بادئ ذى بدء فإن العشرات الذين سقطوا بين قتيل وجريح فى تفجيرى كنيسة مار جرجس بطنطا صباح أمس، والكنيسة المرقسية فى الإسكندرية مواطنون مصريون، فالفاجعة قومية بالدرجة الأولى وليست مسيحية كما قد يُصور البعض، فمصر كلها تتألم وتتحسر على الأبرياء الذين قضوا نحبهم وهم يتعبدون فى كنيستهم التى من المفترض أنها حرم آمن لا تمتد إليه يد بسوء، وواجبنا حمايتها بأرواحنا، لكن للأسف امتدت إليها يد الغدر والإرهاب البغيض، فالذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة النكراء التى لا يقرها عاقل استهدفوا وحدة المصريين وتماسكهم، فهم يريدون شق الصف الوطنى الواحد، وذلك ليس بجديد لكن من الضرورى التذكير به والانتباه لهذه الحقيقة الماثلة أمامنا، فالوحدة الوطنية هى سلاحنا الباتر للقضاء على الإرهابيين وأفكارهم الشيطانية الظلامية التى أصبحوا أسرى وعبيدًا لها. إخضاع أحداث الأحد الدامى للتحليل الدقيق يستلزم التطرق لثلاثة جوانب محورية، هى التوقيت، واختيار الأماكن، وكيفية الرد العملى عليها، بخصوص التوقيت فإنه يستهدف التشويش على الزيارة المرتقبة للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان لمصر نهاية الشهر الحالى، وجعله يُعيد النظر فى اتمامها اعتقادًا بأن بلدنا غير آمن وأوضاعه مضطربة، وأنه لا يُستحب وجوده فيه فى الظرف الراهن. فهم يعلمون المكانة الرفيعة التى يتمتع بها بابا الفاتيكان الذى تحظى زياراته لأرجاء المعمورة باهتمام يفوق الوصف من وسائل الإعلام العالمية والمحلية، وهو ما سيجعل مصر فى دائرة الضوء الكثيف وسيغير كثيرًا من الانطباعات المغلوطة السائدة عن أحوالها. وكل مَن تابع وقائع المؤتمر الصحفى الذى عقدته الكنيسة الكاثوليكية المصرية نهاية الأسبوع الماضى لإعلان جدول اعمال زيارة البابا سيلاحظ الحرص على تأكيد أن المسيحيين فى مصر فى أمان وأنهم ليسوا مضطهدين مثلما يُشاع، ودون شك فإن وجود البابا فرنسيس فى القاهرة سيكون خير برهان على ذلك وسوف يسمعه مباشرة من أقباط مصر، علاوة على أن زيارته ستكون داعمة لحوار الأديان الذى يتبناه ويعمل لأجله، فالإرهابيون لا يبحثون سوى عن الشقاق وليس الحوار والتفاهم، فهم لا يعرفون سوى لغة وفكر التكفير والترهيب وقتل المخالفين ولا يفرقون بين مسلم ومسيحي، فمشاهد الدم والخراب تنعشهم ويتراقصون على ايقاعها، بدليل العثور على قنبلة بجوار أحد المساجد المعروفة بطنطا بعد برهة من تفجير مار جرجس. لاحظ أيضا أن عملية تفجير الكنائس جاءت بعد عودة الرئيس عبد الفتاح السيسى من العاصمة الأمريكية التى مكث فيها عدة أيام شهدت إعادة الدفء لأوصال العلاقات المصرية الأمريكية، واعترافا بأن ما جرى فى الثلاثين من يونيو كان ثورة شعبية بامتياز، وأن المصريين مسلميهم ومسيحييهم اختاروا السيسى عن اقتناع وأنه يُمثل واقع أحلامهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل، بعد أن ازالوا من ثياب المحروسة بقعة سوداء اسمها الإخوان وحكمهم الكريه، والمردود الفعلى لذلك سيكون المزيد من الثقة والتعاون من جهة المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية، واقبال المستثمرين الأجانب على ضخ استثماراتهم ببلادنا. تلك تطورات لا تسعد جماعات الإرهاب ومموليها، فالاستقرار سيقطع عنهم الأموال التى يتلقونها، فهم قتلة بالأجر لا مبدأ ولا عهد لهم، ويخدمون من يمدهم بالعملة الصعبة. ضع فى تقديراتك كذلك أنه خلال الأسابيع الماضية قضت الشرطة على إرهابيين إخوان، وضبطت عناصر للحراك الثورى وغيرها من الكيانات والتنظيمات الإرهابية التى شكلها الإخوان، عقب الإطاحة بهم من السلطة التى اغتصبوها عنوة وقسرًا. أما عن اختيار المكان فإنه يعكس ما يمكن تسميته إرهاب المناطق الرخوة، فبعد أن ضاقت عليهم السبل فى سيناء التى خسر الإرهابيون موطئ قدمهم فيها بفضل الجهود والتضحيات المتواصلة لجنود وضباط القوات المسلحة والشرطة وسيطرتهم أخيرًا على جبل الحلال، وملاحقتهم فى العريش والشيخ زويد ورفح، فإنهم فروا إلى المحافظات المجاورة ومحافظات الدلتا، وبنوا حساباتهم على أن التشديدات الأمنية فيها لن تكون بذات القوة الموجودة فى العاصمة وما يجاورها من مناطق، وهو ما سوف يُسهل مهمتهم الدنيئة فى ارسال الانتحاريين ووضع القنابل فى محيط المنشآت الشرطية والكنائس، كما سيسهل عليهم الاختفاء وسط جموع الناس فى هذه الأماكن، أو التنقل من محافظة لأخرى بيسر ، واختاروا مار جرجس والمرقسية بالإسكندرية لأنهما من الكنائس الكبيرة التى يقصدها المئات فى الأيام العادية ويزيدون فى أيام الأعياد، حتى يوقعوا أكبر عدد من الضحايا لإثارة غضب الأقباط وجعلهم يتظاهرون احتجاجا على عدم توفير الحماية الكافية لهم، لكنهم لا يدركون أن الأقباط يفهمون عقليتهم الخربة الشريرة، وهم أوعى من الانسياق خلف رغباتهم ومخططاتهم القذرة. يتبقى الجانب الأخير والخاص بماذا سنفعل للرد عمليا على انفجارات الأحد الدامى؟ أولا: المحافظة على صلابتنا الوطنية ومتابعة تثبيت قواعد دولة المواطنة، ليس بإصدار البيانات المنددة بالحادث وشجبه، وإنما بتجديد مفردات الخطاب الدعوى، وإعادة كتابة مناهجنا التعليمية بحيث تعكس دولة المواطنة وليس التمييز والاستعلاء، واعلاء قيمة الحوار، وأن التنوع يثرى المجتمع ويقوى مناعته. ولنتابع معا كيف سيكون رد فعل المنتمين للجماعات السلفية على تفجيرات الأحد الدامى والذين يغرقوننا فى فتاوى التحريم وحظر مشاركة الأقباط فى أعيادهم وأفراحهم والانسجام معهم وكأنهم أعداء وليسوا شركاء الوطن، فهذه لحظة حقيقة كاشفة ستوضح مَنْ يقف فى صف الإرهاب ومَنْ يقف مع الوطن فى مصابه. ثانيا: القضاء على الفكر الإخوانى الذى يُعد المعين الذى يستقى منه الإرهابيون والتكفيريون زادهم، فهو الأصل المطلوب اجتثاث جذوره، وعدم الانخداع بلعبة المراوغة والتدليس الجارية حاليا التى تجيدها الجماعة الإرهابية عبر ايحائها بعمل مراجعات فكرية ووجود جبهة معارضة وأخرى مؤيدة لها، وأنه تبذل جهود للمصالحة مع الدولة المصرية، فهذا فخ منصوب سيقع فيه من يتوهم أن الإخوان قابلون للتغيير والاعتراف باخطائهم وذنوبهم وما أكثرها. ثالثا: تجنب مسايرة هوجة مهاجمة الشرطة وأنها سمحت بوجود ثغرات أمنية نفذ منها الإرهابيون الأوغاد، وأنه لابد من إعادة هيكلة الداخلية، فذاك ما يردده الإخوان ومن يدور فى فلكهم، فالظرف يتطلب مساندة قوات الأمن، ولا مانع من تبصيرها لاحقا وبموضوعية بما وقعت فيه من أخطاء. رابعا: دعوة العالم لوضع إستراتيجية شاملة للتصدى للإرهاب الذى يهدد الجميع دون استثناءات بمن فيهم من ربوا ومولوا ثعبان الإرهاب فى أحضانهم الدافئة، يا اهل مصر اتحدوا فوحدتكم ستكسر عنق الإرهاب ومَنْ يدعمه، وكونوا على ثقة بأن النصر سيكون حليفكم. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;