رحل أحد الشعراء المصريين المنافحين عن القصيدة العمودية أو البيتية، والذى، فى الوقت نفسه، لم يستسلم لإغراءاتها وسهولتها بعد أكثر من خمسة عشر قرنا على ميلادها، بل كان يقاوم الإغراء والجاهزية بمزيد من الصور الشعرية الجديدة والمبتكرة، وركوب القوافى الصعبة، وتنوع المضامين.. إنه الشاعر المهندس إسماعيل عقاب الذى ولد عام 1946 فى قرية محلة بشر بمحافظة البحيرة، ورحل فجر الأربعاء 15 فبراير 2017. التحق إسماعيل عقاب بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وتتلمذ على يد الشاعر الكبير عبدالمنعم الأنصاري، وكتب عنه قصائد عدة فى رثائه بعد أن توفى عام 1991، بل كتب عنه مسرحيته الشعرية «محاكمة المغنى»، وأنشأ باسمه جائزة شعرية قدرها خمسة آلاف جنيه فى ذلك الوقت. وعشق إسماعيل عقاب القصيدة العمودية التى كان أحد فرسانها طيلة حياته. عندما قرّبنى الشاعر عبدالمنعم الأنصارى منه، كان ثالثنا فى الندوات والأمسيات والمهرجانات الشعرية هو إسماعيل عقاب الذى اقتربت منه أكثر وخاصة بعد صدور ديوانه الأول «خطوات الأمل المعصوب» الذى شاركت فى مناقشته فى مرسى مطروح، ثم أصدر بعد ذلك دواوين أحببتها من عناوينها لارتباطها بالبحر مثل «هى والبحر»، و«حديث الموج للصخور». وكنت أرى بحر اسماعيل عقاب غير بحرنا فى الإسكندرية، ربما أضاف إليه بحر مرسى مطروح شعرية جديدة، ورؤية أكثر صفاءَ. عندما استقر عقاب فى عمله بمرسى مطروح، كان يقطع حوالى ثلاثمائة كليومتر ليكون موجودا بيننا شاعرا متألقا، وكثيرا ما كان يأتى ويبيت على نفقته الخاصة، فقط كى يشارك فى مهرجان أو أمسية شعرية ويلتقى أصدقاءه الشعراء. ونجح إسماعيل عقاب بقصيدته البيتية فى أن يكون له وجود فى القاهرة وأمسياتها ومهرجاناتها وندواتها، وكان يلبى دعوات المجلس الأعلى للثقافة للمشاركة فى فعالياته الشعرية، ودعوات معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى لم يتمكن من الحضور فى أمسيات دورته الأخيرة لمرضه الشديد، ودعوات الهيئة العامة لقصور الثقافة للمشاركة فى مؤتمراتها ومهرجاناتها، وامتد حضوره إلى خارج مصر، فعُرف فى الكويت خاصة بعد فوزه بجائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى عام 1991، وشارك فى مهرجان الجنادرية بالسعودية أكثر من مرة، وكان دائم السفر والمشاركة فى الجزائر والمغرب، وغيرها من البلدان العربية، بل كان يشارك فى ندوات ومهرجانات شعرية خارج الوطن العربى، وحصل على شهادة تقدير من مهرجان الشعر اليونانى. لقد صدرت الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر إسماعيل عقاب عن هيئة الكتاب منذ حوالى ثلاث سنوات، وأعتقد أنه أضاف جديدا من شعره بعد هذا الإصدار، ولعلنا نستطيع جمع ما تبقى من قصائد عقاب التى لم تجمع فى ديوان بعد. رحم الله شاعرنا الغالى الذى فقدناه فى مصر كلها.