يتخيل البعض أن تطور وسائل الإعلام قد أنهى مشكلة التجاهل التى يعانى منها مبدعو الأقاليم، خاصة مع دخول شبكة الإنترنت كوسيلة سهلة للنشر، لكن مواقع التواصل الاجتماعى ما زالت تضج بشكوى أدباء الأقاليم من تجاهلهم من قبل جميع المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام، وتهميش مكانتهم بالمقارنة بنظرائهم فى القاهرة. وفى السطور التالية يعرض بعض كبار أدباء أقاليم مصر شكواهم.. لعلها تجد حلا. حلم الإبداع مرتبط بالقاهرة يقول الشاعر عبد الستار سليم (قنا) أحد رواد فن الواو فى العصر الحديث: القاهرة هى الجعبة الممتلئة بكل شىء، ففيها الزخم الإعلامى بكل أنواعه، وبها هيئة الكتاب واتحاد الكُتَّاب وهيئة قصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، بمؤتمراته التى تقام دون أن يراها أحد من أدباء الأقاليم، فنحن ممنوعون من أنشطة هذه الهيئات الثقافية، ومن التفاعل معها. وعن المعاناة التى واجهها للوصول إلى المكانة الأدبية التى يحتلها، أضاف: بذلت مجهودا كبيرا لكى أسافر للقاهرة وأطوف على دور النشر والصحف، والتقيت بكبار المبدعين مثل صلاح جاهين وفؤاد حداد والأبنودى وفؤاد قاعود ، وعرضت إنتاجى عليهم بنفسى، ولولا ذلك ما حققت شيئا، ولكن من الصعب على أى مبدع من الأقاليم أن يفعل ما فعلته، فمعظمهم لا تتوافر لهم الإمكانات التى تمكنهم من السفر للقاهرة وتوصيل إنتاجهم بأنفسهم. ورغم هذه الجهود فلم أرشح طوال عمرى لنيل أى جائزة، بينما يرشح أدباء القاهرة بسبب قربهم من الجهات المانحة لهذه الجوائز. التجاهل أصبح منظومة راسخة أما الشاعر مراد محمد حسن (قوص) فيضيف: مسألة الظلم والتجاهل لأدباء الأقاليم، التى أصبحت منظومة راسخة على مر السنين، لم تعد مقصورة على أصحاب السلطة الثقافية بالعاصمة، الذين يتمثلون فى موظفى هيئة قصور الثقافة، وفى أصحاب سلاسل الإصدارات فى مختلف المؤسسات الثقافية، وفى أصحاب منابر النشر بالصحف والمجلات، بل امتد هذا التجاهل كالعدوى إلى الأقاليم الثقافية، حيث أصبح بعض الأدباء يمارسون نفس الدور بتهميش وإقصاء زملائهم، ووسائل الإعلام الإلكترونية لم تحل مشكلة، ولعلها أدخلت كثيرا من الغث، ممن يستطيع طبع كتاب على نفقته، أو استضافة أى شخص فى برنامج ثقافى بغض النظر عن مستوى إبداعه، أما النقد، فهو أندر العملات بالنسبة لأدباء الأقاليم، وهو مبنى بشكل كبير على المجاملة. القاعدة الجماهيرية فى العاصمة ورغم فوز الشاعر بكرى عبد الحميد بجائزة بهاء طاهر لأدباء الأقصر، فإنه يشكو التجاهل قائلا: حلم اتساع القاعدة الجماهيرية الذى يراود أدباء الأقاليم يظل دائما مرتبطا بالعاصمة، فهى وحدها تستأثر بدور النشر ومراكز التوزيع ودور العرض والمسارح والمؤسسات الصحفية ومعاهد التعليم المتخصصه كالمعهد العالى للفنون المسرحية ومعهد الموسيقى، ولو نشر كتاب مهم لا تأتينا نسخ منه، أو يصلنا عدد قليل من النسخ لا يفى بعدد القراء، فهل أسافر كل هذة المسافة من أجل شراء كتاب؟ فلا شك أن على المبدع الذى يرغب فى تسويق بضاعته، وللمواطن المتلهف لهذه البضاعة الثقافية أن يلجأ للعاصمة التى ما زالت هى الطاحون الذى يطحن أقاليم البلاد دون وعى أو رحمة. مؤتمر واحد لا يكفى أما الروائى ابراهيم عطية «رئيس اتحاد كُتَّاب مصر بالشرقية والقناة وسيناء». فيؤكد نفس وجهة النظر بقوله: أعتقد أن أدباء الأقاليم مازالوا يعانون من حالة التجاهل والشعور بأنهم يعيشون فى الظل مع تجاهل وسائل الإعلام لهم، ورغم ما يتوافر لديهم من وسائل تواصل عبر شبكة الإنترنت، فإن ما يكتبونه من أعمال إبداعية لا يسلط عليه الضوء من قبل النقاد، برغم المحاولات التى يبذلونها فى المحافظات لإقامة حراك ثقافى بعيدا عن المؤسسات الرسمية، ويفضل عليهم أدباء القاهرة حتى لو كانوا من أنصاف المبدعين. فأدباء الأقاليم يحتاجون إلى الاهتمام من قبل الدولة ولقيام المؤسسات الثقافية بدورها فى تسليط الضوء على إبداعاتهم، وألا يقتصر عمل أمانة أدباء مصر على مجرد الإعداد لمؤتمر وحيد يقام مرة واحدة فى العام، كونها تمثل برلمان الأدباء الذى من الضرورى أن يتناول قضايا الثقافة فى مصر كلها.