطران اللذان تواجههما (التطرف الإسلامى الشيعى بقيادة إيران والتطرف الإسلامى السُنى بقيادة داعش) هما الخطران اللذان جئت لبحثهما مع الحكومة الإسرائيلية»، هذا يكشف أنه ليس فى أجندة إدارة ترامب شئ له علاقة بحقوق الشعب الفلسطينى أو السلام العادل، كل ما يعنيه هو «محاربة الإرهاب» الذى يتهدد إسرائيل ويبدو أن هذا هو الهدف الرئيسى لجولة ترامب فى الشرق الأوسط وفى اعتقاده أن العرب باتوا مستعدين لدفع أثمانه. لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس;