مضي ما يقرب من قرن من الزمان, علي وعد بلفور الذي يذكرنا دائما بقاعدة: أعطي من لا يملك.. من لا يستحق.. ونعيش في تلك اللحظات علي إيقاع القاعدة ذاتها.. ففي مصر مجلس اسمه مجلس الشوري قرر وهو لا يملك, أن يعطي من لايستحقون قوة السيطرة علي مؤسسات صحفية مملوكة للشعب.. وتم تفجير تلك العاصفة لشغل الصحفيين عن هموم الوطن, وتقديمهم علي أنهم لا تهمهم غير مصالحهم.. ومضي الأمر إلي حد شق صفوفهم, ليقف أحدهم ومعه نفران.. في مواجهة الأغلبية الساحقة للصحفيين.. والمثير أن الذي يتربص بجموع الصحفيين والمهنة والصحافة القومية, حملته أصوات الأغلبية إلي مكانة سنعرف إن كان يستحقها في أقرب معركة انتخابية.. كل هذا سبق أن ناقشه زملاء أفاضل.. لكني سأذهب إلي ضمائر كل الفنانين والمبدعين والمثقفين في هذا الوطن.. أسألهم أين هم من جريمة اغتيال الصحافة القومية في وضح النهار؟! الصحافة القومية التي يملكها الشعب.. لا يمكن أن يتحكم في رسم صورتها للمستقبل ممثلو أقلية ضئيلة جدا من مجتمع الناخبين.. ولا يمكن أن يرسم صورتها في المستقبل مجلس مطعون في شرعيته.. ولا يمكن علي الإطلاق لمجلس ناقص الأهلية أن يحدد هوية مؤسسات أعرق بكثير من هذا المجلس.. فلو أن مجلس الشوري كان ذا أهمية, لبادر الدكتور محمد مرسي باعتباره رئيسا للجمهورية بإصدار قرار جمهوري يعين بموجبه الثلث الذي يخوله القانون تعيينه.. لكن الرئيس المنتخب مشغول بمؤسسة الرئاسة, ثم يشغل نفسه بتشكيل مجلس الوزراء.. بل سمعنا عنه انشغاله بواقع حال مجلس الشعب المنعدم وجوده دستوريا.. وكل ما سمعناه من الرئيس المنتخب عن مجلس الشوري, أنه تنصل من أن يكون له علاقة أو دور فيما يفعله تجاه الصحافة القومية. أتابع أولئك القوم الذين بادروا بالتصدي لتأميم الصحافة من جديد.. ويذهلني أن أصحاب القلم والفكر من أهل الثقافة والإبداع, يتابعون المشهد بصمت مريب.. فهل لا يذكر أولئك لتلك الصحافة أنها دافعت عنهم في أوقات أزماتهم؟.. وهل لا يذكرون لها أنها صنعت نجوميتهم ودفعتهم إلي القمة داخل المجتمع؟.. وأين تلك الأحزاب الكثيرة في الوطن, والمشغولة بإصدار بيانات كل ثلاث ساعات.. أين الأحزاب الليبرالية والعلمانية والعمالية والورقية؟!!.. كلهم صامتون وكأن قرارات التأميم بشأنهم قد سبقت الصحافة القومية من جانب أهل الحرية والعدالة.. ويأتي بعد ذلك أنني لا أفهم موقف رئيس الجمهورية.. فهذا المقام الرفيع عليه إصدار كلمة الحسم والقول الفصل إذا تعقدت أزمات, بقدر ما يحدث في تلك الأيام بين مجلس شوري ناقص الأهلية ومؤسسات صحفية تضم ألاف الصحفيين وعشرات الآلاف من العمال والإداريين والفنيين, عاشت تعاني من الفساد وتقاتل ضده.. عاشت تحاول أن تأخذ مكانها علي هضبة الاستقلال لتمارس الحرية بمعناها الحقيقي.. وكل هذا يدعوني إلي السؤال عما سمعت عنه من كيان اسمه قضاة من اجل مصر.. وأسأل أيضا عن نقابة المحامين التي تفرض عليها تلك اللحظة موقفا واضحا تجاه ما يحدث في عملية ذبح حرية الصحافة.. بل أين نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية؟! أثق في أن جموع الصحفيين قادرين علي التصدي لتلك الهجمة الشرسة من حزب الحرية والعدالة وحلفائه.. فهذا حزب يصدر جريدة شديدة المهنية أخطأت في اسم الرئيس المنتخب وقالت عنه أنه الرئيس محمد حسني مبارك!!.. ومن فرط مهنيتها تتصدر صفحتها الأولي صورة الرئيس المنتخب فوق كرسي المسئولية, وتنشر إلي جانبها إنجازات سبعة أيام في الرئاسة.. ولنا أن نتصور رئيسا استطاع أن يحقق إنجازات في سبعة أيام.. أي تدليس هذا؟!.. يقولون أنه قدم علاوة للعاملين بالدولة ورفع معاش الضمان الاجتماعي.. دون أن يشرحوا للناس أن ذلك يمثل نحرا في شواطيء الاقتصاد المصري المتهالك بالضرورة فيما لا يختلف إطلاقا عن الحزب الوطني الساقط.. ومهما حدث في قادم الأيام, ستبقي في ذاكرة التاريخ تلك الهجمة الشرسة ضد الصحافة بتاريخها العريق.. وسنذكر ونتذكر كل من أصابهم الخرس عندما اندلعت تلك النيران.. فقد علمتنا تلك المعركة أن نتطهر بالفعل.. نتطهر من الذين خدعونا وسرقوا أصواتنا.. نتطهر من الذين يطعنون المهنة في ظهرها.. نتطهر من المهرولين للفوز بمنصب رئيس التحرير بكل مهانة.. نتطهر من الذين فرطوا في حق نقابة الصحفيين المصريين بأن يكون نقيبها رئيسا لاتحاد الصحفيين العرب.. من حامل الميكروفون الذي عاش يقدم نفسه مدافعا عن الحريات.. نتطهر من أولئك الذين تصوروا أنهم أبناء مهنة مقدسة, وهم يعلمون أنهم دخلوها من أبواب خلفية.. نتطهر أيضا من الذين نجحوا في غزو الصحف القومية عبر مكتب الإرشاد لدفع الأصوات التي يوجهها لصالح نقباء الفساد السابقين!! حانت لحظة التطهر وتطهير الصحافة القومية.. فعلينا أن نتطهر من الذين تركونا نقاتل ضد رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير كانوا فراعنة.. وكان أولئك يحتمون بهم خافضي الصوت, وانصرفوا إلي البورصة وشركات السمسرة والمشاركة في مصانع الملابس الداخلية!!.. نعم علينا أن نتطهر من فلول مهنة الصحافة.. وسيأتي يوم تتم فيه مراقبة ميزانيات جماعة الإخوان المسلمين ونعرف كشوف البركة التي يحصل عليها أولئك الذين يتجرأون فيرشقون الحق بأنه باطل.. فقد قدموا أنفسهم علي أنهم صحفيون, وتعرفهم السجلات التجارية باعتبارهم أصحاب مصانع ومطابع ومكتبات وشركات ألبان.. وشكر الله سعيكم.. مع التأكيد علي اننا لا نتقبل العزاء من جماعة الإخوان ولا فلولها!! [email protected]