موافقة مجلس النواب من حيث المبدأ على تمرير قانون «اختيار رؤساء الهيئات القضائية» دون التشاور مع أعضاء هذه الهيئات صنع أزمة بين «البرلمان والقضاء» وفى غياب لغة الحوار تتصاعد الازمة يوما بعد يوم ، حيث رفضت أندية القضاة بالاجماع هذا القانون الذى أعتبرته تدخلا فى شئون السلطة القضائية ، وخروجا عن الثوابت القضائية ، وهددت بالتصعيد فى حال عدم مراجعة مجلس النواب لنفسه ، للخروج بحل توافقى أخذا فى الاعتبار وجهة نظر القضاة ، أو اللجوء لرئيس الجمهورية لعدم الموافقة على هذا القانون الذى ينال من استقلال القضاء . المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة قدم بحثاً علمياً وفقهياً لقيادات مجلس الدولة بعنوان «طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية فى الميزان الدستورى والمعايير الدولية» لحل الازمة المثارة بين مجلس النواب والسلطة القضائية, لاعلاء مساحة الحوار بين السلطتين, بدلاً من الاحتراب والمواجهة بين سلطات الدولة فيقول : اولاً: أن استقلال السلطة القضائية له مفهوم وثيق الصلة بإحدى الضمانات الأساسية فى المجتمع المتمثلة فى حماية حقوق المواطنين وحرياتهم, وأن استقلالها ليس تمييزاً لها, بل يقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية, وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع, وقد أناط بها الدستور وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقى السلطات, ومن ثم فلا يجوز «عن طريق التشريع» إهدار ولاية تلك السلطة كلياً أو جزئياًًً أو المساس باستقلالها أوالانتقاص منه، ولئن كان الدستور قد نص فى المادة-184- منه على أن يبين القانون صلاحيتها فإن المقصود بذلك أن يتولى الشارع توزيع ولاية القضاء كاملة على السلطة القضائية على نحو يكفل استقلالها، ثانياً : أنه لا يجب على السلطة التشريعية أن تعزل السلطة القضائية عن نفسها باختيار من يمثلها بما تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما يرونه القضاة عدلاً وحقاً قصدوا إليه الأقدمية معياراً مجرداً, ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً مادياً ملموساً عن إرادة واعية, وهى التى تتطلبها الأمم المتحضرة ، لتكون أصلا ثابتا كامناً فى طبيعتها، وليس أمراً فجاً أو دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها، ثالثاً : أن مجلس النواب يطبق الدستور بمعيارين, الأول فيما يخصه باختيار رئيسه والثانى اهداره عشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء فى اختيار رؤسائه , وان التعاون يكون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية , ويجب ألا تكون السلطة فى ميدان التعاون بحكم ولايتها واستقلالها, فكيف يشرع مجلس النواب لاستقلاله هو ثم يمس استقلال السلطة القضائية! فهل تجدون الفكر الدستورى مما يجيز لكم التشريع خارج حدود الدستور؟ وأين توازن السلطات و تعادلها, وقد أهدرتم مبدأ الفصل بين السلطات، رابعاً : طوق النجاة أن التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية تستوجب وحدة القاعدة القانونية ينبغى أن تنتظم سائر رؤساء الجهات والهيئات القضائية،وقد تضمنت المادة -193- من الدستور الحالى خلافاً للدساتير المصرية السابقة طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية بأن تختار الجمعية العامة رئيسها من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة, وكان هذا النص لسببين: الأول يرجع إلى حكم ما قبل ثورة 25 يناير من سد الطريق على اختيار رئيس لها من خارج قضاتها , والثانى يرجع إلى ما قبل ثورة 30 يونيو 2013 مما تعرضت له تلك المحكمة من تهديد وعدوان غاشم من الفاشية الدينية, فأراد المشرع الدستورى أن يضمن طريقة اختيار رئيسها, ولا يتصور أن يكون مقصود المشرع الدستورى ذاته أن يتضمن تمايزاً لها عن جهات القضاء وهيئاته, وإذ جاز القول بذلك التمايز المنهى عنه دستورياً بإجماع دساتير العالم لتناقض المشرع الدستورى مع نفسه وخالف ما يسنه للمشرع العادى من إعمال مبدأ المساواة للأقران, وهذا ما يتنزه عنه المشرع الدستورى إذا قيل بذلك التفسير بالتمايز, أتشرعون للناس بالمساواة وتميزون الدستورية دون السلطة القضائية وتخالفون وحدة تنظيم الأقران , أفلا تقارنون !