جاء اختيار يوم احتفال مصر بالذكرى ال 35 لتحرير سيناء الثلاثاء الماضى لانطلاق المؤتمر الوطنى الثالث للشباب على ضفاف قناة السويسبالإسماعيلية، موفقا للغاية فكانت الرسالة لشباب مصر مفادها أن هناك من سبقوهم ممن توحدوا حول الوطن وصبروا وصنعوا البطولات من أجل رفعة البلد واسترداد الكرامة بالعمل والتضحيات، فلم يكن الهدف فقط إحياء الذاكرة الوطنية والوعى بل أيضا وضع خريطة طريق للمستقبل والتنمية والبناء والتعمير. خلال جلسات المؤتمر ارتفعت وتيرة المناقشات بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والشباب المشارك فى الفعاليات التى عقدت لمدة ثلاثة أيام, وفى إحداها ران الصمت المكان والرئيس يرفع قبضته فى الهواء محدثا الجيل الجديد قائلا: «طول ما أنتم إيد واحدة.. ماتخافوش»... فقد كان حديث السيسى المتكرر خلال أيام المؤتمر عن ضرورة توحد المصريين وعدم ترك مساحة للشقاق أو فرصة لمن يمولون الفوضى والخراب، هى الكلمات الأكثر شيوعا فى خطابه إلى الشباب والرأى العام، الذى يشاهده أو يسمعه، وجاء الحديث أكثر صراحة ومباشرة من السيسى إلى كل المصريين، ولم يتوان عن تكرار جملة «عامل الاستقرار الحاسم هو وعى الشعب المصرى وتماسكه».. عين على الإصلاح الاقتصادى الشامل.. وعين أخرى على وحدة المجتمع المصرى فى مواجهة مخاطر كثيرة وتثبيت أركان الدولة المصرية حتى لا تقع فى شرك من يدبر لها فى الخفاء أو العلن! وعندما ارتفع صوت السيسى معقبا على الحضور وداعيا المتحدثين من كبار المسئولين إلى التحدث بلغة مباشرة يفهمها عامة الناس والبسطاء حتى يشاركوه وحكومته هموم الإصلاح الصعب، أنصت الجميع إلى كلمات متدفقة من الرئيس دون ترتيب أو تحضير، وبين الجملة والأخرى كان الرجل يتحسس كلماته ويغالب نفسه فى الكشف عن المزيد من الحقائق، فهو يعلم أنه ليس كل ما يعرف يقال.. ويعلم أن السياسة والمكاشفة لا يتقابلان كثيراً حتى لو كان حديثا من رئيس إلى شعبه فى جلسة مصارحة! نظر الحضور إلى بعضهم البعض فى أسى شديد بعد أن أسهب الرئيس فى شرح أسباب ما وصلنا إليه خاصة ما قاله عن «الواقع المؤلم» الذى يتحسب منه المواطنون على مدى خمسين عاما مضت دون أن تتخذ الدولة إجراءات قوية لبناء دولة حقيقية طوال تلك الفترة الممتدة. قال الرئيس إن المشكلات ظلت تتراكم على الدولة المصرية دون مواجهة حقيقية من الأنظمة السابقة، وأن توصيف المشكلات فى السنوات الماضية كان بمثابة «خداع ووعى زائف» للمصريين. وقال: «أنا لا أدعى امتلاك الحقيقة بمفردي.. وعلى مدى ال 60 عاما الماضية.. كل محاولات الرؤساء السابقين من جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، وحتى أنا، لم يحدث مرة أن توازن الدخل القومى مع زيادة معدلات السكان»!! ومن العبارات الموحية بثقل المسئولية قوله: «اقبلوا اعتذارى إنى حاولت أصلح المركب وأعدى بيها (قناية) وطلعت (بحر).. نظرا لكثرة التحديات والمشاكل». المواطنون اعتادوا من الرئيس على الصراحة، لكن الحديث فى الإسماعيلية كان محملاً بكثير من الثقة فى المصريين برغم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع تكاليف الحياة وهو ما دفعه إلى العودة فى مداخلاته إلى ما جرى فى الأعوام الخمسين الماضية والتى ظلت تتراكم فواتيرها حتى تعين على الأجيال الحالية أن تسدد قيمتها.. وفى كل مرة كان الرئيس يختتم كلامه بعبارة «أصبروا.. وتحملوا»! أيضا لم يخف الرئيس انزعاجه من انفلات أسعار السلع ولكنه كان أكثر واقعية فى التعامل معها عندما قال إن الرقابة على الأسواق هى مسئولية مشتركة بين الدولة والمجتمع للوقوف فى وجه المغالاة غير المبررة فى الأسعار، ثم يدعو المواطن إلى تحمل مسئولياته فى ترشيد الاستهلاك مشيرا إلى أن زيادة الوعى الشعبى مسألة لا نقاش فيها من أجل التغلب على التحديات الاقتصادية الراهنة، دون أن يحاول الاختباء وراء العبارات الدبلوماسية، جاءت كلماته عن أداء مؤسسات الدولة واضحة وجلية عندما قال فى معرض حديثه عن أسباب تأخر طرح الأراضى فى مشروع المليون ونصف المليون فدان بسبب البيروقراطية والبطء الشديد فى استجابة الأجهزة المسئولة فقال: «الخلل موجود فى كافة مؤسساتنا». قبل أن يتحدث الرئيس، كان شباب البرنامج الرئاسى قد طرحوا عددا من الأفكار من بينها خمسة أسس لمقومات النجاح من وجهة نظر الجيل الجديد وهى دعم إرادة القيادة السياسية فى سبيل إنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، واستعادة مؤسسات الدولة المصرية لقوتها وتأثيرها وتكاملها، والانتهاء من المشروعات القومية فى توقيتاتها المحددة، والمضى فى برامج الرعاية الاجتماعية لتوفير مظلة حماية للفئات الأكثر عرضة لتقلبات الأوضاع الحالية، والتأكيد على قوة الجهاز المصرفي. والملاحظة المهمة هنا هى أن الرئيس كان يتحدث بشكل مفصل عن المشكلات الراهنة، فمثلا قال فى إجابته على أسئلة المواطنين فى جلسة «اسأل الرئيس»: إن الوضع الحالى هناك ارتفاع فى قيمة المصروفات بالنسبة لحجم الإيرادات، مما يؤدى للاقتراض لسد عجز الموازنة وزيادة الدين العام الذى تضاعف أربع مرات عما كان عليه عام 2011 ليصل إلى 3.4 تريليون جنيه. ومن ثم، يتم تخصيص جزء كبير من موارد الدولة لخدمة الدين بما يعادل 350 مليار جنيه سنوياً ومازالت الدولة تتحمل حوالى 350 مليار جنيه سنوياً لدعم السلع الأساسية والوقود والكهرباء، فضلاً عن ارتفاع قيمة ما ينفق على الرواتب والأجور من 80 مليار جنيه عام 2011 إلى 240 مليار جنيه خلال العام الحالي، فضلا عن أن النمو السكانى الذى يصل إلى 2.5% سنوياً يفرض تحقيق معدلات نمو اقتصادى مرتفعة لا تقل عن 8% حتى يشعر المواطنون بثمار الإصلاح الاقتصادي. كان يمكن أن يرتق الرئيس الثوب ولا يتدخل إلا قليلا ويترك الأمور على حالها، إلا أنه اليوم يقف متحديا بما يفعله حتى لو كانت هناك آثار سلبية لبرنامج الإصلاح والذى جاء لإصلاح الخلل الهيكلى فى الاقتصاد وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين. لا يبدى من الرئيس فى الحوارات مع الشباب فى الإسماعيلية اكتراثا كبيرا بمسألة الانتخابات أو التجديد فترة رئاسية ثانية، فهو يضع مواعيد صارمة لإنجاز عدد هائل من المشروعات قبل نهاية فترته الرئاسية الأولى ويريد ان يقدم كشف حساب دقيقا عما وعد به وما تحقق فى فترة أربع سنوات من حكمه ولا يرى أن الصخب الإعلامى والضوضاء الحالية تسمح بتقديم كل ما تحقق على أرض الواقع بشكل منصف وهو ما يدفعه إلى زيادة تلك الجرعة من الحوارات مع الشباب كل شهر تقريبا حتى يتحدث مباشرة إلى الجيل الشاب، وحتى يصل بما يريده إلى الجماهير مباشرة عبر حوارات لساعات طويلة لم يبد الرجل خلالها انزعاجا ولم يتبرم من سؤال أو يفضل الخوض فى قضية دون أخري. وبصراحة فإن من يشغلون أنفسهم بمن يأتى ومن يذهب ومن لا يقيمون وزنا للوعى والعمل الجماعى هم من أسباب الفشل فى إنجاز ما يجب إنجازه فى فترة زمنية محددة وهم المعوق لأى جهد يستهدف قطف ثمار الإصلاح فى أى مجتمع.. وفى كل مؤسسات الدولة التى تعانى من «الخلل» فى الاستجابة لخطط التحديث والتطوير أمثلة على حجم التحدى فى بث روح جديدة فى منظومة العمل العام فى مصر، والتى بدورها تحتاج إلى حزم وشدة فى تطويعها لأهداف التغيير.. فالشكوى لا تكفى والتعويل على وعى الناس لا يأتى بنتائج إيجابية دائما ومن ثم ينبغى تفعيل أدوات أخرى تقوم على المحاسبة والتقويم السريع للأداء. منهج الرئيس هو عدم «الصدام» مع المؤسسات ولكنه يقوم بعملية إصلاح متدرجة وتلك رسالة إلى المؤسسات التى عليها أن تبادل الرئيس روح المسئولية والرغبة فى التغيير الحقيقي. قيمة «الوعى المصري» الذى يبحث الرئيس عنه لدى جموع الشعب هى أنه القاطرة التى ستدفع الإصلاح والتحديث إلى مستويات غير معهودة.. ويعلم الرئيس أن ما تركته الثورة الشعبية فى 30 يونيو من لحظات لا تنسى من إعلاء قيمة الوطن والأمن والاستقرار يجب ألا تنمحى آثارها مهما حدث والرهان دائما على وعى الجماهير وقد كانت الساعات الحية والمتدفقة فى مدينة الإسماعيلية طاقة أمل فى تحقيق حلم يسابق الرئيس ومعه الشعب الزمن لتحقيقه ألا وهو «الارتقاء بالوعى المصري» حتى يمكن الوصول إلى الأهداف التى يرجوها الجميع اليوم من التنمية الشاملة إلى إصلاح كل مناحى الحياة على أرض مصر! الوعى المصرى مشروع لا ينبغى نسيانه أو تغافله.. فهل نقف وراء الرئيس فى مسعاه؟! لمزيد من مقالات بقلم : محمد عبدالهادى علام