كانت تربطنى بالمفكرد. محمد السيد سعيد علاقة صداقة تأسّستْ على التقاء الفكرالليبرالى الذى عمّق الصداقة حتى رحيله المبكر. وهوالذى عرّفنى بالراحل الجليل السيد يسين عندما كنتُ أزوره فى مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام. وعندما كان يرانى فى مكتب د. محمد يُبادربعتابى لأننى لم أمرعلى مكتبه، فكان يُشعرنى بالخجل حيث هذا العطف الذى لمستُ فيه درجة من النبل الإنسانى، خاصة وقد كان يهدينى كتبه فورصدورها، ورغم فارق السن بيننا، كان يهتم بسماع رأيى فى كتبه. وعندما كنتُ أختلف معه فى بعض الآراء، كان يفتح معى حوارًا ممتدًا يشرح فيه كل منا وجهة نظره. ومن خلال تجربتى معه، لفت نظرى دأبه على العمل المستمر، ومتابعته للإصدارات الحديثة (المصرية والعربية والإنجليزية) ورغم أنّ كتاباته تدورأساسًا حول الأوضاع السياسية والاجتماعية، من خلال علم الاجتماع، فإنه كان يهتم بقراءة الانتاج الأدبى، ويسألنى (عن الروائيين الشبان) ومنْ منهم شدّ انتباهى، ويطلب منى كتبهم. وعندما كنتُ المسئول عن النشاط الثقافى فى أتيليه القاهرة (عام1982) فكرتُ فى سلسلة ندوات تدورحول موضوع واحد، فكان العنوان الرئيسى (أبعاد الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر) وكان المحاضرون الدكاترة: سيد عويس، عبدالحميد يونس، نعمات أحمد فؤاد، فؤاد مرسى وآخرون. ولما طلبتُ من السيد يسين المشاركة رحّب بسرعة، وقال هذا اختيارموفق. ولما علم أننى فرّغتُ الشرائط لطبع المحاضرات فى كتاب، كان يتابع معى (رحلة الشقاء) مع الهيئات الحكومة، حتى صدرالكتاب عام1999، عن هيئة الكتاب المصرية. وعندما قرأ قصتى (رحلة إلى الواحات) فى ملحق أهرام الجمعة، اتصل بالأستاذ أنورعبداللطيف (المشرف على الملحق) وأخذ منه رقم تليفونى (كنتُ قد ألغيتُ اشتراكى مع فودافون، ونسيت أنْ أبلغه برقمى الجديد) فاتصل بى وهنّأنى على القصة وأشاد بمستواها الفنى. وفى كتابه (الشخصية العربية بين مفهوم الذات وصورة الآخر) ذكرأنّ إسرائيل كلّفتْ باحثين أنثروبولوجيين لبحث الشخصية العربية. وأنّ أمريكا فعلتْ نفس الشىء- أثناء الحرب العالمية الثانية، لبحث الشخصية اليابانية. وأنّ الأنثروبولوجية الشهيرة (روث بندكت) التى أشرفتْ على هذه الأبحاث، كانت رئيسة قسم التحليل الأساسى بمكتب المخابرات الأمريكية لأعالى البحار. وأنها كتبتْ مقالا اعترفتْ فيه بأنّ هذه الأبحاث، بهدف إمداد السلطات العسكرية والإدارات الأمريكية المختلفة، بنُقط (صحيحة لغويًا) ضعف الشعوب وقوتها ، كأهم مدخل لمعرفة الشخصية القومية، خاصة وأنّ الشعوب تختلف عن بعضها ولاتتشابه (هيئة الكتاب المصرية- عام2015- من ص41- 55) وبعد أنْ بلغ سن الستين، تصوّرتُ أننى لن أراه فى الأهرام، فكانت دهشتى عندما كنتُ أقابله فى مدخل المبنى أوأمام الأسانسير، فكان يُصرعلى اصطحابى إلى مكتبه (لنشرب الشاى سويًا) وفى مكتبه استمعتُ إلى مكالماته التليفونية، وهويتصل بعدد من الباحثين ويُكلّفهم بالاستعداد للكتابة فى موضوع عن (الدولة التنموية: رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة) وبالفعل استجاب12 باحثا، فصدرتْ الأبحاث فى مجلد (عن المركزالعربى للبحوث والدراسات- عام2016) وفى البحث الذى كتبه السيد يسين ذكرفيه أنّ ((العقل التقليدى هوالمقدمة الطبيعية لنشأة العقل الإرهابى، خصوصًا فى صورة تفجيرالإرهابى لنفسه، مما يكشف عن خطورة تغلغل الأفكارالتكفيرية فى عقول الأصوليين)) وعن تجربته فى العمل الميدانى ذكرأنّ علماء الاجتماع استقروا على قصورالتنمية (من فوق) وبالتالى اقترحوا أنْ تكون (من أسفل) أى (التنمية الجماهيرية) وأنه شارك فى تطبيق هذا المفهوم فى إطار بحث مع جهازتنظيم الأسرة فى عهد د.عزيزالبندارى، لتنمية مجموعة من القرى، أبرزها (برج نورالحمص) وتشكل فريق بحث شارك فيه د. نادرفرجانى ود. عبدالباسط عبدالمعطى والفنان عزالدين نجيب، الذى كلفناه بتأليف كتاب عن محوالأمية فى ضوء نظرية عالم الاجتماع (باولوفريرى) وأنجزعزالدين نجيب الكتاب، وجاءتْ مفرداته من واقع بيئة الفلاحين (زرع، حصد ، قمح، شعير..إلخ) وتحمّس الفلاحون وواظبوا على حضورفصول محوالأمية، إلاّ أنّ المباحث أدركتْ أنّ ((هذه محاولة يسارية لرفع وعى الفلاحين)) فجمعتْ نسخ الكتاب وأعدمتها. وصدرقرارسيادى بإيقاف البحث (من ص223- 225)