أعترف بداية بأننى واحد من آلاف كثر الذين عرفوا واقتربوا طويلا من الدكتور مصطفى الفقى الدبلوماسى المرموق والعلامة والمفكر القومى الاستثنائى البارع، صاحب الباع الطويل فى مدرسة الدبلوماسية المصرية، والأدوار الصعبة المركبة فى دهاليز الرئاسة المصرية، ومحطات وإدارات وكواليس الخارجية، حيث عاصرته عن قرب عندما كنت محررا دبلوماسيا بالأهرام وشاهدت جولاته وصولاته فى معارك الدبلوماسية، وتفكيك أفخاخ الأزمات والنكبات التى حلت بنا وبالمنطقة فى أوقات عصيبة، وأزمات مستحكمة، وكيف فتح ثغرات عديدة فى جدار أزمات شتي؟ الكتابة عن د. مصطفى الفقى ليست بالمهمة السهلة، بل بالصعبة المركبة حيث الرجل قيمة وقامة فى مجالات عدة، ومناح شتى أصبغ الله عليه بمحبة وتقدير وإجلال لشخصه لم يبارها فيها أحد من عديد فئات الشعب، فهو صديق حميم للسياسيين والدبلوماسيين المصريين والعرب والدوليين قريب، وعلى مسافة واحدة وقريبة من كل كتاب ومفكرى ومثقفى وفنانى مصر والدول العربية، تربطه محبة وامتنان برجل الشارع العادى الذى لا يتوانى لحظة عن مساعدته ومد طوق العون والمودة له فى شتى أمور عديدة، فهو الأكثر نشاطا ومهنية وموهبة من أبناء جيله فى الفكر والذكاء، وموسوعته الفكرية لا تبارى ولا تطال. أكتب اليوم عن د. الفقى بمناسبة صدور كتابه الأخير الأثير الذى صدر منذ أسابيع قليلة، والذى يحمل عنوان «لقطات من العمر»، الذى صدر عن مركز الأهرام للنشر أخيرا، حيث شاهدت كتابه وتوقيع عقد إصداره مع الزميل والصديق محمد الشاذلي، مدير مركز الأهرام للنشر فى آخر يوم عمل له بالمركز، قبل أن يغادره بساعة واحدة، حيث كانت احتفالية ثنائية خاصة بكتاب د. الفقى وسعادة الشاذلى بتوقيعه على آخر إصدار للمركز فى عهده لصاحب الشأن والقامة والمقام، ألا وهو د. الفقي. كتاب د. الفقى «لقطات من العمر» يمثل أحدث باكورة الإنتاج الغزير للرجل مع عالم الكلمة والكتاب، حيث يتناول فيه بالإسهاب والتركيز قصة حياته منذ مولده بدمنهور فى محافظة البحيرة، مرورا بالمرحلة الجامعية فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وتأثيرها على تكوينه الفكرى والعقلي، وانطلاقاته فى عالم السياسة ودروبها الصعبة والشائكة، بعد انضمامه فى السنوات الأولى فى الجامعة لمنظمة الشباب، وبداية لقاءاته وعلاقاته مع أقطاب عالم ورجالات السياسة العظام فى مصر منذ بداية الستينيات وحتى يومنا هذا، ثم الولوج إلى عالم الدبلوماسية بردهاته وأروقته المتعددة المتشابكة، ورحلاته فى عمله الدبلوماسى فى عواصم كبرى كبريطانيا والهند وجنيف. ناهيك عن استغلاله ذكاءه الحاد، وموهبته السياسية والدبلوماسية والفكرية الفذة فى لقاء أقطاب السياسة فى العالم، وبنك الأفكار التى تولدت وتجذرت فى تكوينه السياسى والفكرى والإنسانى ليكون علامة بارزة، ورقما صحيحا وصعبا فى المعادلة السياسية والدبلوماسية، فضلا عن أكثر المحطات صخبا وحركية، ونجاحه بحرفية ومهارة فريدة فى إطفاء نيران الغيرة والحسد، ووأد معارك المؤامرات لجعله منصة استهداف دائم خلال فترة عمله برئاسة الجمهورية سنوات عديدة كسكرتير للمعلومات لرئيس الجمهورية مبارك، وكيف نجح، رغم ثقل المهمات، ووعورة التكليفات والاشتباكات، وصعوبة الأدوار التى أداها. ولما لا وهو الذى برع ونجح فى نزع فتيل الألغام التى زرعت فى طريق حياته العملية لسنوات عدة، حيث حاربه وحاصره البعض وتكتلوا جماعة وشللية وأفرادا فى الانقضاض عليه، وحرمانه فى فترات معينة من تولى مناصب عليا فى الدولة المصرية كوزير لخارجية مصر، أو أمين عام للجامعة العربية بعد ثورة 25 يناير، حيث كنت شاهدا على تلك المعركة، وكتبت له عدة مقالات تأييدا وتشجيعا له فى الأهرام، باعتباره ووضعه الأفضل والأنجح والبارع فى ذلك الوقت لهذا المنصب، حيث يمتلك من المقومات والمؤهلات الرفيعة التى يستحيل على دبلوماسى مصرى فى ذلك الوقت، فى ضوء حالة الانهيار التى واجهتها مصر بعد ثورة 25 يناير للحفاظ على المنصب ومكانة ودور مصر فيها، ومقرها فى القاهرة، لكنهم تآمروا عليه فى اللحظات الأخيرة وأتوا بمن أضعف وأقل قدرة فى القيادة والوزن، فسلم الجامعة ودور مصر فى ذلك لنفر ودول فى الجامعة تقافزت فوق الدور المصرى واحتلت الجامعة بالتأثير والقرار والهيمنة والإملاءات. فصول كثيرة، ومعارك عدة يحتويها كتاب د. مصطفى الفقى لمحطات زمنية خاطفة من عمره، اعترف الرجل من خلالها أنه لا يبغى كتابة السيرة الذاتية، لكنه تسجيل لبعض المواقف والتجارب التى تعرض لها، والمنعطفات التى مر بها، فضلا عن أنه تسجيل واف لكثير من لحظات صعبة من تاريخ الفقى ومصر فى أدق الأوقات، حيث كانت أمانة العرض والحرص الشجاع على التسجيل بأعلى قدر من الشفافية والصدق، احتراما لمن يقرأ، وحرصا على أجيال تأتى من بعدنا.. كما يقول، خاصة أنه يحكى ويسرد قصص علاقاته مع سياسات ومواقف ورجالات وقامات كبرى اقترب منهم، وعمل معهم، كالمرحوم أسامة الباز، وعمرو موسي، وكثر آخرين، وغيرها وغيرها من الأحداث والكواليس التى تحتاج منا جميعا، خاصة أجيال الشباب الذين يريدون التعلم وإدراك الخبرة مبكرا، وينهلون من العلم والثقافة والمدى الفكرى لمصطفى الفقى مبكرا إذا أرادوا الولوج إلى مكانته وقامته، فإن لقطات من العمر ستكون خير زاد وماعون، لعلى لا أبالغ إذا قلت إن د. الفقى أكثر من تعرض للظلم ونيران سهام الحقد والسعى للتهميش وتحجيم الدور والمكانة، لمنع الاقتراب من المناصب الرفيعة الكبرى فى الدولة المصرية، لكن الرجل ظل نقيا شفافا، يتمتع بطهارة اليد واللسان يحمل الخير كله للجميع والنعمة لبنى البشر، ولم يعرف الحقد أو القنوط أو المكايدة أسلوبا إلى قلبه أو عقله، بل ظلت العفة والطهارة والترفع وحسن الخلق والقيمة، فحصد الحب والاحترام والتقدير كأحد أبرز رجالات مصر الحاليين، وبالتالى فأقل تقدير وتكريم للرجل أن يتم اختياره لمهمة رئاسة مكتبة الإسكندرية، باعتباره أفضل وأنبل وأرفع من يشرف هذا المنصب بقيمته وقامته.. فهل نفعل ونكرم د. الفقى اليوم قبل الغد؟ لمزيد من مقالات أشرف العشري;