لم تكن مصر منطقة جذب سياحى أثرى وتاريخى فقط ..ولكنها كانت أيضا قبلة للباحثين عن الاستشفاء والعلاج بجوها الجاف ، ورمالها الساخنة ، وعيونها المعدنية ، وبالرغم من ذلك لم تلق تلك النوعية من السياحة الاهتمام والترويج الكافى لها على المستوى العالمى ، ولكن بعد أن تحولت السياحة العلاجية إلى صناعة حقيقية يمكن أن تدر دخلا يتخطى حواجز المليارات فقد آن الأوان للاهتمام بها حيث تمتلك مصر مقومات للسياحة الاستشفائية ، كما تمتلك مصر مقومات السياحة العلاجية من كوادر طبية مؤهلة ومراكز طبية على مستوى عالمي. ولكن بالرغم من توافر جميع مقومات نجاح تلك الصناعة فإن مصر لم تحتل مكانتها المستحقة على خريطة السياحة العلاجية على مستوى العالم بسبب عدم الترويج الكافى لها ، وعدم وجود كيان مستقل لتذليل العقبات التى تواجهها فالاستثمارات التى تنتظر مصر فى هذا المجال تقدر ب4 مليارات دولار سنويا تصل إلى 15 مليار دولار خلال خمس سنوات وفقا لدراسة جدوى اقتصادية، بينما تفقد مصر استثمارات تقدر ب 27 مليار دولار تنفقها دول عربية على السياحة العلاجية خارج الوطن العربى بالإضافة لعدم استغلال موقع مصر الجغرافى كبوابة إفريقيا لجذب أبناء القارة السمراء الباحثين عن العلاج. «علاجية واستشفائية» وبحسب ما قاله الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة والسكان الأسبق ومقرر عام مؤتمر السياحة العلاجية - الذى عقد بشرم الشيخ الأسبوع الماضى تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئاسة اللواء خالد فودة محافظ جنوبسيناء وبمشاركة ممثلى العديد من الدول - فلابد أن نفرق بين نوعين من السياحة الطبية: الأول وهو السياحة العلاجية التى تعتمد على استخدام المصحات المتخصصة أو المراكز الطبية أو المستشفيات الحديثة التى تتوافر فيها تجهيزات طبية وكوادر بشرية تمتاز بالكفاءة العالية وهى المقومات المتوافره فى مصر . أما الثانى فهو السياحة الاستشفائية، التى تعتمد على العناصر الطبيعية فى علاج المرضى وشفائهم مثل ينابيع المياه المعدنية أو الكبريتية والرمال والتعرض لأشعة الشمس بغرض الاستشفاء من بعض الأمراض الجلدية والروماتيزم وأمراض العظام وهى أيضا مقومات تتمتع بها مصر . ويحقق النوعان عائدات اقتصادية كبيرة للدول ، حيث تمثل السياحة العلاجية عالميا ما نسبته 14% إلى 16% من إجمالى عائدات السياحة الكلية ، ووفقا لإحصائيات عام 2016 فهناك 3% إلى 4% من سكان العالم يسافرون للعلاج ويبلغ عددهم نحو 11 مليون سائح طبى بزيادة سنوية تبلغ 25% و ينفقون 439 مليار دولار . وأثبتت صناعة السياحة العلاجية وجودها فى العديد من الدول كمصدر مهم للدخل القومى وداعمة للنشاطات الاقتصادية الأخرى فى تلك الدول. وبلغة الأرقام يتحدث وزير الصحة الأسبق قائلا :«السياحة العلاجية مصدر مهم ومضمون للدخل والعملات الأجنبية فى العديد من الدول ففى بحث منشور عن السياحة العلاجية استقبلت تايلاند فى سنة البحث مليونا و200 الف سائح طبى وعالج احد المستشفيات فى بانكوك وحده 400 ألف سائح فى هذه السنة، بينما أعطت سفارات الهند فى سنة البحث 600 ألف تأشيرة طبية لمدة عام ، بينما تحقق ماليزيا فى العام نحو 1.5مليار دولار من السياحة العلاجية ، وأوضحت إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن 95%من طالبى السياحة العلاجية من دول افريقيا و39% من أوروبا و32% من الشرق الاوسط يتجهون جميعا لجنوب شرق آسيا . «أولويات ومميزات» ويضيف :تخضع البلاد الأكثر تفضيلا لطالبى السياحة العلاجية لبعض الأولويات والمميزات التى لابد من توافرها بها أهمها جودة الرعاية الصحية والقدرة على تقديم خدمات علاجية وتدخلات جراحية كبيرة ومعقدة وذات قدرات عالية وبخاصة عمليات القلب المفتوح وعمليات المفاصل الصناعية وعمليات المخ والأعصاب وعمليات التجميل الدقيقة. ويشير إلى عدة معايير لا يمكن أغفالها وتمثل أهمية كبيرة فى تصنيف الدول المفضلة لطالبى السياحة العلاجية ومنها سهولة التعامل بأكثر اللغات انتشارا فى العالم مثل الفرنسية والانجليزية والفرنسية والاسبانية وكذلك الترحيب وحسن المعاملة وأمان السائح كما يشمل التقييم ايضا سهولة المعيشة والطيران والاستقرار السياسى ، وتمثل أسعار حزمة الخدمات التى تقدم للسائح أو المريض عاملا مهما لكثير من طالبى خدمات السياحة العلاجية غير المحدودة وايضا سهولة وسلاسة البرنامج الطبى والجراحى . «معوقات» ويرصد تاج الدين معوقات السياحة العلاجية والتى لابد من تخطيها لتحقق العائد المطلوب منها وأولها هو عدم وجود كيان قائم بذاته مختص بالسياحة العلاجية ، وعدم كفاية الحملات التسويقية للسياحة العلاجية بمصر ، فلابد من تسويق مصر كمركز طبى متقدم لاستقطاب العرب والأجانب بالتعاون مع قطاعات الخارجية والسياحة والطيران المدنى، كما يمثل ضعف الاستثمار الموجه للسياحة العلاجية أحد أهم معوقات هذه الصناعة وكذلك القصور فى بعض جوانب البنية الأساسية ومن الجوانب التى لا يجب إغفالها غياب مقدمى الخدمة الصحية وادارة بعض الأمكان المخصصة للسياحة الاستشفائية من غير المتخصصين. خطوات تنفيذية ويطرح تاج الدين عددا من الخطوات التنفيذية لتنشيط السياحة العلاجية ووضع مصر على الخريطة العالمية لها وبخاصة أن مصر تمتلك بالفعل الكوادر المؤهلة والمراكز الطبية ذات المستوى العالمى والمصادر الطبيعية ، وتتمثل أولى خطوات المشروع وأهمها فى إنشاء هيئة مستقلة للسياحة العلاجية لتنظم التعاون بين وزارات السياحة والصحة والاستثمار والخارجية للتعاون والتغلب على تداخل الاختصاصات بالإضافة لضرورة إنشاء قسم لرعاية وخدمة المرضى العرب والاجانب فى وزارة الصحة ، وانشاء عيادات طبية فى المطارات الدولية والموانى الأساسية لخدمة المسافرين والموجودين فى المطار. تجربة عالمية وعلى أرض الواقع استطاع البعض أن يروج بالفعل للسياحة العلاجية فى مصر وأن يصنع من المشكلة والأزمة فرصة للنجاح وهو ما نفذه المهندس تامر وجيه رئيس مجلس ادارة إحدى الشركات التى اطلقت حملة السياحة والعلاج فى مصر وركزت الحملة على مرضى فيروس «سى» الذى سجلت مصر اعلى نسبة اصابة به على مستوى العالم فسعى وجيه لاستغلال هذه الأزمة وتحويلها لميزة تنافسية تجذب مرضى فيروس «سى» من جميع أنحاء العالم . ويقول: بدأنا حملتنا بالترويج للعلاج المصرى الناجع لفيروس «سى» والذى نال ثقة عالمية واستهدفنا التصدير لبعض الدول ونجحنا فى جذب مرضى منها وبعض الدول لم يمكننا التصدير إليهما مثل دول غرب أوروبا حيث يتكلف علاج الفرد فى هذه الدول 100 الف يورو ولذلك قدمنا لهم ميزة تنافسية كبيرة هو أن ندعو هؤلاء الافراد للعلاج فى مصر لرحلة تشمل إجراء كل الفحوصات وتلقى العلاج وايضا السياحة وبتكلفة اقل كثيرا من بلده فيكون المريض سفيرا لمصر . ويضيف: بدأنا حملتنا الترويجية باقناع نجوم عالميين ليكونوا سفراء لمشروع السياحة والسفر وكان اولهم دانيل الفس النجم البرازيلى ثم كانت المباحثات مع النجم ليونيل ميسى واستطعنا بعد مفاوضات استمرت ستة اشهر أن يشارك كسفير للحملة ، ثم تم الاتفاق مع النجم احمد حسام ثم حازم إمام وحسن الشافعى ، والتفاوض مستمر مع عدد من النجوم . سياحة «الحاجة» ويشير الى أن السائح القادم للعلاج ينفق 10 أضعاف ما ينفقه السائح العادى فهو يبحث عن الأفضل فى كل التفاصيل فهى ليست سياحة الترفيه ولكنها سياحة «الحاجة» فيبحث عن الدولة المشهورة بعلاج حالته و«رقم واحد» فى علاجها ، وداخل الدولة يبحث عن أفضل مستشفى وأفضل معمل تحاليل ويركز على الجودة عكس السائح العادى الذى قد يبحث عن الأوفر ، فمثلا ليس من الضرورى أن يقيم فى فندق 5 نجوم ولكن سائح الحاجة يبحث عن الافضل . ويطالب وجيه بضرورة تقديم حزمة من التسهيلات للاستثمارات الأجنبية وتسهيل الاجراءات لجذب المستشفيات العالمية وتقديم جميع الصلاحيات لها وعلى الحكومة ممثلة فى وزارة الصحة والسياحة الذهاب لتلك الكيانات من مستشفيات ومراكز عالمية وجذبها للوجود فى مصر لأنها مصدر دخل كبير جدا . معوقات ومطالب وكان وفد من الدول الافريقية قد شارك فى مؤتمر السياحة العلاجية منهم زيرهون أباب نائب وزير الصحة الإثيوبى وعميد كلية الطب والذى وصف مصر بأوروبا الافريقية وأنها قبلة للتعليم والتدريب الطبى نظرا للكفاءة الطبية العالية للطبيب المصرى وأن مصر غنية بالطاقة البشرية المدربة وكذلك لتشابه الوضع الصحى بين الدولتين. ويوضح: الطبيب المصرى يستطيع أن يقدم أفضل علاج بأقل الامكانات لذلك نفضل إرسال اطباء وممرضى اثيوبيا للتدريب فى مصر وكذلك الهند، وأشار الى أن المرضى الاثيوبيين يفضلون دولة مثل تايلاندوالهند لتلقى العلاج بالخارج ويفضلون من الدول العربية السعودية ودبى بسبب وجود أطباء وتمريض مصرى ولذلك يرى نائب وزير الصحة الاثيوبى ضرورة تذليل جميع العقاب لتسهيل السياحة العلاجية بين الدولتين وكذلك إجراءات السفر والطيران والتأشيرات وتعزيز التعاون بين سفارتى الدولتين.