وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من جنوب إفريقيا للتعرف على تجربة بنك المعرفة    كل ما تريد معرفته عن تشكيل وموعد الإعلان عن الحكومة الجديدة 2024    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الإثنين.. عيار 21 ب 3100 جنيه    أسعار البيض تتراجع اليوم الاثنين في الأسواق (موقع رسمي)    تراجع معظم مؤشرات البورصة في مستهل تعاملات اليوم    معلومات الوزراء: 15 مليون فرصة عمل تخلقها الشبكات الذكية على مستوى العالم بحلول 2030    الحج قديما.. كيف ظهرت مهمة المطوف ليكون مسئول مباشرة عن الحجاج منذ وصوله إلى مكة؟‬    قوات الاحتلال تعتقل 3 فلسطينيين من مدينة «طوباس»    مشهد يحبس الأنفاس، إقلاع وهبوط طائرتين في مدرج واحد    الليبراليون في سلوفاكيا يفوزون في الانتخابات الأوروبية    «واشنطن بوست»: استقالة جانتس تضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار    يورو 2024| منتخب بولندا يحلم بتجاوز إنجاز نسخة 2016.. إنفوجراف    تصفيات المونديال| نيجيريا يواجه بنين.. وغانا يلتقي جمهورية أفريقيا الوسطى    منظمة المنشطات: عقوبة رمضان صبحي قد تصل للإيقاف 4 سنوات    رؤساء المدن بالغربية يتابعون محيط لجان الثانوية العامة ورفع القمامة    وزيرة التضامن تطمئن على الحالة الصحية للحجاج المصريين    الحكم في طعن «شيري هانم وابنتها زمردة» على سجنهما 5 سنوات| اليوم    ياسمين عبد العزيز تنشر صورة لتوقيع عقد مسلسلها الجديد والعوضي يعلق "هتدغدغي الدنيا يا وحش الكون إن شاء الله"    «مرتبطون بوالدتهم ولا يفعلون شيء بدون رأيها».. احذري من رجال هذه الأبراج قدر الإمكان    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    هل الغش في الامتحان يبطل الصوم؟.. «الإفتاء» توضح    الخشت: قافلة الجيزة الطبية استكمال لجهود الجامعة ومشاركتها للتحالف الوطني    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    ممنوعات يجب تجنبها مع طلاب الثانوية العامة طوال فترة الامتحانات    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    توافد طلاب الثانوية العامة على لجان الدقي لأداء امتحاني التربية الوطنية والتربية الدينية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى إمبابة دون إصابات    أول إجراء من وزارة الرياضة بشأن أزمة «الدروس الخصوصية» في صالة حسن مصطفى    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات روي فيتوريا    5 معلومات عن زوجة أمير طعيمة الجديدة.. ممثلة صاعدة وخبيرة مظهر    بشير التابعي: الأهلي في حاجة للتعاقد مع أحمد حجازي    سنتكوم: أجرينا عملية إنزال جوي للمساعدات الإنسانية إلى شمال غزة    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    سها جندي: نعمل على تدشين المركز المصري الإيطالي للوظائف والهجرة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    البابا تواضروس الثاني يدشن الكنيسة الجديدة باسم القديس الأنبا إبرام بالفيوم    الثانوية العامة 2024| انتظام جميع لجان امتحانات المنيا    مع فتح لجان امتحانات الثانوية العامة 2024.. دعاء التوتر قبل الامتحان    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    لميس الحديدي: رحلتي لم تكن سهلة بل مليئة بالتحديات خاصة في مجتمع ذكوري    السعودية تستضيف ألف حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة بأمر الملك سلمان    لأول مرة مقاتلات أوكرانية تضرب عمق المناطق الروسية    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس «اتصالات النواب» يزف بشرى سارة عن مكالمات التسويق العقاري.. وعمرو أديب عن مدرس الجيولوجيا: «حصل على مليون و200 ألف في ليلة المراجعة»    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    ميدو: الجميع توقع خناقة بيني وبين عدلي القيعي.. ولم يكن هدفي أطلع ترند    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر في عصورها القديمة: جمال الغيطانى ولوحة الحياة
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 02 - 2017

في يوم الإثنين 6/7/2015 (قبل إفتتاح مشروع قناة السويس الجديدة بشهر واحد) نشرت صحيفة «الأهرام» دراسة موجزة في شكل مقالة لي بعنوان : «رباط البحرين – عن مشروع «قناة السويس» في الزمن القديم» . ليلتها ،
وفي نفس موعده (حوالي التاسعة والنصف) ، هاتفني كاتبنا وأديبنا الكبير جمال الغيطاني – عليه رحمة الله- وتحدثنا طويلاً في كل دقائق وتاريخ ذلك المشروع العبقري الذي تعود فكرته الأولى إلى عصور الفراعنة الأقدمين . بعدها تطرق الأستاذ الغيطاني إلى زيارته الأخيرة إلى متحف «اللوڤر» في باريس ، والتي صاحبه فيها كلٍ من الأستاذ الدكتور فتحي صالح والمهندس محمد أبو سعده (بالصدفة فلقد تم تكريم كل من الرجلين منذ عدة أسابيع في مؤتمر الآثاريين العرب بجامعة المنصورة) ، وكيف أنه مفتون بلوحة مصرية قديمة هناك يريد أن يسميها «لوحة الحياة» . وكان أن تعرفت على هذه اللوحة من أول وهلة بعد أن بدأ في وصفه لها ، حتى أنه أراد أن يتثبت فسألني عن بقية تفاصيل مناظرها فأجبته ، بل وحددت له مكان عرضها في المتحف ، وكيف أنني أقوم بتدريسها لطلابي بجامعة القاهرة منذ أكثر من ثلاثين عامًا ، كما أنها منشورة في أحد أعمالي العلمية . هنا يطلب مني صاحب العشق الكبير لآثار وتراث بلاده أن أكتب مقالة عن هذه اللوحة لأنه يريد أن يستمع إلى شرحي لكل تفاصيلها، ذلك أن مدير قسم الآثار المصرية بمتحف «اللوڤر» كان قد شرحها له ولصاحبيه بصورة إجمالية وبدون أن يتوقف عند الكثير من عناصرها الفريدة ، وأنه شخصياً سوف يكتب عنها في يومياته بجريدة «الأخبار» . ساعتها وعدته بأنني سوف ألبي طلبه بإذن الله ، ولكنني رجوته أن يمهلني إلى حين عودتي من السفر الذي كان بعد أيام . وأعود إلى أرض الوطن لاستمع من الدكتور زاهي حواس إلى ذلك الخبر الفاجع الحزين أن الغيطاني في حالة سيئة وأنه يدعو الله أن يشفيه، وكان الصديقان القديمان قد تصالحا تمامًا – بوساطة مني – وقبل سفري ببضعة أسابيع . ويرحل الغيطاني إلى دار الخلود قبل أن أقدم له شرحًا مفصلاً عن ذلك العمل الفني الرائع الذي انبهر به وشغله في كل زياراته العديدة إلى الجناح المصري في متحف «اللوڤر». واليوم – وبحسب ما وعدته – فإلى روحه وعلى روحه أكتب هذه السطور عن لوحة صغيرة (إرتفاع : حوالي 31سم) من الخشب المغطى بطبقة من الجص عليها مناظرها وكتاباتها الملونة ليس فقط على الوجهين بل حتى من حوالي سمكها الذي لا يزيد عن 2,6سم فقط . وهذه اللوحة تحمل رقم (E52) في سجلات المتحف ، وكان الذي إشتراها من مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر قد أهداها في عام 1852 إلى متحف «اللوڤر» ، وهى تعود إلى الفترة ما بين نهاية الأسرة الواحدة والعشرين وبداية الأسرة الثانية والعشرين من التاريخ المصري القديم (حوالي 930 ق.م) . وصاحبتها سيدة مصرية من الطبقة الوسطى أرادت بما صُور ودون عليها أن تضمن لنفسها عودة وتجدد الحياة في رحاب العالم الآخر ، وذلك بحسب ما كان معروفًا ومتعارفًا عليه في العقيدة المصرية القديمة ، بل وراسخًا في وجدان جميع المصريين في تلك الأزمنة .
وصف اللوحة :
تُظهر واجهة اللوحة بطول جزئها العلوي شبه المستدير علامة هيروغليفية مقوسة ذات لون ضارب إلى الأزرق الغامق نقرئها بالمصرية القديمة «بت» ، وهى كلمة تعني «السماء» ، أما الخط الأسود الذي يمتد بطول قاعدتها فهو يشير إلى كلمة «تا» وتعني «الأرض» . أما إطار اللوحة على الجانبين فيحده جهة اليمين ثلاثة من سيقان نبات الزنبق أو السوسن (رمز وشعار أرض الصعيد) وقد وضعت فوق رأس بشرية في إشارة إلى جنوب مصر وأهله ، ويحده في اليسار ثلاثة من سيقان البردي (رمز وشعار أرض الدلتا) وضعت هى الأخرى فوق رأس بشرية وبما يرمز إلى شمال مصر وأهله . هكذا نجد أن الفنان قد قصد بعلاماته البسيطة هذه أن يصور الكون بأرضه وسمائه جاعلا ناحية اليمين للصعيد وأهله ، وذلك في محاولة للربط بين الجنوب وعالم الغرب ، ذلك أن المصريين القدماء كانوا يطابقون ويساون بين أهمية وأفضلية جهة الجنوب (حيث مقدم ماء النيل باعثًا الحياة في الأرض) وبين عالم الغرب (حيث عودة الحياة في خلود وأبدية في عالم الموتى). وفي المقابل ، فإن الناحية اليسرى للوحة يتساوى فيها الشمال (حيث أرض الغرين المتراكم والخضرة الدائمة) مع جهة الشرق (حيث مطلع الشمس باعثة النور والحيوية لكل الخلائق والكائنات في عالم الأحياء).
أما عن الأشكال والكتابات داخل هذا الإطار الكوني فهى تبدأ أسفل قوس السماء مباشرة بقرص الشمس المحاط بحيتين من حيات الكوبرا التي يتدلى من كل واحدة منهما علامة «عنخ» (= الحياة) ، وتُواجه كل واحدة منهما (عن يمين ويسار) بواحدة من عيني رب السماء «حورس» (= عينا «وچات») ، ذلك أن إحداهما تقابل الشمس (العين اليمنى – ناحية الشرق) ، والأخرى هى القمر (العين اليسرى – ناحية الغرب) . ويستغل الفنان المساحة الخالية أسفل قرص الشمس فيما بين علامتي «عنخ» لكي يدون اسم المعبود الذي يقف يسارًا ، فنعرف أنه «رع – حور – آختي» (= «رع الذي هو حورس الأفقي» ، أي الذي يسكن الأفق العلوي للسماء) ، والمقصود هنا هو رب الشمس التي يخرج نورها من الأفق الشرقي (= شمس الصباح) . وبالفعل فإننا نرى هذا المعبود واقفًا بجوار رمز أرض الدلتا (الشمال / الشرق) وقد ظهر في هيئة بشرية وهندام ملكي ، إلا أن رأسه هى رأس الصقر (حورس) بقرص الشمس فوقها ، والذي يحيط به ثعبان الكوبرا . وبالرغم من أن هذا المعبود يمسك بصولجان الأرباب الطويل («واس») في يده اليسرى وعلامة «عنخ» في يده اليمنى ، إلا أنه للتأكيد على دوره كمجسد وممثل للمعبود الأول والأكبر «رع – آتوم» ، أول ملوك أسرة الأرباب التي حكمت الأرض المصرية في الزمن السرمدي البعيد ، فإنه يحمل أيضًا شارتي المُلك في شكل صولجان «ال حقا» المعقوف والمذبة «نخاخا» ذات الجلود الثلاثة. في الناحية الأخرى ، عند رمز أرض الصعيد (الجنوب / الغرب) ، تقف المتوفاة (صاحبة اللوحة) في مواجهة المعبود وقد رفعت يديها في وضع تعبدي ، وهى تظهر في كامل زينتها ، برداء كتاني شفاف ذي طيات وأهداب ، وباروكة طويلة يثبتها فوق رأسها شريط أحمر ، وتضع القلادة العريضة (=»أوسخ») على صدرها ، هذا بالإضافة إلى سوار عريض في كل معصم . أما عن القطعة البيضاوية المثبتة في داخل حزمة صغيرة من أعواد نباتية خضراء فوق رأس هذه السيدة ، فهى عبارة عن دهن عطري شمعي الطابع تسيل قطراته المنصهرة مع الوقت لتنساب فوق الباروكة وتصيب الرداء الكتاني بشيء من الشذا . والمعروف أن المصري القديم كان يعتقد في أن الأرواح الشريرة والشياطين لا تقوى على التواجد في مكان ينبعث منه أريج وهواء عطري، من هنا كانت الأهمية الخاصة لاستخدام البخور في كل طقوسهم وشعائرهم الدينية .
ويفصل بين هيئة صاحبة اللوحة (الأصغر حجمًا) وبين هيئة المعبود «رع – حور – آختي» شكل بسيط لمائدة قربان عليها ومن حولها وضعت أصناف من طعام وشراب ، هذا بالإضافة إلى بعض أزهار اللوتس المتفتحة . أما عن المظهر الفريد الذي به تتميز هذه اللوحة عن العديد من مثيلاتها ، فهو خروج الأشعة من قرص الشمس فوق رأس المعبود ، وذلك في شكل خطوط من زهرات يانعات متتابعات لكي تسقط على وجه صاحبة اللوحة ، الأمر الذي يرمز في العقيدة المصرية القديمة إلى إعادة الحياة لكل من دخل في رحاب الموتى ، خصوصًا وأن المصري القديم كان يعتقد أن العبير أو الشذا الذي يخرج من براعم الزهرات المتفتحة (خصوصًا اللوتس) هو بمثابة «نسيم الحياة» . فكأني بالفنان وقد أحال أشعة الشمس المتوهجة إلى موجات ونفحات تتدفق خضرة وأريجًا ، لكي تصل إلى المتوفاة فتكون عليها بردًا وبلسمًا وتُحدث لها نضارة ونشورا .
يتبقى أن نذكر أن العلامات الهيروغليفية التي دونت خلف ظهر صاحبة اللوحة تشير إلى ما تصبو إليه من قربان متواصل تريد أن تحظى به دوامًا في مقامها الأبدي . تقول الكلمات: «ألف من أرغفة الخبز ، ألف من أواني الجعة ، ألف من رؤوس الماشية (من الأبقار)، ألف من الطيور (الداجنة)» . أما النص القصير الذي سُجل فوق رأس هذه السيدة فتقول كلماته : «لعله (المقصود هنا هو المعبود المصور أمامها «رع – حور – آختي») أن يمنح قربانًا من خبز وجعة، وكل شيء طيب وطاهر ، وكل شيء حلو ولذيذ (المذاق) ، (إلى) أوزيريس (بمعنى التي هى تريد التشبه والإقتداء برب الموتى «أوزير») ، سيدة البيت (= ربة البيت) «تا [ن]ت – برت» (اسم هذه السيدة الذي يعني بالعربية «التي هى تنتمي إلى البذرة»)».
أما ظهر اللوحة فيصور صاحبتها في رحاب أخروية ذات نظام ومجال كوني مغاير ، ذلك أن قوس السماء ، المرصع بالنجوم هذه المرة ، يتكون من جذع الربة «نوت» التي تنحني بكامل جسدها الآدمي وقد ألقت برأسها وذراعيها الطويلين ناحية اليمين ، بحيث أن أصابع كفيها تتلامس مع بداية خط الأرض ، في حين أنها تضع قدميها عند نهاية هذا الخط ، وذلك كله لكي تجعل الكون بأرضه وفضائه داخل محيطها
وتحت سيطرتها الكاملة . يتأكد ذلك كله عندما نرى أن قرص الشمس عند الغروب ولحظة حلول الغسق والعتمة قد بدأ في الدخول إلى فم هذه الربة العملاقة التي تقوم ببلعه – كما تذكر النصوص منذ متون الأهرام في الدولة القديمة – ليسير في جوفها ساعات الليل وقد أنار النجوم التي أظهرها الفنان هنا ذهبية لامعة ، وذلك إلى حين حلول فترة الشروق ولحظة نهاية الظلمة وخروج ضوء الفجر عندما يولد نفس القرص خارجًا من جوف هذه الربة المهيمنة على مرحلتي الغروب والشروق ، والتي يظهر جسدها باللون الأزرق لكي يتناسب مع كونها «ربة السماء» . في داخل هذه المنظومة الكونية الجديدة نجد صاحبة اللوحة وقد وقفت ناحية مغرب الشمس (لأنها من ساكني عالم الغرب = عالم الموتى) وهى في كامل هندامها وسابق زينتها (يلاحظ فقط أن لون الرداء الكتاني الفاتح قد صار هنا – بسبب الضوء الخافت في ساعة الغروب – في لون رمادي غامق) لكي تتعبد (بدون مائدة قربان هذه المرة !) إلى «آتوم» (سيد التاسوع في هليوبوليس ورب شمس السماء) ، ذلك الذي يقف أمامها ناحية قرص الشمس ساعة الشروق ، ويظهر في لباس ملكي بتاج الوجهين (الصعيد والدلتا) المزدوج فوق رأسه ، وقد أمسك بصولجان الأرباب («واس») في يده اليسرى وعلامة «عنخ» (= الحياة) في يده اليمنى ، وعلق قلادة صغيرة على صدره عليها صورة الجعران المجنح «خبري» (رمز شمس الصباح) . وخلف المعبود «آتوم» نقرأ الكلمات الآتية: «الحماية والحياة من حوله» .
أما العلامات الهيروغليفية أمام وخلف السيدة «تا – برت» (صاحبة اللوحة) فتؤكد للمرة الثانية على أمنيتها في قربان دائم تحصل عليه في الدار الآخرة ويكون على النحو التالي : «ألف رغيف من الخبز ، ألف إناء من الجعة ، ألف رأس من الماشية (الأبقار) ، ألف طائر (من الدواجن) ، ألف شيء (ما دون ذلك)» . يتبقى على هذا الوجه الخلفي للوحة ستة أسطر قصيرة كتبت فوق السيدة «تا – برت» وفي مواجهة المعبود «آتوم» ، وهى تُقرأ من اليسار إلى اليمين : «كلام يقال بواسطة «آتوم» ، صاحب السلطة (الإمارة) في «إيونو» (= هليوبوليس / عين شمس – عند المطرية) ، الذي لعله أن يعطي القرابين والأطعمة والبخور ولفة كبيرة (= بالة) من الكتان إلى «أوزيريس» ، سيدة البيت «تا – برت» ، المبرئة (المراد هنا هو الإشارة إلى كل من حصل على حكم البراءة في يوم الحساب في العالم الآخر ، وقد خرج من قاعة العدالة فرحا منتشياً ، وقد أمسك بزهور التهنئة في يده ، ووضع القمع العطري فوق رأسه)» .
وأخيرًا نجد نصين مسجلين على حافة (= سُمك) اللوحة ، ويبدأ كل منهما عند قمتها لينتهي يمينًا أو يسارًا قرب قاعدتها . تقول كلمات النص الأول ، الذي هو ناحية اليمين بالنسبة للمتطلع لواجهة اللوحة ، ما يأتي : «المبجلة لدى «إيزيس» العظيمة ، والدة الإله (المقصود هنا هو إبنها المعبود «حورس») ، ولدى «نفتيس» ، شقيقة الإله (المقصود هنا هو المعبود «أوزيريس»)، لعلهما أن تعطيا قربانًا (من) خبز وجعة (إلى) سيدة البيت «تا – [ن]ت – برت» « . وتقول كلمات النص الآخر على الناحية اليسرى : «المبجلة لدى «سرقت» ، ولدى «حتحور» ، سيدة الطريق (بمعنى الربة الهادية إلى الطريق القويم) ، لعلهما أن تعطيا قربانًا من خبز وجعة إلى «أوزيريس»، سيدة البيت «تا – برت» « .
تعليق وتفسير : كلمة «رع» تعني بالمصرية القديمة «الشمس» ، وهى في ذات الوقت الاسم الذي يشار به إلى رب الشمس وصاحب السيادة في «هليوبوليس» (مدينة الشمس) ، والذي اندمج مبكرًا مع سيد الكون «آتوم» ليصيرا معبودًا واحدًا هو «رع – آتوم» كما تشير إليه متون الأهرام في أكثر من موضع (قارن : (Pyr. 145, 152, 154, 156, 158, 160 ، ولو أن نفس المتون تؤكد (Pyr. 1655, 1660) أن سيد التاسوع في «هليوبوليس» هو المعبود «آتوم» . كما أنها تُظهر (Pyr. 1695) أن رب الشمس في الصباح الباكر هو «خبري» ، وفي الظهيرة يكون «رع» ، وفي المساء يكون «آتوم» . والطريف أن الفعل المصري القديم الذي منه اشتق اسم المعبود الأزلي «آتوم» هو فعل «تم» ، والذي يعني بالعربية «تم» أو «أتم» أو «كمل» أو «أكمل» ، الأمر الذي يشير إلى كونه «التام» أو «المتم» أو «الكامل» أو «المكمل» ، حتى أنهم وصفوه في بعض المواضع على أساس أنه «رب الكمال» . وكان أهل الكهانة في «هليوبوليس» قد عدوه ربًا للكون والمعبود الأول الذي منه ينحدر نسل كل الأرباب ، حتى أن متون الأهرام (Pyr. 1521, 1546) تصفه بأنه «أب الأرباب» . أما عن دمج «رع» و»حور – آختي» في معبود شمسي واحد ، وكما أشارت إليه متون الأهرام (Pyr. 337) وذكرته بصفة مؤكدة (Pyr. 1049) ، فإن ذلك كان قد تقرر من قبل ذلك – لأول مرة – في معبد الشمس للملك «ني – أوسر – رع» (أواسط الأسرة الخامسة) ، حيث نسمع عن الاسم المركب «رع – حور – آختي» .
وتصور بعض المناظر على جدران المقابر وعلى بعض البرديات ، اعتبارًا من عصر الرعامسة في الدولة الحديثة ، المعبود «رع – حور – آختي» وهو في مركب الشمس مخترقًا رحاب العالم السفلي (عالم الظلمات) لكي ينيره فيبعث الحياة إلى ساكنيه من الموتى . من هنا نجد أن هذا المعبود يمكن أن يلقب على أساس أنه «رب العالم السفلي» (على سبيل المثال مقبرة «نخت آمون» بدير المدينة : TT 335) .
وإذا كانت الحضارة المصرية ، خصوصًا في الدولة الحديثة ، قد عرفت دمجًا لرب شمس الصباح ورب شمس المساء في اسم واحد هو «رع – حور – آختي – آتوم» (قارن المقابر: TT 1, 19, 255) ، فإن لدينا أيضًا دمجًا وانصهارًا بينهما بصورة واسم آخر هو «آتوم – رع – حور – آختي» (بردية هاريس على سبيل المثال) . والملاحظ أن كثرة ظهور «رع – حور – آختي» مع «آتوم» على العديد من لوحات الموتى (مثل لوحة «الحياة») ، وبصفة خاصة اعتبارًا من عصر الإنتقال الثالث (حوالي 1050 ق.م) ، كان للتأكيد على ضمان حدوث الدورة الشمسية كاملة . وكان كتاب الموتى في الدولة الحديثة قد أثبت في أكثر من موضع على أن مصير المتوفى وإعادة بعثه وتجدد مولده في العالم الآخر سوف يكون مرتبطًا بانتظام رحلة الشمس شروقًا وغروبًا . تقول بعض الكلمات على لسان المتوفى : «طالما يكون هو (= رب الشمس) سالمًا ، فإنني سوف أكون سالمًا» (Tb (E. Naville) : 17, 35; 72, 6 - 7) . أما أن يظهر كل من «رع – حور – آختي» و»آتوم» على لوحة «الحياة» بجسد يميل لونه إلى الأزرق الغامق (اللازوردي) ، فإن ذلك كان أمرًا مقدرًا لكي يتناسب هذا اللون مع طبيعة دورهما في رحابهما النورانية في عالم السماء والفضاء .
وفي مقبرة الملكة «نفرتاري» ، زوجة الملك العظيم «رمسيس الثاني» (الأسرة التاسعة عشرة) ، نقرأ كلمات المعبود «رع – حور – آختي» وهو يبشر الملكة بما يأتي : «لقد منحتك موضعًا في الأرض المقدسة (= الجبانة كدار للأبدية) ، ولقد منحتك مدة عمر «رع» (بمعنى دوام البقاء مثل رب الشمس «رع») ، ولقد منحتك الأبدية (في الآخرة) في حياة خلود وسعادة» . ومن جانبه يقطع المعبود «آتوم» لنفس الملكة وعلى جدار آخر في المقبرة بأنه قد تفضل عليها بالآتي: «لقد منحتك إشراقة (بمعنى بهاء ونور) «رع» في السماء ، ولقد منحتك الأبدية (في الآخرة) في حياة خلود وسعادة ، ولقد منحتك الزمن السرمدي (بمعنى اللانهائي) مثل «رع» ، ولقد منحتك كل البهجة (بمعنى إنشراح الصدر كاملاً)» .
وترسم لنا متون الأهرام (Pyr. 782) بكلماتها المعبرة تلك الصورة المميزة لربة السماء «نوت» ، وكما صارت مألوفة اعتبارًا من الدولة الحديثة ، وكما جاء تصويرها على لوحة السيدة «تا – برت» (لوحة الحياة) ، على النحو التالي : «يا أيتها العظيمة التي صارت هى السماء ، لقد اكتسبت المقدرة ، وأنت قد أصبحت ذات فعالية ، حتى أنك قد غطيت كل مكان بجمالك ، فالأرض (جميعًا) على إتساعها تقع في حوزتك ، فأنت لك المُلك (السيادة) عليها ، ذلك أنك قد طوقت اليابسة وكل شيء (عليها) فيما بين ذراعيك» . وربة السماء «نوت» تجسد الأمومة والحماية وإعادة المولد بالنسبة للموتى ، وبمثل ما تلد قرص الشمس كل صباح (قارن : Pyr. 698) . كما أنها التي تحتوي جثمان المتوفى في جوفها لحمايته وإعادة بعثه (قارن : Pyr. 616) . وكواحدة من أهم ربات التاسوع في «هليوبوليس» فإن متون الأهرام تذكر الربة «نوت» في مواضع عديدة وفي أكثر من 100 فقرة . كما أن «نوت» تصير منذ الدولة الحديثة على أقل تقدير هى «ربة عالم الغرب (= عالم الموتى) والمسيطرة على العالم السفلي» . أما أن يتم ذكر الربات «إيزيس» و»نفتيس» و»سرقت» و»حتحور» على جوانب لوحة الحياة ، فإن ذلك كان بقصد الحصول على الحماية المطلقة من قِبل تلك الربات الحاميات ، ولو أن متون الأهرام، والحضارة المصرية القديمة بعد ذلك ، تعرف أن الربات الحاميات هن : «إيزيس» و»نفتيس» و»نيت» و»سرقت» . إلا أن ظهور الربة «سرقت» في مقبرة الملكة «نفرتاري» خلف الربة «حتحور» يمكن أن يجعل من هذه الأخيرة بديلاً للربة «نيت» .
وعمومًا فإن السيدة «تا – برت» (صاحبة لوحة الحياة) تكون بما صُور على لوحتها قد ضمنت لنفسها رعاية وبركة سيد الكون «آتوم» ، وكذلك أمومة وحماية ربة السماء «نوت» ، على أن يكون تجدد مولدها وعودة دورة الحياة إليها ، وإلى الأبد ، مع الإندماج الكامل في نور وبهاء رب شمس المشرق «رع – حور – آختي»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.