لم يعد مقبولاً أن يلعب العرب والمسلمون جميع الأدوار فى (دراما الإرهاب والتطرف) المصنوعة بمباركة (أنجلوأمريكية)، ليصبح كل من هو عربى (متطرفا) لأن عربياً كان أداة فى يد ماكينة عالمية رعته ووجهته حتى نفذ جريمته، وليغدو كل من هو مسلم (إرهابيا)، لأن مسلماً كان آخر حلقة فى سلسلة أممية استثمرت جهله وما زالت- لتحيله قنبلة تنفجر فى وجه الإنسانية. كما لم يعد مُسْتَسَاغاً أن تَلُوك ألسنة وسائل الإعلام المحلية فى أوطاننا ما تلقيه إليها إمبراطوريات الإعلام فى الغرب، من فتات أخبار موجهة الصياغة والصور، لتنشغل عقول قومنا بهضم مواد، تُغذى خلايا الدونية العربية فى مواجهة الاستعلاء الغربي، وتُنمى عقد الذنب الإسلامى فى مواجهة البراءة الغربية. وإن كنا على أعتاب قمة عربية جديدة فى زمن التفتيت المستهدف، فعلى الأمة العربية أن تراجع مواقفها من الاتهام السابق التجهيز، والمتجدد الإشهار فى وجوهنا بالإرهاب، وهى التهمة التى ندفع ثمنها كشعوب عربية، مادياً عبر عقوبات وغرامات وتجميد أرصدة وحظر سفر، ونعانى ويلاتها فى شتى بقاع خريطة أمتنا، دماءً تنزف, وأشلاءً تتطاير، وأسر تشتتت، وهاربين من الموت ذبحاً إلى الموت غرقاً، بينما تدفع أنظمتنا فاتوراتها تنازلات على طاولات تفاوض هزلية، تمنح القتلة مشروعية الحضور فى المشهد الرسمي، ورغم كل ما نقدم من قرابين البراءة للنظام العالمى عله يرضي، لا يرضى فتتهاوى أوطاننا وحضاراتنا على مذبح (العالم الجديد أو الشرق الأوسط الجديد) لتغدو العراق دولاً وميليشيات ومثلها سوريا واليمن وليبيا، بينما يجلس أسياد العالم الغربيون يتابعون بهدوء وابتسام مؤكدين (لا داعى للقلق فما نشاهده مجرد مخاض للعالم الجديد المنتظر). كان عصر 22 مارس 2017م، حين قرر (إرهابي) إنجليزى أن ينفذ بسيارة عملية دهس تنتهى بأن يستهدف المبنى العتيق للبرلمان البريطانى ليقتل شرطياً قبل أن تتم تصفيته، بينما كان أعضاء البرلمان فى جلسة متابعة لأداء الحكومة بحضور رئيسة الوزراء (تريزا ماي) التى بمجرد وقوع الهجوم كانت أول من يتم تأمينه لتغادر البرلمان بينما خضع النواب لإجراءات تأمين أجبرتهم على عدم مغادرة المبني، أمَنَّت السلطات المسئولين الرسميين بينما دفع الثمن من حياتهم عموم الناس، يستوى فى ذلك رجل الشرطة مع سيدة وضحية أخري، بينما أصيب تسعة وعشرون شخصاً وُصِّفت إصابات تسعة منهم ب (الكارثية). قبل ستة عشر يوماً من الحادث كان نفس البرلمان فى حالة انعقاد ساده التأهب والاستنفار، ولم يكن السبب فى هذه الحالة مراجعة السياسات البريطانية التاريخية تجاه تنظيمات الدين السياسي، أو تصحيح مسار العلاقة مع المراكز والمؤسسات الإسلامية على الأراضى البريطانية، أو استحداث آليات لدعم العلاقة مع الأزهر وتطوير أداءاته بحيث تسهم فى تصويب المسار الإسلامى على الأراضى الغربية، بل كان السبب هو كيف يتم الانتصار لتنظيم الإخوان بتبرئته من العنف واعتباره حائط الصد فى مواجهة التطرف ومطالبة الحكومة البريطانية بفتح قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة معه، وهذا الانتصار يأتى عبر نفى المشروعية عن لجنة التحقيق التى تشكلت نهاية عام 2014م، برئاسة السفير البريطانى السابق فى المملكة العربية السعودية السير (جون جينكينز)، وهى اللجنة التى انتهت إلى تقرير مفاده بحسب ما صرح به مقربون من رئيس اللجنة (جماعة الإخوان المسلمين قناة إخبارية يعبر من خلالها المتطرفون). وهى اللجنة التى رفضت الدولة البريطانية إعلان نتائجها أو حتى إطلاع البرلمان عليها، كما عارضت عملها أجهزة المخابرات البريطانية ( الداخلية MI5 الخارجية MI6). ولم يستطع رئيسها السير جينكينز الحضور للبرلمان للدفاع عن نفسه ليُصَدِّر البرلمان صورته باعتباره خضع لضغوط سعودية وإماراتية للخروج بنتائج تدين الإخوان. إذن قبل نصف شهر من الحادث كان البرلمان البريطانى يبارك الاستراتيجية القديمة للدولة البريطانية باحتضان رسمى لتنظيم الإخوان لضمان أن تظل الدولة بأجهزتها على تواصل رسمى بالحاضنة الرئيسية لجميع تنظيمات التطرف الإسلامى فى العالم. وليبارك البرلمان البريطانى خطوات دولته فى احتضان كيانات التطرف على الأراضى البريطانية. وبمناسبة الاحتضان الإنجليزى للتطرف من المهم أن نذكر الرأى العام البريطانى والعربى والعالمى أنه خلال العقود الخمسة الماضية كانت الأراضى البريطانية وحتى الآن حاضنة لكبار قادة الإرهاب فى العالم بداية باحتضان أمين عام التنظيم الدولى للإخوان «إبراهيم منير» منذ عام 1975م وحتى اليوم، ومروراً بأسماء لامعة مثل (أسامة بن لادن) الذى افتتح مكتب تنسيق فى لندن، وكان أرضية انطلاق فكرة تنظيم القاعدة، وأول رسالة إلكترونية فى تاريخ الإرهاب الإلكترونى كانت متجهة إلى هذا المكتب، وأول اجتماعات على مستوى التنسيق العالمى الجهادى كانت فى لندن. ومثلة احتضنت لندن أبو حمزة المصرى «مصطفى كمال مصطفى»، والسعودى «خالد الفواز»، والفسلطينى أبو قتادة، والسورى «عمر بكري»، وإلى جوار حضور تنظيم الإخوان فى المشهد البريطانى نمت برعاية رسمية تنظيمات مثل (أنصار الشريعة المهاجرون منظمة الغرباء حزب التحرير منظمة التجديد الإسلامى حركة الإصلاح الإسلامى). هذا الحضور والنشاط لرموز وتنظيمات التطرف على الساحة البريطانية هو الذى أهل القناة (الرابعة) وصحيفة (الإندبندنت) لامتلاك قاعدة بيانات تربط مجرد الصورة الأولية لمنفذ حادث «ويستمنستر» بأسماء نشطاء الإرهاب ليعلنا أن منفذ الحادث هو البريطانى الجامايكى الأصل (تريفور بروك) والذى أصبح بعد اعتناقه الإسلام (عمر)، لكنه يفضل أن يطلق عليه (أبو عز الدين). ولا تكتفى كلا الوسيلتين بعرض الاسم بل وتسردان تاريخه الإرهابي، كان ذلك عشية يوم الهجوم، وبعدها بقرابة أربع وعشرين ساعة تعلن الشرطة البريطانية أن منفذ هجوم لندن يدعى خالد مسعود وهو من مواليد بريطانيا ويبلغ من العمر 52 عاماً ويقيم فى منطقة ويست ميدلاندس. ثم تبرر القناة الرابعة البريطانية وصحيفة (الإندبندنت) هذا التخبط بأن باعثه كان (التشابه فى الشكل بين كلا الشخصين)!. إننا إذن أمام حضور تستطيع وسائل الإعلام أن تفتش فيه لاستخراج أشباه منفذ الهجوم، ومن ثم استنتاج أقرب الاحتمالات للحقيقة، فقاعدة بيانات الإرهابيين متاحة للإعلاميين الإنجليز لكنها خافية على المخابرات البريطانية بشقيها، ولهذا تبرر رئيسة الوزراء ذلك قائلة أمام البرلمان(كان ينظر إلى منفذ الهجوم باعتباره شخصية هامشية، ولم يكن لدى المسئولين أى معلومات استخبارية مسبقة عن اعتزامه تنفيذ هذا الهجوم). إنه التصريح الذى يشير إلى وضعية هزلية ربما تنتج خلال الفترة المقبلة (خطاً ساخناً للإرهابيين) فى بريطانيا، يتصل به كل رجل أمن انجليزى ليأتيه صوت اختيارات من نوعية (للعمليات الإرهابية هذا الصباح اضغط الرقم 1). إذن سالت دماء بريئة على جسر «ويستمنستر»، وهناك متهم ظاهر، ولكن المتهم الحقيقى والذى يجب أن يلاحقه الشعب الإنجليزى قبل شعوبنا هو (النظام الإنجليزى)، الذى قرر أن يستجلب أفاعى التطرف إلى أراضى انجلترا ليستخدمها بحسب مصالحه، غافلاً عن نصيحة الأستاذ (اللمبى) فى فيلم الناظر (اللى يحضر العفريت يتعلم إزاى يصرفه، أو يستحمل أذاه)، لكن الأزمة أن الذى يدفع فاتورة الأذى هو الشعب، يستوى فى ذلك الشعب البريطانى مع شعوبنا. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;