متابعتك مشاهد ووقائع مؤتمر الشباب, الذى أنهى أعماله فى أسوان أمس الأول السبت ستقودك بلا ريب لاستخلاص ثلاث حقائق جوهرية، الحقيقة الأولى هى أن بعض مسئولينا بتقاعسهم عن أداء واجباتهم ومهامهم الوظيفية على الوجه الأكمل والأمثل يستنزفون وقت الرئيس ويستهلكونه فى تفاصيل وأمور تزيد من أعبائه، فى وقت يفترض فيه أن يتفرغ تماما لرسم سياسات البلاد فى هذه الفترة الدقيقة اقتصاديا وماليا واجتماعيا، وأن يكون ذهنه صافيا لها وحائزة لكامل تركيزه. فعندما وقف الشاب الأسوانى علاء مصطفى، يشكو مر الشكوى مما يتحمله سكان أسوان من أمراض وأضرار بيئية، بسبب مصرف مصنع كيما، وتلويث النيل بالمخلفات والصرف الصحى، فإنه فى واقع الأمر كان يشكو إليه تقصير مسئولى المحافظة والوزارات المختصة الذين لو كانوا قد أدوا ما عليهم مبكرا لما تفاقمت المشكلة وبلغت الذروة التى تؤثر على حياة وصحة المواطن، وكذلك على إنعاش الحركة السياحية فى المدينة، فكيف للسائح أن يأتى إلى مكان تفوح منه الروائح الكريهة ويستمتع به ويحمل لدى عودته لبلده ذكريات طيبة عنه تجعله يتحمس لدعوة أهله وأقاربه وأصدقائه للقدوم إليه؟ كانت خطوة موفقة من الرئيس السيسى مبادرته إلى الوفاء بوعده زيارة مصرف كيما، يرافقه صاحب الشكوى، ويعطى توجيهاته الفورية بوضع حد للمشكلة فى القريب العاجل، هنا وكعادته أطفأ الرئيس باقتدار نارا كادت تمتد لرقعة أكبر، مثلما أخمد بالقرارات الصادرة فى نهاية المؤتمر المشكلة النوبية لقطع الطريق على المزايدين والنافخين فيها، وبعدها سيتم استهلاك وقته فى متابعة ما وجه به على أجندة أعماله المتخمة بموضوعات وقضايا تتصل بحاضر ومستقبل مصر، وهذا ليس انتقاصا ولا استهانة بحجم وقدر المعاناة المتسبب فيها مصرف كيما وغيره من مصادر التلوث المؤدية لتزايد أعداد المصريين المصابين بأمراض خطيرة للغاية. أما المشهد الكاشف فكان حينما أوقف الرئيس موكبه للاستماع لشكوى عجوز أبلغته بأنها قصدت أبواب كل المسئولين الذين لم يلتفتوا لشكواها، وضع خطا طويلا أسفل كل المسئولين، وعندما تحدثت مع الرئيس قالت بعفوية وبلغة بسيطة لكنها عميقة جدا: «محدش هيجبلى حقى غيرك، وخوفونى انى أقابلك وقالوا هيضربوكى بالنار قلت لهم السيسى مش بيضرب شعبه بالنار»، فمَن الذى أدخل فى روع السيدة هذه الخزعبلات الخيالية؟! دلالة الواقعتين لا تخفى على كل ذى بصيرة، وهى أنه لا توجد آذان صاغية متفهمة فى الدوائر الحكومية والمحلية المحتاجة إلى نفضة قوية تقتلع منها عبادة الروتين، وضعاف النفوس من الفاسدين الذين لا يمدون أيديهم للأوراق المدون بها هموم البسطاء إلا إذا حصلوا على المعلوم، وان كان المعلوم النقدى أقل مما يتوقعه فستظل حبيسة درج مكتبه، وللتذكير فقط فإن الرئيس تدخل قبل أسابيع عندما شاهد فى برنامج تليفزيونى الوضع المزرى لمحطة قطارات أسوان وكلف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإصلاحها وترميمها وجعلها لائقة لزوارها من المصريين والأجانب، بعد أن كانت الأرصفة عبارة عن تلال من الرمال غير الصالحة للسير عليها بأى حال من الأحوال، وإن تمكنت من ذلك فإنك تمارس لعبة القفز فوق الحواجز، فبماذا تسمون ذلك؟ نعرف أن مهام الرئيس تشمل العمل على راحة المواطنين وتوفير الخدمات العامة الجيدة لهم، وهو ينجز ذلك عبر ما يسنه من سياسات وإجراءات تتعامل مع القضايا الكلية وليس الحوادث الفردية، وتعلمون أن منى الإسكندرانية صاحبة صورة التروسيكل الشهيرة لم تتسلم شقتها التى وعدها بها الرئيس لدى لقائها فى الاتحادية إلا بعدما أثار الموضوع فى إحدى جولاته الميدانية، فلماذا لم تؤد الجهة المعنية دورها المنتظر فى التوقيت المناسب؟. الحقيقة الثانية، أن ثقافة البوح فى حضور الرئيس أضحت شائعة ولها مدلولاتها، ولم تعد هناك عوائق ومحاذير ومخاوف مثلما كان فى الماضى، واختفت عملية توزيع الأدوار والأسئلة على المشاركين فى المؤتمرات والاحتفالات الموجود فيها الرئيس، فرأينا نقاشات قوية، وليست الجلسة النارية فى مؤتمر الشباب الأخير فى شرم الشيخ عنا ببعيدة والتى شارك فيها إعلاميون وصحفيون ومثقفون من توجهات مختلفة، وتبادلهم الأفكار والأسئلة مع الرئيس الحريص على زيادة جرعة التفاعل بينه وبين المواطنين من شتى الأطياف، فالشق التفاعلى مهم لأبعد حد يمكن تصوره وكان من الجوانب المفقودة فى مجتمعنا مع الجالس على قمة السلطة ومع بقية أركان وأضلاع الحكم، وكم نتمنى أن يسود التفاعل الإيجابى بين المواطن والسيد المسئول أيا كانت درجته ومقامه، لأنه من العيب أن يغلق بابه ويظل متقوقعا على ذاته مترفعا عن التعاطى مع أصحاب الحاجات والمظالم، وليتهم يقتدون بالرئيس وحرصه على التواصل المباشر مع المصريين. الحقيقة الثالثة والأخيرة, أن العنوان العريض للحقبة الحالية هو أنه لا تراجع عن الشفافية والمكاشفة كمنهج وكأسلوب عمل، إذ إن الرئيس حريص وبشكل واضح فى مداخلاته بمؤتمر الشباب وخارجه على عدم إخفاء الحقائق مهما تكن صادمة ومؤلمة، لأن شعورك بالألم هو الذى يحفزك على الالتزام بروشتة العلاج بكل ما فيها من نصائح وإرشادات قد يكون أغلبها على غير ما تشتهى وتأمل، فهذه المكاشفة هى التى تدعم وتعزز الثقة بين المواطن والسلطة وتجعله أكثر استعدادا للتجاوب مع متطلبات ومقتضيات المرحلة، وتقديم التضحية تلو الأخرى بنفس راضية لتأكده من أنه لا يتم خداعه، وندائى للمسئولين أن يتركوا مكاتبهم الفخمة الدافئة، وأن ينزلوا بين الناس لينصتوا إليهم، وأن يقوموا بواجبهم حفاظا على وقت الوطن ورئيسه. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;