حصلت الروائية سلوى بكر على جائزة الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش للإبداع فى دورتها الثامنة لعام 2017، وقد جاء هذا الفوز تتويجا لتاريخ إبداعى كبير. حيث جاء اختيارها، وفقاً للأسباب التى ذكرتها لجنة الجائزة فى تقريرها، لأن «كتاباتها الأدبية تنتمي، على مستوى الموضوع، إلى الموروث المحفوظى الذى جمع بين قضيتى المرأة والسياسة، وقرأ بهما أحوال المجتمع المصري، وتنتمي، على مستوى التجريب والرؤية، إلى جيل ما بعد محفوظ الذى اندرج فيه جمال الغيطانى ومحمد البساطى ومحمود الوردانى ورضوى عاشور، وغيرهم من المبدعين المصريين الذين جعلوا من الرواية شكلاً من التأريخ والنقد والاحتجاج والاستنارة، وتميزت بإخلاص نموذجى للكتابة الأدبية منذ عام 1979 إلى اليوم، معتبرة الكتابة شهادة إبداعية أخلاقية تسرد أحوال المضطهدين وتطلعهم إلى الحرية، ومؤكدة دور الأديب شاهدا على قضاياه الوطنية القومية التى لا تنسى قضايا الشعب الفلسطينى العادلة، وزاوجت منذ بدايتها الكتابية بين جنسين أدبيين هما القصة القصيرة والرواية».. ومع سلوى بكر، دار هذا الحوار.. كيف استقبلت خبر فوزك بالجائزة؟ شعرت بسعادة بالغة، خاصة أن هذه الجائزة لا يتقدم إليها الكاتب أو المؤلف، ولكنها تُمنح على مجمل الأعمال والسيرة الأدبية، فالجوائز المصرية والعربية عموماً، من وجهة نظري، تشوبها الكثير من الملابسات، وليست القيمة الأدبية هى المعيار الأساسى فيها، ففى كثير من الأحيان تفتقد إلى المعايير التقييمية وكذلك الموضوعية وتتدخل فيها عوامل متباينة، ولكنى أعتز بجائزة محمود درويش لعدة أسباب، أولاً: لأنها جائزة باسم فلسطين الحبيبة، وثانياً: لأنها تُمنح باسم شاعر كبير بحجم درويش، وثالثاً: لأن لجنة التحكيم التى منحتنى الجائزة مكونة من كُتاب مصريين، وأنا أعتز جداً بهذا المنح لأنها تُعد شهادة منهم على كتاباتى وأعمالي. لماذا رفضت السفر إلى فلسطين لاستلام الجائزة؟ برغم شوقى لزيارة الأراضى الفلسطينية، وإلى رام الله على وجه التحديد، فإنني، نفسياً، لا أستطيع العبور على معبر إسرائيلي، حيث إننى أنتمى إلى جيل تربى ونشأ على قناعات بأن إسرائيل هى العدو. تتجهين فى كتاباتك إلى إعادة قراءة التاريخ، وليس كتابة رواية تاريخية، فكيف تستطعين تجنب اصطدام الكتابة الروائية بالواقع التاريخى حتى لا يتحول إلى عمل تسجيلي؟ الواقع مشتق من التاريخ بصفة عامة، والتأريخ يتضمن وجهات نظر متباينة فى واقعة أو حادثة تاريخية بعينها، فأنا لا أستهدف الصدام بين التاريخ والتأريخ، ولكنى أستهدف التساؤل عن مغزى ومعنى الوقائع التاريخية التى وردت فى الكتابات التأريخية، ومن ناحية أخرى فإننى أطرح تساؤلات عن المسكوت عنه والمهمش تاريخياً، وعن العلاقة بين الهوامش والمتون التاريخية كما جاءت فى التأريخ وأعيد النظر فى هذه العلاقة. واجهت رواية «البشمورى» الكثير من النقد والاتهامات مثل تجاهلك للترتيب الزمنى للأحداث، وأنك جعلتِ العرب والمسلمين غزاة وليسوا فاتحين، فما هو ردك على هذه الاتهامات؟ تمت قراءة هذه الرواية من منطلقات أيديولوجية فى الأساس، فقد قرأها بعض الناس من منظور مسيحي، والبعض الآخر من منظور إسلامي، وهذا كله يندرج تحت المنظور الديني، وقرأها البعض أيضاً من منظور قومى شوفيني، وهذا أيضاً منظور محدود الرؤية، فقد تباينت القراءات وكل منها يستنبط ويستنتج الخطابات الروائية وفقاً لمرجعيته الأيديولوجية المسبقة، وكنت أستهدف من هذه الرواية فى الأساس تقديم محاولة موضوعية، بقدر استطاعتي، لأحداث تاريخية، ولم تكن هذه الأحداث فى حد ذاتها هى ما أهتم به، ولذلك فإن الترتيب الزمنى لم يكن هو الأساس بالنسبة لي، ولكنى كنت أريد أن أقدم بانوراما تؤكد أن مصر كانت فى لحظة من اللحظات بوتقة لثقافات وحضارات متباينة تصاهرت فى هذه البوتقة داخل مصر، وباتت مرتكزاً لحقب تاريخية تالية لها. درست فى المعهد العالى للفنون المسرحية، فأين أنتِ من الكتابة للمسرح؟ كتبت مسرحية «حلم السنين» ونُشرت فى عام 2000، وتقدمت بها إلى مسرح الهناجر، ولكن تم التعامل معها بعدم اهتمام، أو هكذا ظهر الأمر لي، فهذه المسرحية تتناول قضية التوريث ويبدو أن ذلك هو السبب. طالبت بوضع ضوابط للاستفادة من المناهج النقدية الحديثة وعدم فتح الباب على مصراعيه لها، لماذا؟ لأننا نتناسى أن النقد هو إبداع مبنى على إبداع، وأن هذه المناهج تالية للإنتاج الإبداعى الذى أتى بخبرات متباينة وتجارب إبداعية مختلفة على ضوئها تم إنجاز هذا النقد، لذلك عندما يتحول النقد إلى قيمة مستقلة عن الإنتاج الفني، فالإنتاج الإبداعى هنا يصبح مشكلة، ونقع فى إشكالية حقيقية وتصبح القراءة النقدية هى قراءة شكلانية بالأساس. أنتِ من أكثر الكُتاب التى تُرجمت أعمالهم للغات أخري، فهل تضعين القارئ الأجنبى صوب نظرك فى أثناء الكتابة؟ فى الواقع أنا لا أضع القارئ الأجنبى أو غير الأجنبى صوب عيني، فأنا أكتب لأنى أستمتع بالكتابة وبتشكيل عوالم إبداعية، والترجمة فى النهاية ذائقة مختلفة ناتجة عن ثقافات متباينة، وهذه الذائقة تختلف من مكان لآخر ومن بلد لآخر، فالذى يكتب ليترجمَ له فهذا معناه أنه قادر على التواصل مع كل ذائقة نتجت عن كل ثقافة، وما أكثر الثقافات فى عالمنا هذا، ولذلك أنا أصفه بأنه كاتب عبقري. إلى أى مدى فرضت الكتابة النسائية نفسها على الساحة الأدبية فى الوقت الحالي؟ أولاً أنا أرفض تعبير «فرضت» فهو يعطى إيحاء بالبلطجة وبالقوة غير المشروعة، والكتابة النسائية ماهى إلا انعكاس لتطور وعى المرأة بذاتها وبالعالم، وانعكاس لتجربتها الذاتية وتجربتها النوعية، واستطاعت الآن، وعبر مراحل، أن تطور نفسها وأن تقدم كتابة تتجاوز ما هو نوعى وتصل إلى مشارف إنسانية واسعة وبلا ضفاف.