كانت إطلالة الرئيس عبد الفتاح السيسى على صفحات الأهرام يومى الإثنين والثلاثاء الماضيين مختلفة عن الحوارات الثلاثة السابقة التى أجراها مع الصحف القومية الثلاث، الأهرام والأخبار والجمهورية نظرا لأهميتها فى تقديم رؤية شاملة للرأى العام عن الخطط الاقتصادية للدولة، وما يجرى على أرض الواقع من مشروعات تحديث وتطوير، وإعادة تأهيل للبنية التحتية وإقامة مدن جديدة. ربط السيسى فى حواره بين الكبرياء والكرامة الوطنية واستقلال القرار الوطنى وبين مشروعات إنتاجية فى اتجاهات متنوعة تهدف إلى زيادة قدرة الاقتصاد المحلى على الاعتماد على النفس وعدم اللجوء إلى المنح أو القروض الخارجية إلا بقدر فى أضيق الحدود (لابد أن ننوه إلى ما ذكره الرئيس عن تكلفة المشروعات التنموية المتنوعة التى تصل إلى 1040 مليار جنيه تأتى من حصيلة بيع الأراضى فى المدن الجديدة، (1400 مليار) وهو ما يفوق ما تم إنفاقه على كل تلك المشروعات من طرق وإسكان ومحطات كهرباء ومرافق ومدن جديدة). تحدث الرئيس عن تصويب مسار الاقتصاد الوطني، وأن المنتج المصرى هو صون للكبرياء والكرامة الوطنية، ومن هنا جاء السعى والسباق مع الزمن لإنجاز عدد كبير من المشروعات الكبري- مدن صناعية وعاصمة إدارية جديدة وتحديث البنية التحتية من طرق ومواصلات وكهرباء فى عملية وصفها الرئيس بأنها «إعادة صياغة الاقتصاد المصري» وهى العملية الصعبة والمحفوفة بالمخاطر والتى تؤثر على شعبية السلطة، إلا أنها أسهمت فى وقف التدهور الاقتصادى والمالى بشهادات من مؤسسات دولية معروفة، وقد قال الرئيس خلال الحوار إنه كان يعلم بما سوف يحدث بعد تحرير سعر صرف الجنيه وكل الإجراءات التى اتخذتها الدولة قبلها بمدة، ومنها شراء سلع لمواجهة فارق الأسعار، كان مخططا لها لمنع مزيد من المعاناة فى الأسواق. ويعلم السيسى أيضا أن جشع المتلاعبين بالأسعار لن يتوقف، ولن يمكن التصدى له، ومن ثم يكون خيار الدولة الأمثل هو توفير السلع والمنتجات الغذائية للسواد الأعظم من المصريين حتى يتوازن العرض مع الطلب. ووجه السيسى رسالة إلى الجشعين: «توقفوا وبينى وبينكم القانون». عدد من الرؤي المهمة خرجنا بها من اللقاء: رؤية تحقيق الأمن الغذائي للمصريين تتكامل من خلال عدة مشروعات، منها تنمية الثروة الحيوانية والثروة السمكية، ويشرف الرئيس علي إتمامها في فترة زمنية لن تتجاوز 30 مايو 2018. رؤية لحل أزمة أسعار الأدوية: الدولة تدرس إنشاء »كيان لشراء مستلزمات الدواء« فيما يشهد 30 يوينو المقبل افتتاح مصنع ضخم لإنتاج الأدوية، يوفر أدوية محلية الصنع نستوردها من الخارج فى الوقت الحالى لعلاج الأمراض المزمنة. كما نستعد لافتتاح مصنع يغطي الاحتياجات المحلية من ألبان الأطفال في فترة من 6 إلي 7 أشهر تقريبا. رؤية لتشجيع الاستثمار: القانون الجديد وقوانين أخري متصلة به سوف تشجع وتحمي الاستثمارات في مصر، في إطار المصلحة العامة حيث يمثل قانون الاستثمار الجديد »نقلة نوعية« والدولة سوف تدعم أنشطة المستثمرين وتعمل علي صيانة أموالهم، حيث يتوقع أن يؤدي القانون إلي طفرة في تسويق بعض المشروعات الكبري، ومنها مشروع تنمية محور قناة السويس. رؤية للقروض الخارجية: لا يوجد خطر، وأن هناك قطاعات كانت تنتظر نقدا أجنبيا، وبالفعل حصلنا علي تمويلات، ومنها محطات الكهرباء التي سدت الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك. وقال الرئيس إن الوضع الحالي يستوجب أن تكون القروض في أضيق الحدود، مع تأكيد قدرة الدولة علي سداد التزاماتها. من أهم ما خرجنا به من مقابلة الرئيس أن السيسي يسعي إلي تجاوب أكبر من المواطنين مع برنامج الإصلاح، ويريد أن يبث طاقة إيجابية في أوصال الوطن من خلال تأكيد أن الإصلاح عملية مستمرة. علي سبيل المثال، يري الرئيس أن الوصول إلي سعر »عادل« للدولار أمام الجنيه المصري يحتاج إلي فترة زمنية تصل إلي 6 أشهر حتي تعود سوق الصرف للانتظام. وفي الوقت نفسه، الرئيس يبدي انزعاجه من ارتفاع الأسعار إلا أنه يري أن السيطرة ممكنة من خلال وسائل أكثر قابلية للصمود في وجه الجشع والجشعين، بضخ سلع ومنتجات تسمح بزيادة المعروض حتي يكافئ الطلب.. ويبني الرئيس رؤيته علي آليات موازية منضبطة لا تهدف إلي الربح المغالي فيه، ومن خلال وجود الدولة داخل السوق عن طريق المنافذ، وإنشاء كيانات هدفها الأساسي ليس هو الربح بل توفير السلع بأسعار معقولة وملائمة للشرائح المضارة. وفي اللقاء الأخير، وصف الرئيس تلك الآلية بأنها ستكون «عازلة بين السوق الحرة بكل ما تعنيه من شراسة الرغبة في الكسب.. وبين الناس بهدف تقليل معاناة المواطن«. الشعب يريد.. فهل هو مستعد للعمل لتحقيق مايريد؟ - حديث السيسي عن سبل تحسين المعيشة وتجنب عدم الاعتماد علي المساعدات والمعونات، فقال بوضوح إن تحسن الأحوال المعيشية لن يأتي إلا عن طريق العمل لتوفير احتياجاتنا من عمل أيدينا، شارحا أن المشروعات القومية تحقق ذلك الهدف، ولابد أن نتحمل إذا كنا نريد بناء دولة قوية واقتصاد قوي. الدولة تعمل وتنفذ مشروعات عملاقة وتحتاج إلي كل يد تبني.. لهذا كانت دعوة الرئيس وتأكيده دوما علي الاصطفاف الوطني في كل حواراته. - ما طرحه من أن المكانة الدولية والإقليمية «مرتبطة بالشعب» - أي برغبة الشعب أساسا، قبل قدرته، فى زيادة الإنتاج، وأنه يستطيع ويمكنه أن يضع بلده علي خريطة العالم بالأفعال وليس بالأقوال وحدها. هنا لا نتوقف عند شعارات مثل »الشعب يريد« فقط.. فنحن نتفق مع الشعار ولكن حتي يتحقق: هل الشعب مستعد لأن يعمل ليحقق مايريد؟ - الكلام عن التحديث والتنمية وربطهما بمكانة البلد يتحقق بالأفكار وليس بأن نستمر أسري تفكير بيروقراطي عقيم وقديم! - تناول مشروعات التنمية وإعطاء النموذج بالقوات المسلحة التي تعمل وتنفق علي أعمالها دون إرهاق موازنة الدولة، في الوقت نفسه تقوم بعمليات تأمين الحدود، وتدعم قدراتها ببناء وتدشين الأسطول الجنوبي وغيرها من المشروعات الوطنية التي تقوم بها المؤسسة العسكرية في صمت. أمور تعطل وتعرقل وتحتاج إلي مساندة لجهود الرئاسة والدولة: - الجشع والفساد: قال الرئيس سنحاربه وليس هناك أحد علي رأسه ريشة ولن نترك عش دبابير لا ندخل فيه. - محاولة العودة إلي ابتزاز الدولة: محاولات إحياء مشروع الفوضي، فما كشفته التسريبات الأخيرة (بصرف النظر عن الجدل حولها) ألقت بظلالها علي 25 يناير.. فهؤلاء لم يقودوا أو يقيموا أو يحركوا ثورة، بل مجرد أطراف هدفها السلطة وفقط .. ومن ثم يكون السؤال المنطقي: إلي أين كان هؤلاء سيذهبون بالدولة..؟ كما أوضحت التسريبات المثيرة للجدل ما قام به الجيش للحفاظ علي البلد من الهواة والعملاء. وأوضحت أيضا لماذا هتف البعض هتافات رديئة ضد الجيش. إعلام محبط ينشر اليأس والإحباط: لا يري فيما يتحقق وما ينفذ من مشروعات تحقيقا لأهداف الثورة (العيش الحرية، العدالة الاجتماعية). فهل هناك طريق آخر نسلكه لنحقق ذلك غير العمل وتنفيذ هذه المشروعات! وهنا أيضا.. لابد أن يكون المسئولون علي مستوي التحديات، وهذه هي فلسفة التعديل الوزاري الذي تحدث عنه الرئيس. أن تكون بعض الإشارات والمبادرات من الرئيس مثل زيارة الكاتدرائية المرقسية في عيد الميلاد، وحديث عن شهداء الوطن من المسيحيين في حادث البطرسية، ودعوته إلي إصلاح الخطاب الديني السائد حافزا لمزيد من إصلاح العقول وبناء شخصية مصرية أكثر نضجا.. فالرئيس بدأ بنفسه ويريد أن تقتدي به المؤسسات والأفراد في البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع الأمة المصرية ولا تفرقها. تأكيد قيم المحاسبة والمساءلة، فلا أحد فوق رأسه ريشة أشخاص وجهات تعتبر نفسها فوق القانون. كلمة أخيرة الصبر والعمل والإنتاج في كلمات السيسي تساوي الكبرياء والكرامة الوطنية واستقلال القرار الوطني لبناء دولة أكثر حداثة وسط بحر محيط من الفوضي. لمزيد من مقالات بقلم : محمد عبدالهادى علام