استغرق بحث مناهج التعليم لتحليل مضمونها وتأثيرها على العقل المصرى فترة غير قصيرة. تمت خلالها لقاءات مع عدد كبير من المدرسين والمدرسات والطلبة وأولياء الأمور والقائمين على أمور التعليم فى مصر والمهتمين به للتعرف على مدى مواكبتها للأسس السليمة.جاءت النتيجة تتضمن عددا قليلا جداً من الإيجابيات وكما هائلا من السلبيات علينا مواجهتها بصراحة وصدق، ولولا الإيمان بالوطن والتفاؤل بقدرة الشعب المصرى وقياداته على تخطى الصعاب بأنواعها لكان من الممكن أن يداهمنا الإحباط وفقدان الأمل.أجمعت الأراء أن المناهج ليست على المستوى المطلوب رغم أنها أكثر العوامل تأثيراً على العملية التعليمية، وبالتالى على برامج التنمية وحسب تعبير د. محمود الناقه « المناهج هى العمود الفقرى للتعليم إذا جادت وقويت جاد التعليم وقوى» من بين السلبيات التى لابد أن نعرفها ونعترف بها لنعالجها نشير إلى عدد من الأمور بعضها شديد الخطورة: أولاً: حجم البيانات المقدمة للطالب كبير لا يشجع على الرغبة فى القراءة والمعرفة كماً وكيفاً وأسلوباً ولا تقوم المناهج فى أغلبها على إمداد الطالب بالمعرفة والحقائق العلمية والمبادىء الأساسية والمعلومات التى يقوم عليها الفكر السليم والتى تحتاجها برامج التنمية فى ذلك يقول الأستاذ الفاضل مكرم محمد أحمد «إن مناهج الدراسة متخلفة لا ترتقى إلى احتياجات العصر ومطالب السوق وتسهم مخرجاته فى زيادة حدة البطالة». أما أسلوب التدريس فإنه لا يقوم أساساً على الفهم إنما على التلقين وتكرار الكلمات دون فهم المعنى وهو أمر خطير بالنسبة لجميع المواد لكنه غير لائق على الأخص بالنسبة للآيات القرآنية التى تشكل مرجعاً أساسياً لأغلب موضوعات الدراسة. ثانيا: أصبح واضحاً أن واضعى البرامج يتناسون أنهم مهما وضعوا من بيانات ومعلومات لن يتمكنوا من توفير المعارف كاملة خاصة وأنها تزداد وتتغير وتتجدد باستمرار وأن المهم هو تسليح الدارسين بالقدرة على الوصول لهذه المعلومات بعد انتهاء مرحلة الدراسة عن طريق تشجيع القراءة وتنمية الصداقة بين الطالب والكتاب، وبينه وبين المكتبات وتنمية القدرة على فهم وتقييم ما يقرأ. ثالثاً:الأسلوب الحالى يحرم الطلبة من استيعاب وإدراك الأساس الصحيح للعلم والتقدم وهو علاقة السببية. بمعنى أننا إذا أردنا أن نصل لنتيجة معينة علينا توفير الأسباب التى تقود إليها.. أصبحنا بسبب غياب علاقة السببية بين ما نفعل وما نهدف تتخذ القرارات وترسم الخطط التى لا تقود إلى ما نصبو إلى تحقيقه ثم نتساءل لماذا لا تنجح الجهود؟ رابعاً: المناهج خالية تماماً من التدريبات التى تغذى العقل وتنمى التفكير. تؤكد أن القائمين على وضع المناهج وعلى التدريس لا دراية لهم بأن التفكير مادة تدرس وتدرس لها تدريبات معينة،وفى غياب تنمية الفكر لا يصبح إعمال العقل أسلوب الحياة، بينما المجتمعات قدرها يتحدد حسب مستوى التفكير الذى يسودها. خامساً: لا تهتم المناهج، بجانب العلوم والمعارف، «بالتربية» التى تمد الطالب بأصول التعامل والعلاقات وقبول الاختلاف واحترام المدرسين. كنا نقول كاد المعلم أن يكون رسولاً. وأذكر عندما اقترحت فى مجلس الشعب أن يكون هناك «عيد المعلم» أسوة بأعياد كثيرة نحتفل بها كانت الموافقة عليه بالإجماع تقديراً لمكانة المعلم وهو أمر نفتقده اليوم كثيراً. كما أن المناهج خالية تماماً من مواد مطلوبة مثل الإنسانيات Humanities ومادة السلوك Behavior. سادساً: كان واضحاً غياب الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية التى تشكل جزءا أساسيا من المناهج التربوية وتساهم فى تنمية قدرات الطالب واكتشاف المواهب والإبداع بجانب التعود على المشاركة والعمل بروح الفريق، كما أنها من أهم عوامل جذب التلاميذ الذهاب إلى المدرسة. أغلب المدارس لم يعد بها فناء أو حوش لممارسة هذه الأنشطة! سابعاً: المناهج ليس بها القدر الكافى عن تاريخ الوطن وتراث مصر التى علمت العالم – وهذا أمر خطير –مع الاهتمام المكثف أحياناً بأمور غير مصرية. تاريخ مصر الذى يدرس فى كافة مدارس وجامعات العالم لابد أن يكون ركناً أساسياً فى مناهجنا. إن الذى يعرف مصر وحضارتها وتاريخها وحاضرها لا يمكنه إلا أن يعشقها، ولن يرتكب ما يسىء إلى أرضها أو شعبها أو مكانتها. قضية فى غاية الأهمية تستحق حديثا خاصاً. ثامناً: ولعل أخطر النتائج ما تبين أن هناك جماعات اخترقت نظم التعليم، لتجعلها دعوة واضحة صريحة للدولة الدينية. بدت جميع الكتب وكأنها دروس دينية . جميع الموضوعات لها مرجعية دينية وترتبط بعدد هائل من الآيات القرآنية الكريمة يسبقها احفظ وتعلم، وبأسلوب لا يقوم على الفهم خاصة أنه لا يواكبها شرح يبين مغزى القضية التى تتناولها الآية الكريمة . وكثيراُ لا توجد علاقة بينها وبين موضوع الدرس... هذه السلبيات لا تنفى أن هناك أمرا ايجابيا له أهميته هو اهتمام الدولة قيادة وشعباً وحكومة بقضية التعليم ودور المناهج فى تشكيل العقل المصرى وما يشوبها من قصور يحتاج تصحيحاً. لكن الاعتراف بالمرض أولى خطوات العلاج. هناك ارادة سياسية مخلصة لا يسعنا إلا محاولة الإسهام فيها. وسوف نتناول ثلاثة من أوجه القصور التى أشرنا إليها بشرح أوفى لعله يساهم فى العلاج. حفظ الله مصر. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا;