السيدة تقف فى حماس وتتحرك للوصول الى المنصة شباب وشابات من الصحافة ومن المدعوين وغير المدعوين ينقضون نحوها للمباركة والتصوير واللمس بلا حق ولا داع، السيدة تتراجع فى ذعر والانقضاض يزداد والمذيع يواصل النداء : الجائزة من نصيب فلانة لاتصل السيدة الى المنصة وتطير فردة الحذاء وفردة الحلق فى الهواء لاعلى نقطة والمذيع يصرخ : يا جماعة مش كدة ندوة ، اجتماع ،مهرجان ، مؤتمر ، مجلس اباء اى صيغة ما تشمل مجموعة اشخاص فى مكان واحد مغلق وموعد محدد يلتقون فيه لاتخاذ اى قرار بخصوص موضوع ما هو أمر شبه مستحيل تلك الايام ويبوء بالفشل لا يوجد من لديهم القدرة على الصمت والتنظيم واختفت فضيلة الاستماع تماما ، أبسط قواعد النظام والتنظيم اصبحت شيئا عزيزا جدا وغاليا على جميع المستويات صار حلما خياليا ان تجلس فى اجتماع ما وتحظى بالانصات الكافى لوصول صوت المتحدث الى اذن المستمعين المكان يتسع لعشرات بينما مئات الكاميرات المسلطة والافواه الصارخة والايدى والاقدام الدافعة لكل شيء واى شيء لايهم عنوان الندوة او مكانها سيان ان تكون عن الفلسفة او الطاقة البديلة لن يختلف الوضع ان كانت فى قاعة المؤتمرات او استاد القاهرة او مقهى ام ربيع المشترك فى الامر هو غياب التنظيم العشوائية تسيطر حتى لو كان المنظمين أطباء او مهندسين او سائقى توك توك ، الامر يتعلق بنا كمصريين بشكل أساسى الجو العام المسيطر على هذا النوع من المؤتمرات هو طريقة وايقاع الفرجة على مباريات كرة القدم فى المقاهى الشعبية يتحول المنظمون والمشاركون فى المؤتمر الى مشجعين ومتشاجرين ويجتهد الجميع فى التقاط الكلمات الطائرة من الافواه بصعوبة وحرفنة فى ذات الوقت ويصبح الشكل مستورد والجوهر عشوائى محلى ستجد سجادة حمراء فى المدخل فى مهرجانات السينما تماما مثل السجادة الحمراء فى مهرجان كان وغيره من المهرجانات العريقة لكن السائرين على تلك السجادة هم من يحددون اختلافنا وتفردنا وكأننا نرسى قواعد جديدة وأعرافا مستحدثة لم تخطر على قلب بشر ، سيتم استضافة كل من ليس له علاقة بالمهرجان ستوجه الدعوات فى مهرجان السينما مثلا لاصحاب الحرف العجيبة وسيتمخطر على السجادة الحمراء كل من لا يمت للمهنة بصلة بينما ستجد المؤتمر الطبى مثلا يضم العديد من الفنانين انه العبث فى أعلى تجلياته ستجد اجتماعا مهما لوزارة الثقافة مثلا يضم العديد من الصحفيين المتخصصين فى الصحافة الرياضية وعلى رأس المدعوين ستجد لفيفا من المتخصصين فى مستحضرات التجميل ذلك من حيث الشكل اما من حيث تفاصيل اى اجتماع وبروتوكولاته فستجد ضجيجا متصاعدا من حوارات جانبية وضحكات ونداءات تشبه نداءات الباعة الجائلين وسيدات محترمات يصرخن من ألم اقدامهن بعد ان داسها العديد من الشباب الذين ازدحموا فى المكان دون ان يحدد احد هويتهم . سينتهى الامر بأن يصرخ من بيده الميكرفون بأعلى صوته : يا كباتن ميصحش كده فيصمت الجميع بالفعل لعدة ثوانى قبل ان تنفجر القاعة فى الضحك فلا احد يعرف مثلا من المقصود بلفظ كباتن هل هم السادة الاطباء ام السادة المحامين ام السادة المستشارين فقد نسى جميع الحاضرين عنوان الندوة او المؤتمر او الاجتماع لكنهم بالتأكيد ليسوا كباتن ، صارت اى دعوة توجه لاى شخص محترم لحضورة فاعلية اى شيء هى دعوة مقلقة و مربكة جدا ويتردد الشخص المحترم ألف مرة قبل ان يذهب الى ذلك الاجتماع عله يتعرض للاهانة او الاصابة بقطع فى طبلة اذنه او يعود بقدم مهروسة اوذراع مكسور اصبح الامر اقرب لافلام الرعب ، وذلك فضلا عن نوع اخر من الكوميديا الذى استحدثه المنظمون المصريون وظهر بكثافة فى السنوات الاخيرة لتنفرد به مصر دون غيرها وهو كوميديا الجوائز وهى كوميديا شديدة التعقيد اجتمعت فيها فكرة التقدير والتحية مع فكرة جبر الخواطر وفكرة اخرى مصرية صميمة اتخذت عنوانا مميزا لها وهو عنوان ( عشان محدش يزعل ) عنوان جعل المنظمين يستحدثون مسميات للجائزة لا يتصورها عقل سليم فتمنح جائزة افضل ممثل وجائزة اميز ممثل وجائزة أجدع ممثل وجائزة أروع ممثل وجائزة أعظم كاتب وجائزة اقوى كاتب وجائزة المخرج المختلف وجائزة المخرج غير المتكرر ليحصل كل من شارك فى اى عمل فنى على جائزة وربما جائزتين وقد يصل الكرم بالمنظمين الى منح جائزتين مناصفة لنفس الشخص إمعانا فى تقدير الابداع كل ذلك التفرد جعل مهرجاناتنا وجوائزنا تحتل الدرجات الادنى فى التنصيف العالمى وصارت الجوائز الاقل مصداقية وقيمة صرنا اكثر محلية ومن حق الانسان ان يحلم بذلك الحلم بعيد المنال حلم يتحقق حين توجه الدعة لمن ينتمى للمهرجان او المؤتمر وان يبدأ المؤتمر فى موعده وان يتحدث الانسان فيسمعه الآخرون الى ان يأتى الدور على غيره وان يلتزم الصحفى بدوره وأن تمنح الجائزة لمن يستحق وان ينتهى الاجتماع فى موعده وان يخرج الحاضرون من ذلك الاجتماع بأفكار واضحة ومحددة وأن يكون هناك نظام فى بلد اخترعت قديما النظام ، نظام نلتزم بكل قواعده حين نكون خارج حدود بلادنا.