في هذه الأيام تكثر التقلبات الجوية والتغيرات المناخية وتنتشر حبوب اللقاح في الجو؛ وهو ما يسبب الكثير من الأمراض ويؤدي لانتشار العدوى، ولا بد ان نعي أن المرض ابتلاء من الله يطهر العبد من ذنوبه، وهذه نعمة كبرى يغفل عنها الكثيرون!! عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من عبد يُصرع صرعة من مرض إلا بعثه الله منها طاهرًا" [رواه الطبراني]، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها" [رواه البخاري]. ولما نزل قول الملك تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} اشتد ذلك على الصحابة –ومعنى ذلك أن على كل سيئة عقاب– حتى قال الصديق كيف الصلاح بعد هذه الآية يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم موضحًا لفضل المرض وفائدته: "غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ أَلَسْتَ؟ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللأْوَاءُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ"[رواه أحمد]، فقد بين صلى الله عليه وسلم أن المرض من الأسباب التي يمحو الله بها السوء والسيئات. ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه" [رواه البخاري]. فإذا كانت الشوكة وهي أدنى أنواع المرض تكفر الخطايا؛ فمن باب أولى كل مرض فوقها يكفر الخطايا، وهذا مسلك الشرع الحنيف إذا نبَّه على الأدنى فهو تنبيه على الأعلى من باب أولى. إن مع العسر يسرًا هذه سنة الله تعالى في خلقه، ما جعل عسرًا إلا جعل بعده يسرًا، والأمراض مهما طالت وعظمت لا بد لأيامها أن تنتهي، ولا بد لساعاتها- بإذن الله- أن تنجلي يقول الشاعر: ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى *** ذرعًا وعند الله منها المخرجُ ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتها *** فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ قال وهب بن منبه –رحمه الله-: لا يكون الرجل فقيهًا كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة، ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء، وصاحب الرخاء ينتظر البلاء، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6]. غنيمة المرض لو تأمل المريض فوائد مرضه وحسناته ما تمنى زواله، فبالرغم مما فيه من تكفير للسيئات، ورفع للدرجات، وكتابة أجر ما كان يعمل، من الصالحات، فيه أيضا فرصة عظيمة لمن وفق لاستغلال الأوقات، فالمريض يحصل له في حال مرضه من أوقات الفراغ ما لا يحصل له فيما سواه، فلنحرص على استغلال أوقاتنا فيما يقربنا من الله تعالى، من قراءة للقرآن وحفظه، وطلب للعلم، واستزادة من النوافل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، ولنعلم أن المسلم مأمور باتباع أوامر الله تعالى في سرائه وضرائه، وفي حال صحته ومرضه. وحين تلوح لك بوادر الشفاء، وتسعد ببدء زوال البلاء، فلتقدر لهذه النعم قدرها، ولتعرف فضل وكرم منعمها، وتدبر حالك عند فقدها أو نقصها، فأعلن بذلك توبة نصوحًا من تقصيرك في شكر كل نعمة، وتفريطك في استعمالها فيما يرضي ذا الفضل والمنة. بل اجعل توبتك الآن، نعم الآن علَّ هذه التوبة أن تكون سببًا في رفع ما أنت فيه من كربة، ودفع ما تعانيه من شدة، قال سيدنا علي -رضي الله عنه-: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة، وإن لم يكتب لك من مرضك شفاء، فنعم ما يختم العمر به توبة صادقة"، اللهم أحسن ختامنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر ;