تأسست ثقافة الأميين على التعددية ونبذ الأحادية والاعتراف بالآخرالمختلف (تعدد الآلهة والقديسين والأولياء) وبالتالى لا يعرفون لغة التكفير، لكل ذلك ولأسباب أخرى يذهب ظنى إلى أنّ الأمية المصرية أفضل من التعليم. وأود أنْ أوضح أنّ الأمية لاترادف الجهل أي فقدان المعرفة فى فرع معين، فالطبيب جاهل بعلوم الهندسة، والمهندس جاهل بعلوم الطب..إلخ. ................................................... كما أنّ الأمية لاتنفى وجود ثقافة قومية أبدعتها الشعوب عبرآلاف السنين. وهى الثقافة المُجسّدة فى مجموع أنساق القيم، مثل العادات والموروث الشعبى من أمثال ونُكت ومواويل وحواديت.. إلخ. والأميون المصريون أبدعوا فى فنون العمارة والخزف والخيامية بل وفى صناعة البارود، مثلما حدث عندما زارعلماء الغزو الفرنسى مصنعًا للبارود فى الحوض المرصود ورأوا بندقية دقيقة التصويب. وسألوا عمن صنعوا البارود والبنادق، وعلموا أنهم من الأميين. وذكر د.عبدالحميد يونس: «إنّ بعض الأميين أوسع ثقافة من بعض المتعلمين، وأنّ القراءة والكتابة ليست هى الفيصل، لذلك تجد فلاحًا يُعبرعن وعى ثقافى أكبرمن إنسان حصل على شهادة من إنجلترا. وأنا أتكلم من واقع خبرة حيّة. وعند الفلاحين، وهذا لاحظته كثيرًا، يكرهون القضاء الشرعى ويُفضلون حل مشاكلهم بأنفسهم» (أبعاد الشخصية المصرية- هيئة الكتاب المصرية 1999 ص112) وفى دراسة ميدانية لدكتور أحمد زايد كتب: «كشفتْ البيانات أنّ غيرالمتعلمين أكثر مرونة فى قبول فكرة التعامل مع أفراد مختلفين عنهم فى الصفات من المتعلمين. بل لوحظ أنّ درجة المرونة تقل بإطراد مع ارتفاع المستويات التعليمية» (المصرى المعاصر- مكتبة الأسرة 2005ص 61) وأوضحتْ الدراسة أنّ «مظاهرالتناقض والازدواجية تبدوأظهرعند الشرائح المتعلمة منها عند الأميين» (ص 166) وفى دراسته للماجستير ذكر الباحث أحمد أنور أنه أعدّ استمارات استبيان حول بعض الأمور العامة وفى سؤال عن دورالدين فى أسباب هزيمة يونيو67 وهل هى غضب من الله كما يقول البعض، كانت النتيجة أنّ 7.3 % من نسبة الأميين يرون أنّ سبب الهزيمة هو «غضب ربنا علينا» بينما النسبة عند ذوى التعليم المتوسط 48 %، وذوى التعليم العالى 6, 56 % (مصباح قطب– صحيفة الأهالى 13/10/93)، وهذا المثال يُوضح أنه رغم اعتقال عقول شعبنا فى مبنى ماسبيرو وفى مدارس وجامعات مصر، فإنّ الأميين المصريين كانوا أكثر وعيًا من المتعلمين بالأسباب الحقيقية لهزيمة يونيو، وأنهم لم يتأثروا بكلام المؤسسة الدينية عن أنّ الهزيمة سببها غضب من الله. وقال «عبدالناصر» فى اليوم الثانى للهزيمة فى برقية إلى «الملك حسين» «إنها إرادة الله» (صادق جلال العظم- نقد الفكرالدينى- دارالطليعة- بيروت- ط 6 مارس 88 ص 7) وذكرالفيلسوف «برتراند رسل» إنّ التعليم الوطنى لابد أنْ يرفع شأن البحث العلمى ويحض على حرية النقد، وبدون البحث العلمى وحرية النقد «يكون من الأفضل لنا أنْ نظل أميين» (حكمة الغرب- ترجمة د فؤاد زكريا- سلسلة عالم المعرفة الكويتية- ج 2 ط 2 عام 2009 ص 24) كما أثبتتْ التجارب، أنّ أغلب أعضاء الجماعات الإسلامية الذين خططوا لأعمال العنف، كانوا من خريجى كليات القمة وليسوا من الأميين، لذلك أرى أنّ مصرلن تتقدم، ولن تُحقق نهضتها الروحية والمادية إلاّ إذا ارتقى التعليم الأحادى المتعصب، وارتفع إلى ثقافة الأميين المصريين الذين احترموا التعددية فى أنبل صورها، احترام معتقدات الآخرين، ونبذوا فكرالتكفير، وتعايشوا مع المختلف عنهم دينيًا ومذهبيًا.