بدأ توجيه 59 صاروخاً من طراز «كروز توماهوك» على قاعدة الشعيرات الجوية فى ريف حمص فى سوريا خلطاً للأوراق بين اللاعبين، باعتبارها خطوة مباغتة ولكن محسوبة قام بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أعلن من خلالها تخطى الخطوط الحمراء للنظام السورى مما يستوجب التحرك على الرّغم من تحديد مجموعة خيارات استراتيجية، ومنها: محاربة تنظيم «داعش»، وعدم أولوية إسقاط الرئيس بشار الأسد فى الوقت الراهن. ودلّت الضربة ولو المحدودة على توجّه مختلف للسياسة الخارجية الأمريكية يقوم على تكامل فى الخطاب والسلوك بربط التهديد الكلامى الذى عبّرت عنه السفيرة الأمريكية فى الأممالمتحدة نيكى هايلى مع استخدام إدارتها للقوة العسكرية لوضع حدّ للرئيس السورى بشار الأسد ما يطوى حقبة التردد التى اتسم بها باراك أوباما وأدت الى تآكل فى مفهوم القوة والقدرة الأمريكية حول العالم. وفى حين، أحاطت الإدارة الأمريكية الكونجرس علماً بأنها قد «تتخذ الإجراءات الإضافية اللازمة والضرورية لدعم مصالحها الوطنية الضرورية» بما فى ذلك تكرار الضربات المشابهة لأهداف معيّنة فى سوريا، فقد تمّ التباحث بين الرئيس الأمريكى ترامب ومستشاريه لشئون الأمن القومى بعدة خيارات، ومنها ما عُرِف بعملية «قطع الرأس» وهى ضرب قصر الرئيس بشار الأسد الى أن رسى الخيار على محدودية الضربة دون تغيير جذرى يفضى الى تفجير استقرار المنطقة بالكامل. ولا شكّ، كانت الضربة الرسالة كبحاً للدور الروسى الذى تجلّى عملياً بعد العام 2015 برسم معالم جديدة لسوريا المستقبل فى مؤتمر الآستانة بإقرار دستور يقوم على التعددية والمشاركة السياسية على شاكلة نموذج روسى سورى كان يلوح فى الأفق مع دور إقليمى لإيران وتركيا بمعزل عن الولاياتالمتحدة ودول الخليج العربى بامتناع «هيئة المفاوضات العليا» أو المسماة ب «وفد الرياض» من المشاركة. وقد أراد الرئيس الأمريكى ترامب الإيحاء بأن سوريا غير ملزّمة لروسيا وأن الحل السياسى لن يبقى الأسد فى السلطة فى المرحلة الانتقالية بإعلان السفيرة نيكى هايلى ما يلي: »إنّ تغيير النّظام أمر نعتقد أنّه سيحصل... ليس هناك أيّ خيار لحلّ سياسى والأسد على رأس النّظام... إذا نظرتم الى أعماله، إذا نظرتم الى الوضع، فسيكون من الصّعب رؤية حكومة مستقرّة ومسالمة مع الأسد«. ومع الخيار الرّسالة الذى استخدمه الرئيس دونالد ترامب فقد رسم خطوطاً حمراء كناية عن كسر الأحادية الروسية بمرحلة انتقالية فى سوريا دون دور للرئيس بشار الأسد فى مستقبل بلاده فى خطاب يتّسم بمحاربة «داعش» علناً وفى إضعاف قدرة النظام السورى واقعاً بسيناريو ليبى ولكن بإخراج مختلف. وتعتبر هذه هى المرّة الأولى التى يتّسم فيها التّهديد بالجدّية من قبل الولاياتالمتحدة الذى يجنح رئيسها نحو الخيارات القصوي. ويعتمد الأمريكيون حالياً سياسة الضّغط على الجانب الروسى فى التّخلى عن الرئيس بشار الأسد إثر زيارة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون ولقائه نظيره الروسى سيرجى لافروف معتبراً «أن روسيا تخاطر بأن تصبح منعزلة فى منطقة الشرق الأوسط بسبب دعمها الأسد». وتعتبر المرحلة بين الطرفين شبيهة بنهاية حقبة الحرب الباردة وإعلان حرب «الخليج الثانية» يوم اعتقدت الولاياتالمتحدة أنّها بموقع المنتصر فوصلت الى مشارف بغداد دون إسقاط الرئيس العراقى صدام حسين. وقد بدا مؤشّراً ما قاله الوزير ريكس تيلرسون أن روسيا لم تكن مؤهّلة للإشراف على تفكيك الترسانة الكيميائية مما يعنى التدخل وتوجيه الضربات حتى تحين اللحظة الحاسمة. أعلن الرئيس ترامب محاصرة إيران ووضع «الاتفاق النووي» تحت مطرقة العقوبات وتقييد القوى الدائرة فى فلكها بتوسيع العقوبات المالية والمصرفية على حزب الله والعمل على إخراجه من سوريا، وإزاء هذه المعطيات تفوح رائحة الحرب أو استمرارها أكثر من السّلام والحلّ السياسى باستفادة المتطرّفين من تناقض المصالح الدولية والإقليمية لمفهوم «الأمن الجماعي» بضرب الوحدة الوطنية فى الدّول المستقرّة نسبياً بفعل تجاذبات مشاريع متصارعة ما زالت فى طور اشتباكها.
باحثة لبنانية في الشئون السياسية والإستراتيجية لمزيد من مقالات عُلا بطرس