اليونسكو هي المنظمة الأممية المعنية بالتعليم والعلوم والثقافة، لذا فهي بوتقة لانصهار وتقارب ثقافات العالم، و محفل تبادل الأفكار واستلهام الرؤي المتنوعة لحضارات وتجارب الأمم والشعوب، لذا فإن تولي مسئولية إدارتها يجب أن يكون متاحا ومتداولا بين ممثلي مختلف الثقافات وبشكل يتيح لكل ثقافة من خلال شخصية مدير المنظمة لفترة من الزمن التعبير عن كوامن تلك الثقافة وجوانبها الحضارية ورؤيتها في التعامل مع التحديات الراهنة، وعرض نسقها القيمي، وكيفية تفاعل تلك الثقافة مع الثقافات الأخري. وتولي منصب المدير العام لليونسكو عبر تاريخها ومنذ نشأتها أشخاص عبر غالبيتهم عن ثقافة الغرب ورؤيته في ست رئاسات كاملة استغرقت مدة إحداها أربع عشرة سنة ولمدير فرنسي، وقليل ممن تولوا مقعد القيادة عبروا عن ثقافات آسيوية ولاتينية وإفريقية، وبقيت الثقافة العربية الإسلامية تتحين فرصتها، لتتبوأ مكانتها وتعبر من خلال إدارتها لليونسكو. ولا يوجد توقيت أهم ، ولا مرحلة أخطر من تلك التي يعيشها العالم الآن ، لإفساح الطريق أمام الثقافة العربية الإسلامية لتأخذ دفة الأمور كي تكشف ادعاءات التطرف ودحض أيدلوجية الإرهاب، ونشر قيم الحوار والاعتدال والسلام والعيش المشترك وقبول الآخرين. ومن هنا رشحت مصر سيدة من أفضل أبنائها، ذات تجربة دبلوماسية مميزة وسياسية فعالة ومؤثرة، كما إنها تمثل حضارة وثقافة مصرية عربية مسلمة خالصة بكل ما يعنيه ذلك من عمق وتنوع وثراء، كما وأنها ممثل للمرأة المصرية الشرقية الباحثة عن حقوقها، المتطلعة للمشاركة، القادرة علي النجاح والإنجاز رغم القيود والعوائق والتحديات، ودحض الصورة النمطية الراسخة عنها في قوالب صنعها الغرب . فرض الانقسام العربي تحدياً أمام ترشيح مصر السياسية و الدبلوماسية الوزيرة الأكاديمية مشيرة خطاب، وهو أمر رغم ما يفرضه من تحد فإنه من الممكن التعامل معه رغم اثاره السلبية علي الفرصة المستحقة والمتكافئة لأي من المرشحين المصري والقطري والعراقي واللبناني ، والمطلوب منهم جميعا أن يلحوا في رسائلهم واتصالاتهم علي أحقية العرب بثقافتهم وحضارتهم أن يكون لهم دور القيادة وإدارة اليونسكو بعد أن أدارتها كل الأقاليم الجغرافية الأخري عدا المنطقة العربية، ووجدت معظم الثقافات عدا الثقافة العربية الإسلامية بدورها المستحق في رئاسة اليونسكو، وتأكيد أهمية إتاحة الفرصة لتلك الثقافة كي تعبر عن مبادئها وقيمها وأهدافها في هذه المرحلة بالذات(.) بعد ذلك ، تكون هناك دعوة واتفاق أن يناصر باقي المرشحين العرب المرشح الأوفر حظاً في المراحل التالية، ويتم ذلك إما بحوار مباشر ترعاه الجامعة العربية مع الدول المعنية أو مرشحيها ، أو من خلال اتصالات مبادرة مصرية، وكان مأمولا أن تصدر قمة عمان بيانا يعبر فيه عن تطلع البلدان العربية أن يتاح للإقليم العربي شرف رئاسة اليونسكو شأنه شأن باقي الأقاليم والتجمعات الجغرافية الإقليمية والثقافية . ولايزال الأمر ممكنا من خلال الجامعة العربية وجهود أمينها العام . اما مازاد الموقف تعقيداً فهو إصرار فرنسا دولة المقر وصاحبة الثقل علي الساحة الثقافية والدولية علي طرح إسم مرشحة لها قبل إغلاق باب الترشح مباشرة، وهو موقف مثير للغضب بوصف فرنسا دولة المقر ذات التأثير ، واختيارها وزيرة ثقافتها مغربية الأصل يهودية الديانة، فهي بذلك تخلط أوراقا غير ضرورية في زمن انعدام الثقة بين الثقة بين الثقافات واستدعاء موضوع التناقض بين ما هو عربي وغربي ، وبين ما هو مسلم ويهودي، وتناست أن التناوب يحقق التفاهم المنشود، ويتيح الفرصة العادلة والمتكافئة للجميع. إن وجود ممثل للعرب والمسلمين للمرة الأولي علي رأس اليونسكو سيتيح الإجابة عن السؤال الأهم ضد أيديولوجية التطرف والإرهاب، وأننا في المجتمع الدولي نؤمن بقدرة الاعتدال العربي في الفكر والثقافة، نؤمن بأن الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي هو الغالب، وهو الفائز، وهو ما سندعمه جميعا من خلال اليونسكو في المرحلة المقبلة. لكن فرنسا اختارت أن تفرض إرادتها، أن تؤكد أنها لا تعتني كثيرا بقيمة أن تدعم للعرب والمسلمين وللمرة الأولي مرشحهم وهم لم يتبوأوا هذا المنصب من قبل، اختارت فرنسا أن تتعامل مع العرب والمسلمين بنفس عقلية الماضي الأناني الانتهازي الذي وكأنه الأذكي والمختار، وكأنها تقول متذاكية أو مستهزئة أتريدون عربيا هاهي مرشحة من أصول عربية. الحقيقة أن انتهازية الموقف الفرنسي أغضبتني كما أغضبت الكثيرين، ففي ترشيحهم تعال وإصرار علي مكانة اسمي لثقافتهم ، وفي ترشيحهم استعداء غير مبرر، وموقف مستهتر بثقافتنا العربية وقدراتها علي التفاعل والتأثير الإيجابي في حركة الثقافة العالمية، فهي كانت قطعاً مدركة أن الدور ولو بالأعراف هو علي الإقليم العربي وعلي الثقافة الوحيدة التي لم تتول شأن اليونسكو. أغضبني في الترشيح الفرنسي انه استدعي معاني من التناقض والتنافس بين أصحاب الديانات، وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا قبل طرح اسم الوزيرة الفرنسية ، حيث أن مرشحينا العرب كانوا الأحرص علي تجنب إثارة النعرات أو المشاعر الدينية بل تحدثوا بلغة طيبة عن ثقافة الآخر، وتعبيرهم عن الكل لمصلحة الكل. رأيت كذلك في الترشيح الفرنسي بالذات تقليلا من شأن مسار علاقات ايجابي مع مصر، رأيت فيه كذلك تقليلا من مكانة فرنسا دولة القيم النبيلة وصاحبة مبادئ الحرية والعدل والمساواة. علينا في جميع الأحوال أن نعمل لإحياء قيم جديدة تتعدي رؤية الآخر وتقييمه لنا، أن نواصل حملتنا وخلفنا صوت دولي داعم رغم التحدي، ولدينا أصدقاء كثيرون، ونحمل رسالة الدفاع عن العروبة وثقافتها وإسلامنا الحنيف ومبادئه وعلي رأسها الوسطية واحترام الآخر والتعاون معه، وعلينا مسئولية رفعة شأن ثقافة السلام في مجتمعات دمرتها الحروب وفي منطقة دمرت النزاعات فيها قيما وتراثا، يمكن أن تلعب فيه اليونسكو برئاسة عربية مسلمة دورا في إعادة الإعمار الثقافي، واستعادة التراث المدمر وإحيائه، واستعادة المسروق والمنهوب، تلك هي أهمية المرشح العربي المسلم في هذا الزمن الصعب علي رأس المنظمة المعنية بثقافات الشعوب وبالحوار بين دياناته وحضاراته، وندعو لمرشحتنا القديرة بالتوفيق والإصرار لإعلاء شأن العروبة والإسلام، وشأن المرأة الشرقية الجادة رغم تحدي الانقسام العربي وأنانية الموقف الغربي . لمزيد من مقالات السفير محمد حجازى;