مع كل تشكيل وزارى جديد أو تعديله يتجدد الأمل فى أداء أفضل لمجلس الوزراء فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ الوطن ، ويتابع الرأى العام عادة بكل اهتمام ودقة مشاورات التعديل الوزارى ونتائجه لكى ينتهى إلى التفاؤل أو التشاؤم أو الحياد ، وفى هذه المرة كما فى غيرها لم يخرج كل من كان الرأى العام أو قطاع منه يتوقع أو يتمنى خروجه ولم يدخل كل من كان يتوقع أو يتمنى دخوله لكن القرار فى النهاية يبقى بيد المسئولين عنه دستورياً ، وثمة رسائل تثور بمناسبة كل تشكيل أوتعديل وزارى جديد ، والرسالة الأولى موروثة من تشكيلات وتعديلات سابقة وتتعلق بأسلوب إجراء المشاورات الخاصة بها ففى كل مرة يبدأ الحديث أولاً عن مبدأ التغيير أو التعديل ثم ننتقل إلى بورصة الترشيحات فهؤلاء مرشحون للخروج وأولئك مرشحون للدخول وكثيراً ما يتعدد المرشحون للمنصب الواحد وفى مرحلة لاحقة يبدأ حديث الاعتذارات ومعه سخرية بعض وسائل الإعلام من المنصب الوزارى الذى أصبح الناس يفرون منه وفى النهاية يتم الميلاد المتعثر فإذا ببعض المرشحين للخروج الذين تم تداول أسماء عديدة للحلول محلهم يبقون وإذا ببعض المرشحين يختفون وهو ما يخلق فى تقديرى مناخاً غير صحى على سير العمل فليس إيجابياً من منظور الأداء أن يتولد الانطباع بأن وزيراً بقى فى موقعه لمجرد أن البدلاء اعتذروا وليس منصفاً من المنظور الشخصى أن تتردد بشدة أسماء مرشحة ثم ينتهى الأمر بغيابها فلا نعرف هل اعتذرت أم اعتُرض عليها بشكل أو بآخر ولعل هذا أحد أسباب تخوف البعض من دخول بورصة الترشيحات أصلاً وقد آن الأوان فى تقديرى للتوصل إلى أسلوب حصيف لإجراء مشاورات التشكيلات أو التعديلات الوزارية بما يحفظ كرامة الجميع . لا يستطيع المرء أن يصدر حكماً شاملاً الآن على جدارة التعديل وإن كان الأمل يحدو كل المخلصين فى أن يكون رافعة قوية لتحسين الأداء ومع ذلك فإن من يعرفهم المرء سواء معرفة شخصية أو من خلال سابق خبرتهم الذاتية يدعو إلى التفاؤل وأبدأ بالدكتورة هالة السعيد الوزيرة الجديدة للتخطيط والإصلاح الإدارى فهى عميدة الكلية التى أنتمى إليها ويشهد الجميع بقدراتها العلمية والإدارية الفائقة فى كل المواقع التى تولتها ناهيك عن خلقها الرفيع كما أن نائبها لشئون الاصلاح الإدارى الدكتور صالح الشيخ أستاذ أكاديمى شاب تشهد أعماله البحثية وخبراته العملية بكفاءته اللافتة فضلاً عن أدبه الجم ولذلك فإنى متفائل بأنهما سوف يواصلان العمل الممتاز الذى قام به الدكتور أشرف العربى لسنوات طويلة ويعززان هذا العمل ، أما الدكتور طارق شوقى وزير التعليم الجديد فقد كانت لى معه تعاملات محدودة متباعدة لكنها سمحت بالتعرف عليه كعالم جليل نزيه ، وثمة رسائل عديدة يمكن أن تُرسل له لكننى أكتفى الآن وفى عجالة بتأكيدا على ضرورة مراعاة البعد الاجتماعى فى التعليم علماً بأن ثمة وسائل متاحة لزيادة الموارد المطلوبة لإحداث نهضة تعليمية حقيقية بعيداً عن المساس بمجانية التعليم بما يناقض الدستور أصلاً ولنا فى تجربة الدكتور جابر نصار فى جامعة القاهرة أسوة حسنة ، وهناك أيضاً المهمة المحورية التى من شأن إنجازها أن تُحدث نقلة تعليمية نوعية وهى إعادة الاعتبار للمدرسة والمدرس والكتاب المدرسى كما أتمنى أن يراجع الدكتور طارق بدقة شديدة النظام الجديد للامتحان فى الثانوية العامة حتى لا يوقعنا التطبيق المتعجل له فى مزيد من المشكلات وليعنه الله على البيروقراطية الراسخة ومجموعات المصالح فى وزارته . وهناك وزيران لم أعرفهما شخصياً ولكنى تابعت عبر السنين مسيرتهما المتميزة وهما الدكتور هشام الشريف الوزير الجديد للتنمية المحلية والدكتور على المصيلحى الوزير الجديد للتموين ، والأول معروف بريادته فى مجال تكنولوجيا المعلومات وهو مؤسس مركز المعلومات ودعم القرار التابع لمجلس الوزراء وأحلم بأنه سوف يوظف علمه وهو خريج واحد من أرقى المعاهد العلمية فى العالم وخبرته العملية فى إحداث طفرة حقيقية فى مجال المحليات سوف يكون انعكاسها بالغ الإيجابية على حاضر مصر ومستقبلها ، أما الثانى وهو صاحب الأداء المتميز فى نظام مبارك فى الوزارة التى يتولاها الآن فأمامه مهمة بالغة الحيوية والصعوبة وهى كبح جماح الأسعار بل تخفيضها بعد أن وصلت إلى مستويات غير مسبوقة وغير مبررة دون ضابط عقب الرفع الجزئى للدعم عن الوقود ثم تحرير سعر الجنيه وثمة أمثلة مضحكة مبكية لارتفاع الأسعار ليس ثمة حيز كاف للحديث عنها لكن المرء يُمكن أن يقرر باطمئنان أن الأمر وصل إلى السرقة العلنية من جيوب المستهلكين الضعفاء دون أن تتمكن الدولة من عمل أى شىء لحماية مواطنيها وبالذات الأقل قدرة وهناك الآن شريحة اجتماعية واسعة تعرضت بالفعل لانهيار وليس لانخفاض فى مستوى معيشتها ، والآن فإن بداية تعافى الجنيه أمام الدولار ولدى الثقة فى أنه سوف يستمر رغم كيد الكائدين تفرض ضرورة إقرار آليات لضبط الأسعار وتخفيضها وهذا حديث يطول غير أن المهم أنه يجب أن يكون واضحاً وضوح الشمس أن ثمة ضرورة ملحة لوقفة " تعبوية " باللغة العسكرية لعملية الإصلاح نقيم فيها ما تم وتداعياته قبل أن نشرع فى أى قرار جديد بشأن استكمال عملية الإصلاح لأن المعروف أن ما تم ليس سوى مرحلة وأن ثمة مراحل قادمة بعضها قريب وليس مضموناً ألا يؤدى أى قرار جديد فى هذا الصدد إلى عواقب سيئة إذا لم تسبقه إجراءات صارمة وفعالة لتخفيف العبء عن الطبقات المطحونة وتحسين مستوى معيشتها وليوفق الله مصر وقيادتها ومجلس وزرائها لما فيه الخير . لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد