فى مسلسل مازال الرئيس التركى رجب طيب اردوغان مستمرا فى استخدام المسلسلات التلفزيونية استخدامات سياسية وفكرية تصل الى حد تزييف التاريخ و توجيه العقول لأهدافه المعلنة والمختبئة. فبعد أن عرضنا هنا منذ عدة أسابيع لمسلسل قيامة ارطغرل الذى دعم انتاجه وسانده بكل الصور وهو عن بطولات أرطغرل والد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، يعود اردوغان بدعم مسلسل آخر يعرض منذ اكثر من شهر بتركيا عن السنوات الاخيرة فى حكم السلطان عبد الحميد الثاني. هذا الاخير الذى يعد السلطان 34 فى حكم العثمانيين وبعزله سقطت الامبراطورية العثمانية التى حكمت العالم الاسلامى من مضيق جبل طارق حتى جاوة باندونسيا. وحكم بعده اخواه رشاد ووحيد الدين لكن لم يكن لهما اى صلاحيات بموجب الدستور. ودائما ما يقارن عبد الحميد فى تأثيره بسلاطين العهد الذهبى كسليمان القانونى ومحمد الفاتح. ورغم انه حكم فى عصر افول عسكرى للعثمانيين الا انه ترك بصمته فى التاريخ سواء من الناحية الادارية او من ناحية البناء او من ناحية المواقف السياسية التى اتخذها فى مواجهة القوى الغربية الكبري. وأشهرها مواجهته بريطانيا العظمى فى اوج مجدها عندما رفض ان تتولى انشاء خط القطار الذى رغب فى تشييده ويمر بأهم العواصم العربية ويصل الى المدينةالمنورة و هو ما يظهره المسلسل التليفزيونى بالتفصيل. و محاولة اغتياله بسبب خيانة من صهره المقرب محمود باشا زوج شقيقته سنيحة. هذا الاخير الذى كان يعمل لحساب كل اعداء الدولة العثمانية. وقد استطاع عبد الحميد ان يواجه تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية وصاحب مشروع تأسيس دولة اسرائيل. ولمعرفته بنيات المشروع الصهيونى القائم على انتزاع أراضى فلسطين، رفض عبد الحميد مقابلة هرتزل اكثر من مرة وعندما قابله رفض عرضه المالى المغرى بدفع كل ديون الدولة العثمانية الخارجية. ثم عرض هرتزل على السلطان نفسه رشوة بمبلغ مليون جنيه ذهبى فرفض، و قال له إن اليهود مرحب بهم كأفراد وليس جماعات فى مختلف بلاد الدولة العثمانية. وقال له قولته الشهيرة: لا استطيع ان اتخلى عن شبر واحد من ارض فلسطين لأنها ليست ملك يمينى لكنها ملك الأمة الاسلامية بكاملها. ولم يكن عبدالحميد عدوا لليهود او اليهودية، ففى عهده عاش فى العاصمة اسطنبول 72 ملة وعرقا منهم اليهود والمسيحييون بمختلف طوائفهم. ولأن الغرب كله وتحديدا اوروبا كانت قد قويت شوكتها صناعيا وحضاريا واستعماريا نحو بداية القرن العشرين، فأصبحت لا تطيق ان تكون هناك امبراطورية تحكم هذا العدد من البلاد وباسم الاسلام فأطلقت تسميتها الشهيرة على الدولة العثمانية وهى رجل اوروبا المريض. وكان على السلطان عبد الحميد مواجهة عدد مستمر ولا نهائى من المؤامرات لاسقاط حكمه والامبراطورية. وغذى الغرب فكرة الانفصال عن الباب العالى فى مختلف اقاليم الدولة العثمانية. فشجعت روسيا والنمسا الصرب والجبل الاسود للحرب على العثمانيين لكن عبد الحميد انتصر ووصل الى مشارف بلجراد. وتدخلت اوروبا لوقف الحرب و هو ما عرف بثورات البلقان. وطالبت الدول الاوروبية بتحسين الاحوال المعيشية لرعاياها النصارى فى البوسنة وبلاد البلغار فرفض عبد الحميد فشنت روسيا الحرب عليه ودخلت الى عقر بلاده ووصلت على مقربة 50 كيلومترا من اسطنبول حتى ابرم معهم عبد الحميد معاهدة سان ستيفانو التى بسببها استقلت الصرب والافلاق والبغدان وعدة مدن فى اسيا. واعترضت اوروبا على المعاهدة فعدلوها الى معاهدة برلين الجماعية التى سلبت الدولة العثمانية المزيد من الاراضي. وحل السلطان عبد الحميد مجلس المبعوثان (النواب) الذى يمنح نوعا من الديمقراطية وحكم فرديا طوال فترة حكمه رغم اصداره الدستور الاول.والحق انه تسلم دولة عثمانية منهارة فى جميع المجالات و استطاع النجاح فى اغلبها رغم انه لم يتلق تعليما اداريا. وشهد له حتى اعداؤه بذكائه وبقدرته على ادارة الامبراطورية. واكثر ما التصق بعبد الحميد الثانى لقب السلطان الاحمر لاتهامه بمذابح كبرى فى حق الارمن. يقول المؤرخون الاتراك انها كانت حرب متبادلة بدأ فيها الارمن بالذبح والقتل بشرق الاناضول. وردا على ذلك حاول الارمن اغتيال السلطان عبد الحميد عام 1905 عن طريق قنبلة لكن السلطان نجا منها. و لما عرف عنه من دهاء وحنكة، وظف عبد الحميد البلجيكى جويس مصنع القنبلة الذى اعترف له ان الارمن هو من دبروا المؤامرة مع الانجليز والصهاينة واليونانيين الذين هزموا قبلها من عبدالحميد ردا على سقوط اثينا. والذى اسقط عبد الحميد هى جمعية سرية باسم الاتحاد والترقى من الطلبة العسكريين وكان وراءها تشكيل ماسونى وانتشرت كالنار فى الهشيم فى كل الولايات العثمانية. لمزيد من مقالات احمد عاطف;