حصل الروائى إبراهيم فرغلى على جائزة ساويرس فى مجال الرواية، وذلك عن روايته «معبد أنامل الحرير»، وهى رواية حاول من خلالها معالجة قضايا الواقع بأسلوب مراوغ، اعتمد فيها على الخيال كعمود فقرى للعمل، إلى جانب التقنية غير التقليدية التى استخدمها، والتى تصل ذروتها حين يدرك القارىء أنه يقرأ أحداث ثلاث روايات مختلفة فى رواية واحدة.. كل ذلك وضعناه «كتساؤلات» أمام فرغلى. فى روايتك الفائزة «معبد أنامل الحرير» استخدمت أسلوب «الرواية داخل الرواية» كما فعلت فى رواية «أبناء الجبلاوى».. لماذا كررت هذا الأسلوب؟ أنا أبذل مجهودا كبيرا فى الكتابة، وأعتقد ان النص الذى أكتبه يستحق جهدا موازيا فى القراءة، ولو أن هذا ليس شرطا طبعا، لكنى فى النهاية لدى يقينى الخاص فى مفهوم الكتابة الأدبية، وهو أن الأدب ليس نقلا للواقع، بل خلق واقع فنى موازٍ، فأنا أسعى لنص تخييلى لا يمت للواقعية بصلة، لكنه مواز للواقع جدا، وأحيانا يشبهه حد التماثل، وأحب أن أضع سؤال الفن مجاورا وموازيا لسؤال الواقع؛ لأنهما معا فى تقديرى وسيلة مثالية لصياغة أسئلة الحياة، ولهذا أحاول دائما كتابة نص داخل نص، أو رواية داخل رواية، يتماهى فيها الفنى والواقعي، كما تجعل القارئ دائما متشككا فى هوية الكاتب وهوية البطل، وهذا هو فهمى للفن الذى أحب أن أنتجه. أنت مغرم باستخدام الرموز فى رواياتك.. فبم كنت ترمز لاستخدام «كتاب» راويا لأحداث الرواية؟ أنا مغرم بإيجاد وسائل سرد غير تقليدية تخدم فكرتى عن النص الفانتازى، أو الخيالى، الذى أكتبه، استخدمت مثلا صوت شبح ميت كراو رئيس فى رواية «ابتسامات القديسين»، واستخدمت أصوات قرائن الكتابة أو شياطين الكتابة كأصوات سردية فى «أبناء الجبلاوى»، و فى «معبد أنامل الحرير» أحببت أن أجرب العلاقة المعكوسة: أى جعل النص المكتوب هو الذى يحكى حكاية كاتبه، ربما يأتى هذا تأكيدا لقيمة المخطوط، أى مخطوط، باعتباره أيضا بشكل ما رمزا للمعرفة، وللفن، ففى هذه المغامرات السردية تفاجئنى مفارقات تخدم الطريقة التى أحاول التفكير والكتابة بها. قلت من قبل إنك تحاول كتابة أعمال تجريبية فى محاولة للثورة على الأساليب التقليدية، لكن أليس الإغراق فى هذه الأساليب قد يبعد القارئ عن قراءة العمل؟ هذا يعتمد على القارئ فى الحقيقة، فالأساليب التجريبية موجودة فى تاريخ الأدب بكثرة، ليس فقط فى الأدب بل وفى السينما أيضا، ففى الأدب هناك ظاهرة الواقعية السحرية التى عُرفت بها أمريكا اللاتينية. وهناك أعمال استثنائية، وتجريبية، تتضمن الكتابة داخل الكتابة كما عند الأمريكى بول أوستر مثلا، أو تتكئ على التأمل الفلسفى العميق كما فى أغلب أعمال التشيكى «ميلان كونديرا» فى فرنسا، وغيرهما وبعضها تحولت حتى لأعمال سينمائية رغم صعوبة ذلك. وفى النهاية أنا أكتب ما أحب وأستمتع بكتابته، وأصنع به شخصية كتابتى، وأتوقع قارئا متذوقا يحب أن يرى فى الرواية مصنعا للأفكار وليس مجرد حدوتة لطيفة. رواية «معبد أنامل الحرير» صعدت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، ثم فازت بجائزة ساويرس، فهل حظت بالنقد الأدبى الملائم؟ أعتقد أنها عانت من الصمت الذى ضرب حولها فى مصر لفترة طويلة بعد صدورها، ربما بسبب حجمها الكبير ونشرها خارج مصر، لكن مع ذلك كان لها الحظ فى عدد من صحف بيروت التى تناولتها بالكتابة والنقد، ثم كتب عنها فى مصر لاحقا عدد من النقاد والكتاب المرموقين، صحيح أن أغلبها كتابات نقدية صحفية وليست أكاديمية، باستثناء ربما مقال أو اثنين، لكنى سعيد بما كتب، وأعرف أن الكتابة النقدية الأكاديمية ستستغرق بعض الوقت. تحدثت عن طريق شخصياتك عن ثلاثة مجتمعات مختلفة هى مصر، وأوروبا التى تمثلها الفتاة الألمانية «يوديت»، وإفريقيا التى تمثلها الفتاة الإثيوبية «ميهريت».. والغريب أنك انتقدت المجتمعات الثلاثة.. لماذا؟ لأن هذا هو الواقع الذى نعيشه، الديمقراطية بمقترحها الغربى أصبحت نظاما شكليا لخدمة رأس المال العالمى بأصوات المنتخبين «الأحرار» فى أوروبا وأمريكا، وهذه الأنظمة الديمقراطية المنتخبة بواسطة أصوات المواطن الغربى لا تفعل شيئا لمجتمعاتنا منذ قرون سوى التأكد من إضعافنا أو سحقنا تماما، وهذا جانب كبير مما تهتم به الرواية من خلال تأمل ثلاثة نماذج فى مصر وإثيوبيا وألمانيا لنرى كيف تؤثر العولمة على سحق الجميع، ليس لدينا فقط بل حتى فى المجتمعات الغربية أيضا، فالكل اليوم يدفع ضريبة توحش الرأسمالية العالمية وسياسات النيوليبرالية. ودورى كروائى أن أرى الوضع من موقف محايد وليس من موقعى كمواطن عربى مثلا. الملاحظ أن الحلول التى تطرحها كلها حلول خيالية، مثل المدينة السفلية وكتابة النصوص الممنوعة على أجساد البشر، فلم لجأت للخيال بهذا الشكل المكثف؟ هذه الرواية خطوة أخرى تضاف لمشروعى الذى أحاول فيه تأكيد خصوصية النص الروائى الذى أكتبه، باعتباره نصا ينتمى للخيال، ولمزج الأسطورة والفانتازيا بالواقع، وهى مكتوبة لكى يكون السرد بطل العمل الرئيس، أى طريقة أو تقنيات الحكى فى النص، وهى تنويعة أخرى على التيمة نفسها التى بدأتها فى أبناء الجبلاوى، وهذا بدأ منذ روايتى الأولى «كهف الفراشات» التى مزجت فيها الواقع بالخيال من خلال فصول متوازية، ففى الفانتازيا طبيعى أن يكون للخيال الجامح دور البطولة.