صندوق النقد: مصر ستعالج تسهيلات السحب على المكشوف من المركزي    حماس تعلن تسلمها رد إسرائيل الرسمي حول مقترحات صفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    حماس تعلن تسلمها رد إسرائيل بشأن محادثات وقف النار في غزة    حسام حسن يحتفل بخطبة ابنته يارا على رجل الأعمال أحمد على راشد (صور)    اسكواش - تكرارا للموسم الماضي.. علي فرج ونوران جوهر يتوجان بلقب الجونة    كولر: مازيمبي لم يشكل أي خطورة علينا.. وسنحتفل اليوم بالتأهل    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    كانت ماشية بالصدفة، حبس 4 أشخاص تسببوا في مقتل ربة منزل أثناء مشاجرة بينهم بأسيوط    أول رد من أحمد السقا على شائعة انفصاله عن زوجته مها الصغير    استشهاد شابين فلسطينيين في اشتباكات مع الاحتلال بمحيط حاجز سالم قرب جنين    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    ننشر نتيجة انتخابات نادى القضاة بالمنيا.. «عبد الجابر» رئيسا    حالة خوف وقلق في مدينة رفح الفلسطينية مع تهديد الجيش الإسرائيلي.. تفاصيل    هجوم صاروخي حوثي على ناقلة نفط بريطانية في البحر الأحمر    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    دينا فؤاد : تكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    بعد التخفيضات.. تعرف على أرخص سيارة تقدمها جيتور في مصر    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    نظر محاكمة 14 متهما في قضية "خلية المرج".. السبت    اليوم.. مرتضى منصور أمام المحكمة بسبب عمرو أديب    الشركة الصينية الأم لمنصة تيك توك: لن نبيع التطبيق    عز يسجل مفاجأة.. سعر الحديد والأسمنت اليوم السبت 27 إبريل في المصانع والأسواق    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    حمزة عبد الكريم أفضل لاعب في بطولة شمال أفريقيا الودية    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى صالون الأهرام الثقافى:
الكتاب والمفكرون يناقشون «تجديد الخطاب الفكرى»

◄ محمد سلماوى: هل يمكن القول إن الخطاب الفكرى يؤثر فى الحياة العامة؟ أم ان الحياة التى تصوغ الخطاب الفكرى؟ وكيف نتعامل مع هذا الخطاب؟
◄ نبيل عبدالفتاح: المطالبون بتجديد الخطاب الدينى يتانسون أنه أحد منتجات العقل والفكر ومن ثم لا يمكن تجديده أو إصلاحه أو تطويره دون تجديد فى بنية العقل والفكر والياته ومقارباته ولغته
◄ د.حيدر إبراهيم:عقلية الإنسان العربى تجعله يفر من مشكلات الدنيا إلى الأخرة فلا يواجه البطالة والمرض مثلا بحلول علمية، لكن بانتظار الفرج فى الأخرة
◄ د.حسن حماد:الأصولية والغوغائية كلتاهما مرتبطة بفكرة إلغاء العقل، والعقل يرتبط بالحرية بشكل أساسى. فإذا غاب العقل غابت الحرية
◄تحالف السياسة مع الدين كارثة؛ لأنهما إذا تحالفا ضاعت الحرية والديمقراطية، وهما الجناحان اللذان ينهض عليهما الفكر ويصل الى أفاق راقية جدا

ناقش صالون الأهرام الثقافى يوم الثلاثاء 28 فبراير الفائت، قضية «تجديد الخطاب الفكري»، بمشاركة الدكاترة جابر عصفور، وحيدر إبراهيم، وحسن حماد، والكاتب نبيل عبد الفتاح، وأدار الجلسة الأديب محمد سلماوي، بحضور بعض المثقفين، والمهتمين بالشأن العام.
وأشاد سلماوى فى مستهل كلمته باقتراح البعض موضوعات للنقاش فى الصالونات المُقبلة، ورحب بمطلب أحد الحضور أن يكون الصالون مائدة مستديرة، وليس ندوة أو محاضرة مثل الوضع الحالي، ليتمكن الجمهور من مناقشة موضوع الصالون، كما حدث فى صالونات كبار المُفكرين سابقا.
وبخصوص موضوع الندوة طرح سلماوى عدة أسئلة. ففى ظل مُطالبة البعض بتجديد الخطاب الديني، وتراجع الخطاب الثقافى والجماهيرى والإعلامي، هل لكل فترة زمنية خطابها الخاص المُحدِد لاتجاهها على المستويات السياسية والفكرية والاجتماعية؟ وهل يمكن القول إن الخطاب الفكرى يُؤثر فى الحياة العامة؟، أم أن الحياة هى التى تصوغ الخطاب الفكري؟ وكيف نتعامل مع هذا الخطاب؟، ومن الذى يُحدده؟، هل المثقف، وأصحاب الفكر بشكل عام، أم أنه قضية المجتمع بأسره؟
وقدم «نبيل عبد الفتاح» ورقة بعنوان « الخطاب.. تمرينٌ فى اللعب مع الغموض وإثارة الشغب » حول العلاقة بين الخطاب الدينى والسياسي، مُشيرا إلى أن «الخطاب» من أكثر الموضوعات حضورا فى الثقافة العربية والمصرية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومُتابعة تطور المفاهيم والنظريات والمصطلحات فى الفكر المصرى والعربى المُعاصر تبدو كأنها «موضات» فكرية توزع على قطاعات واسعة من الباحثين والمفكرين، وسرعان ما تنتقل إلى مجالات بحثية أخري.
وأضاف عبد الفتاح أن خطورة التوظيف البلاغى والإنشائى للمُصطلح تتمثل فى فقدانه معناه ودلالته وكفاءته الوظيفية والإشكالية والتفسيرية، ومن ثم يبدو غير دالٍ فى الاستخدام. كما أكد أن الفكر والبحث والجدل فى الثقافتين المصرية والعربية يُعانى ظاهرة الاستخدام «الإنشائي» للمصطلحات، والخلط الكثيف فى توظيفاتها، مشيرا إلى أنه منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضى بدأ دخول مصطلح « الخطاب» الدراسات الفلسفية والاجتماعية، ومنذئذ صار أشهر المُصطلحات قاطبة فى الإنتاج الفكري، وتجاوزه إلى الإعلام، ومن ثم بات أكثر الاصطلاحات سوءا فى استخداماته، حيث يتمُ الخلط، بين تحليل الخطاب والمضمون على أساس التمايز النوعى والمنهجى فيما بينهما، ومن ثم فإن الدراسات المُنضبطة فى تحليل الخطاب أيا كان مجاله سواء فلسفيا، أو قانونيا، تبدو نادرة. والخطاب الدينى أحد أبرز المجالات التى استخدم فيها مُصطلح «الخطاب»، حيث ركزت المُقاربات السطحية على الخطب الوعظية لرجال الدين الإسلامى من أبناء المؤسسة الدينية الأزهرية، وسرعان ما امتد إليه وصفا أيدولوجيا «الإسلام السياسي»، والإخوانية، أو التكفير والهجرة، أو الجماعات الراديكالية الأخرى كالجهاد والجماعة الإسلامية، والشوقيين والقطبيين، وامتد بعد ذلك إلى خطاب القاعدة، وداعش، والوهابي، وخطابات السلفية الجهادية، سواء فى المشرق أو المغرب العربي،
واستنكر نبيل عبد الفتاح تصور البعض أن هناك خطابا مُتجانسا متناسيا أن الخطاب الواحد عبارة عن خطابات داخله، وثمة خطابات تجرى وراء تلك الخطابات، لذا يبدو أن الخطاب حول الخطاب الدينى مجروحٌ بالخطأ؛ لأنه لايوجد خطاب دينى واحد، وإن انتمى إلى مدرسة أو مذهب أو فقيه واحد، وإنما يتعدد الخطاب من داخله ووفق مُنتجه. وترتيبا على ما سبق ليس لدينا درسٌ تحليليٌ مُعمق للخطابات الدينية إلا نادرا، سواء لدى الجماعات الإسلامية السياسية، أو المؤسسات الدينية الرسمية، أو السلفيات الجهادية، إلا من زاوية «سرد» بعض أفكارها ونصوصها الرئيسية؛ ومن ثم يبدو «الخطاب» حول الخطاب الدينى غامضا ومحمولا على الأمنيات الفكرية والرغبات السياسية فى ضرورة تطويره أو تجديده أو إصلاحه، على الخلاف بين هذه المصطلحات الثلاثة، وهى أوصاف تطلق على عواهنها، دونما ضبط لمعانيها ودلالاتها أو استخداماتها.
أما الدكتور حيدر إبراهيم من السودان الشقيق، فتحدث عن السياق الاجتماعى لعمليات تجديد الخطاب الدينى والثقافي، قائلا إن المجتمعات العربية للأسف تعانى حالة من الجمود والاعتماد على كل ما هو قديم وإن كان يرجع إلى عصور سحيقة. ففى الزراعة مثلا نجد أنه رغم التطور الهائل فى الأدوات والتقنيات إلا أن هناك تمسك بالأساليب القديمة. وتجديد الخطابات مسألة مختلفة فى العالم العربي، لأنها مشكلة فى العقل أكثر منها مشكلة فى الواقع، فالمجتمعات الراكدة ليس بإمكانها إنتاج القوى التى تعتمد عليها عملية التجديد.
وأشار حيدر إلى سؤال بالغ الأهمية تجب الإجابة عليه قبل بدء آليات التجديد، وهو هل توجد رغبة حقيقية لدى المجتمعات العربية فى التجديد؟ وهل يشعرون بالجمود الذى يعترى حياتهم؟. وفى سبيل إحداث نوع من التغيير، سواء التغيير السياسى أو الاقتصادى أو الفكرى يجب أن يكون هناك نوع من العلمنة. وأوضح لم يفضل مصطلح العلمنة على العلمانية نظرا لما يتركه الأخير من انطباعات فى الفكر العربى بالإلحاد والبعد عن الدين، بينما العلمنة هى إرساء التفكير على أسس علمية وواقعية قبل أى شيء. ونحن فى مجتمع يقوم فيه رجل الدين أو الداعية أو المفتى بتفسير كل شيء فى مجالات الحياة فى وسائل الاعلام. حتى أن كلمة علماء باتت تستخدم فى الإشارة إلى رجل الدين، وليس عالم الكيمياء أو الطب أو الفيزياء أو ما إلى ذلك.والمجتمع يطلق لقب هيئة كبار العلماء على مجموعة من رجال الدين وليس العلم بمختلف مجالاته. وعقلية الانسان العربى تجعله يفر من مشكلات الدنيا إلى الآخرة. فلا يواجه البطالة والمرض مثلا بحلول علمية، لكن بانتظار الفرج فى الحياة الآخرة. حتى فى أمثالنا المتوارثة نستند إلى أن «ما نعرفه أحسن مما لا نعرفه»، وبالتالى فالرغبة فى التغيير بالأساس ليست موجودة وهو ما يجب الالتفات إليه قبل الشروع فى آليات التغيير حتى لا تواجه المحاولة بالفشل.
إحدى أهم الاستراتيجيات الأولى هى تغيير النخبة العربية ككل وإعادة بنائها من جديد، خاصة أن النخبة المالية منحت نفسها شكلا من أشكال السلطة الفكرية أو النخبوية، والسعى لتغييرها هو نوع من المقاومة. وأشار حيدر إبراهيم إلى نموذج أمريكا اللاتينية التى استطاع فيها المثقفون أن يجبروا الكنيسة الكاثوليكية على أن تتكلم لغتهم.
واستهل د. حسن حماد كلمته بشكر الأهرام على إقامة الصالون شديد الأهمية. وقال إنه لا يمكن بحال من الأحوال أن نفصل بين تجديد الخطاب الثقافى وإشكالية تجديد الخطاب الديني. فتجديد الخطاب عملية مرتبطة فى الأساس باللغة بما تحمله من أبعاد أيديولوجية وإنسانية وثقافية. ففى عهد الرئيس السادات وقع تغيير جذرى فى هوية المجتمع بتصعيد جماعات الإسلام السياسى على الساحة، وانهيار الاتحاد السوفيتى كان له أثر مهم أيضا فى انتشار الفكر الأصولى على اعتبار الدور الثقافى المهم الذى كان يلعبه قبل هزيمة يونيو67. وأتفق فى الرأى مع طرح الدكتور حيدر ابراهيم فيما يتعلق بتعظيم المجتمع لدور رجال الدين على العلماء فى العلوم المختلفة. وأضاف إن الدين فيه اجابات نهائية وقاطعة على بعض الأسئلة الميتافيزيقية التى يشغل الإنسان نفسه بها ومنها على سبيل المثال كيف خلقنا ومن أى شيء ولماذا وما إلى ذلك. والأصولية تعطى أصحابها شعورا بالأفضلية والتميز. والنتيجة أننا نعانى كثيرا من الغوغائية التى جاءت نتيجة لثقافة الهامش. هؤلاء الذين ظلوا مهمشين بسبب الاصطفائية الأصولية، فلجأوا إلى ما يعرف بمكر الهامش. وفرض الهامش ثقافته وخطابه على المجتمع فأصبحنا نعيش فى أغانى المهرجانات وأفلام المخدرات والدعارة، فنجد أن هؤلاء فرضوا خطابهم الثقافى على الشارع متمثلة فى المقاهى والتوك توك.
وفى كلمته قال د. جابر عصفور: إسمحوا لى أن أتكلم عن الخطاب الفكري، وإن كنت لا أحب كلمة خطاب الآن لأنها تعددت معانيها وارتبكت، ولا أستطيع أن أصف هذا الفكر بأنه متقدم، وإنما سأصفه بأنه فكر متخلف، ما مظاهر هذا التخلف؟ فى تقديرى أن له مظاهر أربعة، الأول أنه فكر ماضوي، الثانى أنه فكر اتباعي، الثالث أنه فكر مقموع، الرابع أنه مبتور الذاكرة، هذه الأسباب الأربعة اللازمة التى يمر بها الفكر العربى عامة حاليا، وفى مصر بصفة خاصة، ولا أظن هذه الأسباب أو الكوارث الأربع هى بنت الآن، وإنما هى عميقة الجذور، فقد بدأنا نرى مظاهرها من بعد هزيمة 1967، وما أعنيه بالفكر الماضوى أنه دائما يقيس على الماضى لكى يتوجه إلى المستقبل، بمعنى أننا ونحن نتصور مستقبلنا نرجع إلى الماضي، ونقيس المستقبل عليه، كأن التاريخ لا يتحرك إلى الأمام، وإنما إلى الخلف، وعندما أذهب على سبيل المثال إلى معرض الكتاب، ألاحظ أن أغلب الكتب الموجودة تتحدث عن زمن مضي، والكتب التى تنتصر للدراسات المستقبلية أقل ما يكون فى هذا المعرض، حتى فى الثقافة العربية الآن، تعالوا نتساءل: الآن هناك علم كبير جدا اسمه «الثقافة المستقبلية». كم يا ترى عدد المتخصصين فى هذه الثقافة؟، وكم من الكتب المتاحة التى تستطيع أن تتحدث عنها فيما يسمى المستقبليات؟ لا شيء!، وحتى إذا كان موجودا فهو نزر قليل جدا، بما يدل على أن هذه الثقافة وهذا الفكر هو دائما يفكر فى الماضي.. لماذا؟ لأسباب كثيرة جدا، منها الخوف من الجديد والحذر منه، وألفة الماضى والاستناد إليه والاستنامة إليه فى الوقت نفسه، وهناك - طبعا- أسباب سياسية، واجتماعية ودينية، الأسباب السياسية معروفة، أما الأسباب الاجتماعية فألفة الأشياء تجعل الوعى الاجتماعى يحن دائما إلى ما هو موجود، وإلى ما قد سبق تجربته، أما البحث عن الجديد فصعب. والسبب الدينى أن عندنا - للأسف - نوعا من التأويل الدينى، وعلينا أن ننتبه إلى أن الدين ليس نصوصا فقط، الدين نصوص وعقل، ومن ثم يلعب التأويل هنا دورا مهما جدا.
والمشكلة الثانية هى الاتباعية، بمعنى إذا أوجد أحدنا حلاً لظاهرة، جميعنا نمضى وراء هذا الحل دون أن نضعه موضع المساءلة.. ومن ثم نسير بطريقة تقليدية تماما، وكذلك تأتى الحكومات لتطبق الوسائل نفسها التى كانت تطبقها الحكومات السابقة، لا تفكير فى ما هو مختلف، فى ما هو مغاير، فى ما هو خاص بي، فى أن أضع بصمتي، وما الذى يمكننى عمله لينسب إلي، هذا على كل المستويات، سياسيا، اجتماعيا، فكريا، حتى فى الجامعات، ألاحظ أن بحوث الماجستير والدكتوراه كلها إلا ما رحم ربى تقليد لما قبلها. أرجو أن يخرج لى أحد الباحثين فى تاريخ الأدب العربى منهجا غير منهج طه حسين. فى الفلسفة ستجد الأمر نفسه، لم يعد هناك جديد، لذلك لم يعد هناك فى الفكر العربى الحديث ما يسمى «الانقطاع المعرفي»، وهو أمر مهم جدا لتقدم المعرفة الإنسانية. المشكلة الثالثة أنه فكر مقموع.. سياسيا واجتماعيا ودينيا.. وأضرب مثلا بكتاب طه حسين «فى الشعر الجاهلي» كتب النائب العام فى مصر عندما طلبوا منه التحقيق مع «طه حسين» أن الأخطاء التى نسبت إليه إنما أتت على سبيل الاجتهاد ، ومن ثم لا يوجد تعمد جنائي. وعلى هذا الأساس قرر براءته، المهم هنا أن طه قدم محاولة جديدة فى الأدب العربى لقراءة الشعر الجاهلي. الشيخ «على عبد الرازق» كتب كتابه «الإسلام وأصول الحكم» فقامت الدنيا ولم تقعد كارثة تحالف السياسة مع الدين؛ لأنهما إذا تحالفا ضاعت الحرية والديمقراطية، وهما الجناحان اللذان ينهض عليهما الفكر ويصل إلى آفاق راقية جدا. الأستاذ حيدر أشار إلى فكرة «التديين».. نعم.. هناك حديث يقول «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كانك تموت غدا» يعنى 50% و50%، لماذا لا يتركون لنا الخمسين % التى للدنيا نطور فيها ونبتكر..
والمشكة الرابعة أن فكرنا مبتور الذاكرة، ويراد له أن يكون مبتورا.. وأتذكر ونحن شباب كنا نلتقى توفيق الحكيم ونجيب ومحفوظ وحسين فوزى وبنت الشاطئ ولويس عوض، فى مكاتبهم بالدور السادس بالأهرام، وأسماء عظيمة أخري. الآن لا تجد هذا. ويجب أن نعود لنعلم الأجيال من هؤلاء، ونتعلم منهم.
المداخلات
استهل الأستاذ محمد الخولى مداخلات الحضور بقوله: علمنة المجتمع بحسب تعبير المنصة تعنى الفصل بين الدين والدولة، ولا تعنى إبعاد الدين عن حياة الناس، وبناء على هذا طالب الخولى بعدم تحكم القائمين على المؤسسة الدينية فى حياة الناس، مُستشهدا بما حدث فى نهاية الخمسينيات والستينيات بحل هيئة كبار العلماء التى حل محلها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية؛ هربا من هيمنة رجل الدين على حياة الناس، لكن هذا لم يدُم طويلا إذ عاد نفوذ رجل الدين من جديد بصورة أشد شراسة.
واستنكرت د. عواطف أبو شادى فى كلمتها التركيز على الخطاب الدينى الإسلامى وفقط، مُطالبة بإلقاء الضوء على الخطاب الدينى المسيحى واليهودي؛ لأنه يصب أيضا فى قضية التطرف فى هذا البلد، ورفضت قصر الحديث فى قضية التطرف على العلماء المسلمين أوالمُفتى والفقيه مع إغفال الحديث عن القس والمنظر والمبشر والمنصر، مُطالبة بالحيادية فى طرح تلك الأفكار، فكما أن فى الإسلام متطرفين، ففى الأديان الأخرى يوجد من هو أشد تطرفا!
ورفض لواء د.هشام الفاتح الربط بين الغوغائية والأصولية، مُؤكدا أننا لو سلمنا بأثر الغوغائية فى تدهور الفكر فالأمر لاينطبق على الأصولية، التى تعنى الاحتماء بالمرجعية الصحيحة، مُؤكدا أن العيب ليس فى الأصولية، لكن فيمن نعتبرهم أصوليين وهم أبعد ما يكونون عن ذلك.
وطالب صلاح الدين عبد المنعم فى كلمته بالتركيز على الإبداع فى التعليم بدلا من الحفظ والتلقين المُتبع فى مدارسنا، كونه الوسيلة الأهم لتحقيق التقدم والرخاء، كما فعلت دبى التى أعلت قيمته فجنت ثمارها.
وقال مهندس جبريال صبحى إن للخطاب الدينى فى مصر ثلاثة أوجه، وجه يتحدث عن العقيدة فقط، ووجه يتحدث عن إصلاح المجتمع، وفريق ثالث حمل راية الإسلام السياسي، وتجلى بعد ثورة يناير، فأقحم الدين فى السياسة والسياسة فى الدين، ومن ثم باتت الدولة تائهة وحائرة فى تفسير معنى الخطاب الديني؛ هل هو عقائدى أم إصلاحى أم سياسي.
وأكد د. صبرى فرجانى أستاذ الاقتصاد السياسى أننا ما دمنا أصحاب أصول وعقول فلابد أن نفهم الأحاديث فهما صحيحا بعيدا عن الشطط، مُستشهدا بحديث «إياكم ومُحدثات الأمور» الذى أدى فهمه الخاطئ إلى قتل التطور والإبداع. مستشهدا بدراسة له عن «القرار الآلي» رغم جدتها ما زلت حبيسة الأدراج، لم يلتفت لها أحد من المسئولين. وطالب بتبنى الأهرام باعتبارها أقوى منابر الإعلام المشروعات الجادة التى تحلق بالإبداع والابتكار. مستنكرا رجوع المنصة للماضى دون استشراف المستقبل.
واختلف د. رضا عبد المجيد (ناقد أدبي) فى كلمته مع رؤية د. حيدر إبراهيم الطالبة بتغيير الواقع وليس العقول، مُؤكدا أن تغيير العقول أمرٌ حتمى لتغيير الواقع، الذى إما أن يكون قدريا لا يمكن تغييره، أو بشريا يكون تغييره ضرورة من ضرورات التطور والنمو، مشيرا إلى أن الأصولية ليست عيبا ولكن الخلط فى تحديد معناها هو ما أوقعنا فى كثير من اللغط.
وقال الأستاذ جلال دراج: إن عدم التجديد يعنى الجمود والركود، وهذا يخالف حكمة الخلق وعمارة الأرض، فالتجديد ضرورة، وفى رأيى أن الفكر وتجديده هو الأمانة التى حملها الإنسان وأشفقت من حملها الأرض والسموات.
وقال الروائى محمد قطب: أولا:التراث العربى الدينى والثقافى لا بد أن يعاد النظر فيه، ولا بد من تنقيته، ففيه كثير مما يخالف العقل والواقع، وهذا الجدل الشديد لا بد أن يصل إلى نهاية، ثانيا: المؤسسة الثقافية المنوط بها تغيير العقل وتنويره لا تقوم بدورها، وأنا حزين لأن فى المجال الثقافى من يتحولون حسب الأنظمة وبالتالى يفقدون التأثير والرؤية لدى الآخرين، فيجب على المثقف المستنير المفكر أن يكون واعيا بدوره وبمجتمعه ومتغيراته، وأن يظل مستقلا ثابتا على رأيه المستنير ولا يركن إلى أى نظام.
الرد على المداخلات :
قال نبيل عبد الفتاح: لى ثلاث ملاحظات، الأولى تتعلق باللغة السائدة واللغة الغامضة التى نتحدث بها، لن تقودنا إلى شيء سوى مزيد من الفوضى والاضطراب الفكري، الثانية: دون تجديدات فى اللغة لن يستطيع الفكر.. اللغة هى الفكر، وليست وعاء له،
النقطة الثالثة: الحديث عن النخب، خاصة النخبة الثقافية المصرية - والتحديد هنا مهم-.. قلة منها من منتجى الثقافة يسمونهم الثقافة العالمة - لعبت دورا مهما وأثرت كثيرا حتى على مسار السياسة المصرية بخطابها النقدى منذ أيام الرئيس السادات حتى سقوط حسنى مبارك.
وقال د.حيدر إبراهيم: بالنسبة للاشتراكية والعدالة الاجتماعية ما يهمنى فى المسألة الموقف من الملكية، هل الملكية خاصة أم عامة، فى العدالة الاجتماعية ليس هنالك وضوح، فى الملكية ولا فى القانون، العدالة الاجتماعية أشكالها اختيارية، لكن فى الاشتراكية الملكية عامة.
وقال د. حماد: اللغة منتج حضارى وبالتالى تتأثر سلبا وإيجابا بمدى التطور الحضاري. اللغة عندنا انتهكت
النقطة الأخري: عندما تتبنى النخبة المثقفة لدينا خطابا تخريفيا، ونجد بعض أساتذة الجامعة يتعاملون مع الدجالين والمشعوذين، أعتقد أنها ظاهرة تلفت الانتباه وتمثل خطرا على العقل.
ورد د.عصفور: تعمدت ألا أتحدث عن اللغة؛ لأنى أعتقد أنها مفعول به للعوامل التى ذكرتها، ولو أخذنا اللغة العربية كمثال فسنجد أن كيفية التعامل معها تعتمد على العناصر نفسها التى تحدثت عنها: الماضوية والاتباعية.. الخ، بدليل أنه لما جاء من يفكر بشكل مختلف فى فقه اللغة مثل لويس عوض، ولو قارنت اللغة العربية بغيرها من اللغات ستجد اللغات الأجنبية تتغير قواميسها كل عدة سنوات،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.