الخطاب الدينى ليس خطب المساجد. وانصراف وزير الأوقاف فى تصوره لتجديد الخطاب الدينى على مجهوده فى تعديل وتوحيد خطب الجمعة فى المساجد هو فعلا كما وصفه الرئيس السيسى مرة اقتصار واختزال غير مقبول. فإذا كنا بصدد مواجهة التطرف فإن المصادر التى يستمد منها المتطرفون تطرفهم ليست خطب الجمعة فحسب، فنحن عرفنا عشرات الطرق فرضها العلم الحديث من مواقع إلكترونية وتسجيلات صوتية لا تفترض لنفسها علاقة بخطب المساجد أساسا بل هى تكفرها أيضا. تجديد الخطاب الدينى يعنى طريقة جديدة فى التفكير تدفع إلى انفتاح العقل الإسلامى على مفاهيم جديدة أما خطب المساجد فهى أدوات تحمل الفكر الجديد وليست الفكر الجديد ذاته ولذلك فإن قصر وزير الأوقاف لعملية التجديد على إلباس الخطبة زيا موحدا «يونيفورم» تتحكم الوزارة فى شكله ومضمونه هو لون من التعامل مع «الإدارة» وليس «الفكر».. نريد تحريرا للعقل الإسلامى لا يسمح للتطرف فى تفسير النصوص أن يكون هو المتحكم فى خطاب الدين وطريقة طرحه للمفاهيم. ولا أقصد هنا توسع بعض الناس فى استخدام التفويض الذى يدخلنا فى مسلسل المحاكمات والسجن والإدانات واسعة النطاق، ولكننى أعنى التغيير فى إطار من التمسك بالثوابت، ولكن ما هى الثوابت؟ وهى مهمة كان الشيخ أحمد الطيب الإمام الأكبر قد بدأ شيئا منها فى حوار المثقفين مع رجال الدين بالأزهر الشريف لإصدار وثيقة الأزهر، ثم تحول الأمر بعد ذلك إلى صوغ مجموعة من الوثائق ترتبط بمثقفين يتجاوز تحررهم قبول مشايخ الأزهر وطرائقهم فى التفكير ومع ذلك فإن تلك الوثائق إدعت أنها تمثل الأزهر. كنا فى بعض تلك الاجتماعات نشعر أننا أمام نوعين منفصلين تمام الانفصال من التفكير وهذا لا يحقق الانتقال اللازم نحو التحديد، ثم أن الانفصال الكامل بين نوعين من التفكير لا يخلق انتقالا طبيعيا فلا المثقفون سينطلقون من أرضية معرفة دينية ولا علماء الدين سينطلقون من أرضية ثقافة غربية متحررة.. لابد أن يقوم بالتجديد الدينى رجال من داخل المؤسسة الدينية نفسها يمتلكون مناهج دينية أساسا للتعامل مع الموضوع، ولابد أن يكون هذا التعامل عبر «الفكر» لا «الأدوات»! لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع;