على الرغم من أن مصر ليست طرفا فى الجدل المثار أمريكيا ودوليا بشأن أداء الرئيس دونالد ترامب وعلاقاته مع مختلف دول العالم، فإن وسائل إعلام غربية تصر على إقحام مصر فى هذا الجدل، عبر الربط بين رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة فى تحسين العلاقات مع القاهرة، بعد سنوات من التدهور فى ظل إدارة باراك أوباما، وبين سياسات ترامب وقراراته التى لا تروق لبعض الأمريكيين والأوروبيين. تجاهلت وسائل الإعلام الغربية حقيقة أن مصر تبحث عن مصالحها، وعن الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية قوية مع واشنطن، بغض النظر عن أى اعتبارات أخري، وتعمدت الإكثار من «التلميحات» حول وجود تشابه فى الأداء بين الرئيس الأمريكى الحالى ترامب وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وأفردت مساحات شاسعة من تغطيتها الإعلامية السلبية لأداء الرئيس الأمريكى لعدد غير قليل من السياسيين والنشطاء المصريين المعارضين للدولة المصرية، للإدلاء بدلوهم فى هذا الاتجاه، وانتهاز الفرصة لتوجيه الانتقادات، والإساءات أيضا، للرئيسين معا. وتحت عنوان «رئاسة ترامب تبشر بحقبة جديدة من العلاقات الوطيدة مع مصر»، كتبت وكالة رويترز للأنباء تقول يوم 8 فبراير إن «الإعجاب المتبادل بين الزعيمين يرجع إلى اجتماع عقداه فى نيويورك فى سبتمبر الماضى وجد خلالها المرشح الرئاسى آنذاك دونالد ترامب أرضية مشتركة مع النهج المتشدد الذى يتبعه الرئيس السيسى حيال التطرف»، ونسيت الوكالة أن الإرهاب وحمل السلاح ضد المدنيين ومؤسسات الدولة لا يمكن أن يوصف فقط بالتطرف بأى حال من الأحوال، ولا يفلح معه إلا التشدد أو ما هو أكثر من ذلك. وفى محاولة لإحداث وقيعة بين مصر ودول العالم الإسلامي، تحدثت رويترز عن أن مصر التى لم يرد اسمها فى قائمة الدول الإسلامية السبع التى قرر ترامب حظر مواطنيها من السفر إلى الولاياتالمتحدة أحجمت عن التحدث ضد الحظر نيابة عن الدول الإسلامية التى غالبا ما تتطلع إليها كدولة زعيمة، ونسيت الوكالة أيضا أن تشير إلى أن معظم الدول الإسلامية، ومن بينها على سبيل المثال دولة الإمارات والكويت والسعودية، أكدت فى تصريحات لكبار مسئوليها أن قرارات ترامب ليست موجهة فعليا إلى الإسلام. وتحت عنوان «فترة ولاية ترامب تبشر بحقبة من العلاقات الأمريكية المصرية الدافئة» بثت هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» تقريرا بتاريخ 7 فبراير زعمت فيه أيضا إحجام مصر عن معارضة قرار الرئيس ترامب بحظر دخول رعايا سبع دول إسلامية، وكأن رويترز وبي.بي.سي. يتحدثان بلسان واحد، ووصفت البى بى سى رد القاهرة على قرارات ترامب بأنه كان «مذهلا»، وليس مفهوما ما هو سبب ذهول الشبكة من امتناع مصر عن التدخل فى شئون الآخرين، وتحفظها على الاعتراض على قرار يخص أمريكا وحدها، ويتعلق أيضا بسبع دول غير مستقرة أمنيا بالفعل. والأسوأ من ذلك أن ال «بى بى سي» ارتكبت خطأ فادحا، بل خطأ ثلاثيا، فى التقرير نفسه، عندما ذكرت أن «الرئيس السيسى يواجه تمردا يقوم به المتشددون فى سيناء، لكنه بدأ فى الانتشار خارجها أيضا»، فالمعروف أن ما يحدث فى شمال سيناء لا يمكن أن يوصف سوى بأنه «إرهاب»، وليس تمردا، كما أن من يقاتلهم الجيش المصرى فى سيناء أكثر من كونهم «متشددين»، فضلا عن أن معلومة انتشار «التمرد» خارج شمال سيناء هذه معلومة انفردت بها البى بى سى دون غيرها، ولا نعرف إلى أى مصدر استندت فيها، اللهم إلا إذا كانت الشبكة البريطانية تعتبر تفجير الكاتدرائية البطرسية أو اغتيال أفراد الشرطة أو تفجير خطوط المياه والكهرباء وترويع المدنيين من أنشطة «التمرد» المقبولة! وكانت حجة ال «بى بى سي» غريبة أيضا فى عرضها لآراء نشطاء مصريين فى قرارات ترامب، فنقلت عن أحدهم، الذى وصفته بأنه «ليبرالي» قوله إن قرارات ترامب تخدم المتطرفين لأنه يعادى أغلبية أو كل المسلمين فى كل أنحاء العالم تقريبا، وهو ما يريده داعش والجماعات المتطرفة الأخري، وهو الدفع فى اتجاه المواجهة، ويبعث برسالة مفادها أن الحضارتين الغربية والإسلامية لا يمكنهما العيش معا، بينما كلمة الرئيس السابق باراك أوباما فى جامعة القاهرة والكلام للناشط نفسه كانت قد دعت إلى توحيد صفوف الحضارتين، على الرغم من أن العالم الإسلامى ودول المنطقة العربية شهدت أسوأ عصورها فى ظل إدارة أوباما، بفضل «عاصفة» الربيع العربى التى أطلقها أوباما وإدارته منذ بدء ولايته الأولي، وكانت شرارتها الأولى قد انطلقت من خطاب جامعة القاهرة، وكان التنفيذ على يد التيارات الليبرالية نفسها التى ينتمى إليها الناشط نفسه الذى يتحدث عن توحيد صفوف الحضارتين، وأن الخراب الذى لحق بالمنطقة العربية والإسلامية على يد هذه العاصفة، هو نفسه الذى تسبب فى تدفق موجة اللاجئين إلى الدول الغربية، ووقوع أكثر من عملية إرهابية فى أكثر من دولة، ومن بينها أمريكا نفسها، مما ساعد على وصول ترامب إلى السلطة ببرنامج انتخاب قام على أساس منع دخول اللاجئين المسلمين إلى الولايات المتحدة!!