مع انتشار ظاهرة إرهابيين صغار على الساحة فى الآونة الأخيرة.. ما هى العوامل الاجتماعية والنفسية التى أدت إلى ذلك؟.. وكيف يمكن مواجهتها؟ وما هى السبل التى يجب اتباعها لتقويم أبنائنا حتى لا يقعون فريسة للفكر الإرهابى والتطرف؟ تساؤلات طرحناها على المختصين: بداية يوضح د.رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان الفرق بين الإرهاب والتطرف قائلا: الإرهاب هو إلحاق الضرر بالآخرين وبالمجتمع باستخدام العنف.. أما التطرف فهو اعتناق مبدأ أو عقيدة أو التحيز لشىء معين أيا كان نوعه دون قبول الرأى الآخر، وغالبا ما يعيش هؤلاء المتطرفين بعيدا عن الناس آخذين رأيهم أنه الأهم وقد لا يستخدمون العنف. .......................................................... ويعلل أسباب ظهور إرهابى صغير بين الحين والآخر قائلا: الإرهابى الصغير صناعة أبوين مهملين أو متزمتين لا يعرفان الحقيقة، إذا هو نتاج عملية التنشئة الاجتماعية.. فالأسرة لم تقم بوظيفتها الأساسية وهى مراقبة لسلوك الطفل والتعرف على نواحى الضعف والقوة فيه وعدم معرفة نوعية الأصدقاء والمتابعة فى المدرسة ومعرفة علاقة الطفل التى تتيح لهم التعرف على مشاعره والتحدث معهم عن مشاكله وحينما تنعدم هذه العلاقة يوجد هناك من يملأ مكانها وهم أصدقاء السوء، والعامل الثانى: الأصدقاء فحينما يقع بين أنياب أصدقاء غير جيدين أو أعضاء فى جماعات إرهابية يكون أداة لينة فى أيديهم لأن الصاحب ساحب إلى ارتكاب الأفعال الإجرامية التى عانينا منها الفترة الماضية، ومن الممكن أن نعانى منها مستقبلا، ثم يأتى العامل الثالث المدرسة فحينما غاب الدور التربوى من المدرسة ارتفعت معدلات الجريمة وظهر أطفال صغار إرهابيين، وحينما عجز المدرس عن فهم طلابه اجتماعيا وركز على الدور التعليمى فقط او إعطاء الدروس الخصوصية شعر الطلاب بأن العلاقة بينهم وبين المدرس علاقة مصالح، وليست علاقة أبوة ولم يتشبعوا بحب الوطن.. وهذه رسالة مهمة للأستاذ فى المدرسة فإذا غاب الانتماء وغاب حب الوطن تشرب التلاميذ ثقافة الإرهاب وثقافة العدوان .. وللمواجهة كما يقول حينما نعالج هذه الجوانب لابد من إعادة عملية التنشئة الاجتماعية وأن يكون كل من الأب والأم مدركين أن الخطر يحيط بأبنائهم فى أى لحظة، فقد يكون سلوكه هادئا أو غير معروف عدوانيته، وحين النظر إليه بعناية وتفهم مشاكله يمكن إنقاذه، ومن خلال التعرف على أصدقائه يمكن وقايته من الانحراف، ومن خلال متابعته فى المدرسة يمكن مواجهة مشكلات هؤلاء التلاميذ، ولا تغفل الأسرة التشدد فى المراقبة على استخدام أبنائهم للوسائل التكنولوجية الحديثة كالموبايل والكمبيوتر والانترنت والتى تساعد على التواصل مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية.. ويمكن أيضا للجهات المسئولة من الدولة أن تحكم الرقابة الأمنية على المدارس الابتدائية والإعدادية بصفة خاصة، أما المدارس الثانوبة فيمكن الاكتفاء بالمتابعة من خلال الإخصائيين الاجتماعيين، ويجب على القائمين على دور العبادة من مساجد وكنائس أن يقيموا الندوات التثقيفية بشكل منتظم فى التسامح الدينى.. وأخيرا يجب أن تعم العدالة الاجتماعية فحينما يشعر الطفل إن هناك عدالة فى الأسرة والمجتمع سيدافع عن المجتمع. وحول مراحل التكوين النفسى للإرهابى وكيفية مواجهته نفسيا يوضح د.عبد الله عسكر أستاذ علم النفس ونائب رئيس جامعة الزقازيق قائلا: الإنسان يتم برمجة عقله منذ طفولته من خلال التربية الأسرية والأقران والمدرسة وأماكن العبادة والإعلام، وهذه العناصر هى التى تشكل الإنسان الذى ينقسم على نفسه بمعنى أن هناك رغبات داخلية خاصة بالفرد ورغبات خاصة بالمجتمع، وداخل الإنسان قوى تدفعه إلى الكراهية والعنف، وقوى أخرى تدفعه للحب والأمان، وفى مراحل نمو الصغير تنطبع شخصيته بمن حوله وبما يقوله الآخرون فقد يكون مثاله الأب أو المعلم أو الرفيق أو رجل الدين.. ثم تأتى مرحلة المراهقة ويبدأ فى البحث عن هويته وهنا تتوارد على عقله أسئلة الوجود والحياة والموت والدين، فإذا كان الرسائل التى تصل إليه محفزة للحياة أصبح له مشروع يعيش من أجله، ومن هنا يحب الحياة وشركاء الحياة ويتعامل مع الآخرين فيعود الحب إلى نفسه ويستطيع أن يتغلب على ضغوط الحياة من خلال وضعه لأهداف يتجاوز بها حالته الراهنة.. وفى وقت ما تبدأ عوامل الكراهية للظهور وهنا يهدد أهدافه الإيجابية، وكل ما يحمله التاريخ الإنسانى من عنف مرتبط بالصراعات الفكرية والدينية على اعتبار أن الحاضر قد يموت وتتوقف حركة الوجود بالنسبة له، وعند هذه المعادلة يبحث عن الخلاص فيجده أحيانا فى نص دينى أو عقائدى وفى داخله الموت وهذا النص يعزف بحياة أخرى، ويبدأ الصراع داخل نفسه ويقرر الانتحار لكنه يخاف من أن يموت منتحرا فيتبنى أفكار الجهاد، ويخرجون من الدين الحميد إلى خاص بهم ويدعون أنهم يتبعون الدين، والدين منهم براء.. ومثل هؤلاء يحتاجون إلى الاكتشاف المبكر لمظاهر الجنوح أو الانحراف والتحدى والمعارضة الجريئة منذ دخولهم إلى المدرسة الإعدادية، ويعد لهم برامج تأهيلية خاصة لوقايتهم من مخاطر الكراهية التى يحملونها داخل أنفسهم وتحقق أمنهم النفسى وأمنهم الفكرى. ولا يسعنا هنا إلا أن نشير إلى أنه قد تم مؤخرا فى المملكة الأردنية الهاشمية تخصيص حصة أسبوعية فى المدارس لتدريس مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح بهدف إيجاد نشء مدعم بمفاهيم التسامح والرأى والرأى الآخر منذ الصغر لنبذ العنف والإرهاب .