"سقطت فى الإعدادية ثلاث مرات.. اتعقدت وقلت أشتغل أحسن".. بهذه الكلمات بدأ " موسي" حديثه معنا ، وهو يعمل على ماكينة " تخريم" الفلنشات، التى يتم تركيبها لاحقا فى مواسير المياه. يتداخل صوته مع أزيز الماكينات. وهو يحكى لنا كيف بدأ العمل فى ورشة عمه منذ عام. موسى الذى يودع سن الطفولة ، يقضى عامه الرابع عشر فى ورشة الخراطة ، ليعمل يوميا - ماعدا يوم الأحد- من الحادية عشر صباحا حتى الثامنة مساء، يتخللها عصرا ساعة للراحة ليتناول غداءه فى منزله الذى تقع أسفله الورشة. "حاولت كتير اتعلم القراءة.. بس مش عارف خالص وسبت المدرسة".. موسى ليس سعيدا تماما بعمله فى ورشة الخراطة، وإن كان راضيا به.. كان يفضل أى عمل آخر لكنه لم يجد فرصة أخري، وفكر فى العمل مساعدا "ل"ترزي" وهى المهنة التى سبق أن مارسها من قبل، لكن الآن وبعد مرور عام على عمله فى الورشة، يخشى أن يتركها فيغضب عمه! 300 جنيه هى ما يحصل عليها موسى أسبوعيا، لا ينفق منها إلا القليل، سواء لمساعدة والدته فى مصروف المنزل، أو ليشترى لنفسه قطعة ملابس أو حذاء فى العيد. لكن أين يقضى موسى يوم إجازته؟ بسرعة يجيبنا: فى البيت ! بالعب على الكومبيوتر". موسى لا يخرج من المنزل لأنه ببساطة ليس لديه أصدقاء الآن بعد أن ترك المدرسة، ولم يعد متواصلا مع زملائه القدامي.. بالطبع ليس هو الطفل الوحيد الذى ترك التعليم ليعمل، صحيح أنه يتعلم "صنعة" فى زمن يترك فيه "الصنايعية" عملهم إلى مهن أخرى أكثر ربحا، وعلى رأسها قيادة التكاتك والميكروباصات، لكن السؤال: اما من وسيلة لضم هؤلاء الأطفال من جديد لفصول التعليم الفني، مع منحهم دروسا لتعلم القراءة والكتابة، ماداموا سيستمرون فى عملهم هذا فى كل الأحوال؟!