هناك حلقة مفقودة بين أداء الحكومة وأداء البرلمان حتى وصلت الأمور بينهما إلى حالة ضبابية في الرؤى والقرارات..لا يوجد شئ من التنسيق بين ما يحدث في كواليس الوزارات وقاعات البرلمان هناك قرارات وهنا توصيات ومشروعات قوانين والجميع يصب على رأس المواطنين بالقلق والإزعاج والأعباء..وأمام غياب التنسيق بين المؤسستين الرئيسيتين في الدولة وهما السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تنطلق قذائف صاروخية في صورة بيانات أزعجت الناس كثيرا, ومع صخب إعلامى مجنون والرغبة في إشعال الحرائق نجد الآن في كل بيت محنة وعلى كل لسان صرخة لماذا تحدث كل هذه الأشياء في وقت واحد وهل هى مؤامرة نصنعها بأيدينا, أم إنها أخطاء أشخاص لا يدركون معنى المسئولية والظروف الصعبة التى تعيشها مصر.. لم افهم أن تنطلق على الشاشات والصحف أربعة مشروعات قوانين يدور بها عدد من الأعضاء حول الإيجارات القديمة والكل يتحدث عن طرد المستأجرين وكأننا أصبحنا نتعامل بمنطق العصابات بحيث يجد المواطن نفسه خارج جدران بيته في الشارع, لم يدرك هؤلاء الذين أطلقوا هذه المناقشات والتصريحات على الفضائيات أن مصر تعانى أزمة خانقة في الإسكان وان الدولة تحاول بكل ما تملك إنقاذ سكان العشوائيات وإنها لا تستطيع توفير مساكن بديلة للمستأجرين المطرودين من مساكنهم وان مثل هذا القانون يحتاج إلى دراسات تراعى البعد الاجتماعي والأمنى والاقتصادى لمثل هذه القرارات..كيف سمح د.على عبد العال رئيس مجلس الشعب لعدد من الأعضاء أن ينطلقوا بلا ضوابط أو مسئولية في مسلسلات عنترية تتحدث عن طرد المستأجرين من مساكنهم خلال عشر سنوات من الآن بصورة متدرجة, إذا كان في المجلس عدد من الأعضاء من أصحاب العقارات يريدون طرد سكانها فهذه قضية أخرى وإذا كانت هناك عصابة من رجال الأعمال تريد شراء ما بقى في قلب القاهرة من العمارات العتيقة فهذه قضية أخرى أما أن نجد في مجلس الشعب مرة واحدة أربعة مشروعات قوانين أزعجت الناس لأنها تدعو إلى طردهم فهذه ظواهر لا ينبغى السكوت عنها.. إن المطلوب من رئيس المجلس أن يُسكت هذه الأصوات حتى يكون أمام المجلس مشروع قانون متكامل يتم بالتنسيق بين المجلس والحكومة تراعى فيه المصلحة العامة وحق المواطنين بالتساوى بين المالك والمستأجر لأن مثل هذه القضايا الشائكة ينبغى أن تعالج بقدر من الحكمة والحرص على مصلحة الوطن وأمنه القومى والسكن من أهم جوانب الأمن القومى.. هنا أيضا ينبغى أن نتساءل عن غياب الوزارة المسئولة وهى وزارة الإسكان, أن مشروعات القوانين المعروضة على المجلس وأزعجت الناس تتحدث عن دور للحكومة فى توفير ملايين الشقق للسكان المطرودين من مساكنهم وإنشاء صندوق لتعويض هؤلاء السكان وإنشاء مساكن بديلة فهل لدى وزارة الإسكان قدرات مالية لحل هذه الأزمة وهل لديها خطة لمثل هذه البدائل وأين هى من هذه المانشتات الصارخة..إن غياب وزارة الإسكان عن القضية - وهى بحكم التجارب والتاريخ أدرى الناس بها - يثير الكثير من الظنون والشكوك والهواجس.. كنا دائما نتحدث عن ضرورة رفع القيمة الإيجارية على المساكن القديمة وان يتولى السكان مسئولية ترميم وإصلاح ما يستأجرون من المساكن وكانت هناك أفكار واقتراحات كثيرة فى ذلك ولم يتحدث احد أبدا عن طرد السكان وإلقائهم فى الشوارع بعد خمس أو عشر سنوات, إن الأمر يتطلب تحقيق العدالة أمام قوانين ظالمة ولا ينبغى ان يكون الحل بقوانين جديدة أكثر ظلما وهذا للأسف ما يدور فى أروقة مجلس الشعب الآن حول هذه القضية الخطيرة.. وهناك سؤال آخر لم يتطرق احد إليه وهو ملايين الجنيهات التى حصل عليها الملاك من المستأجرين فى صورة خلوات بعيداً عن قوانين الإيجارات القديمة, كما أن هذه الإيجارات التى تبدو الآن قليلة كانت فى يوم من الأيام مبالغ كبيرة حين كان سعر العقار كاملا لا يزيد على 50 ألف جنيه فى أرقى المناطق السكنية.. لقد شاهدت على شاشات التليفزيون معركة ضارية بين أصحاب قوانين الطرد والمستأجرين وتصورت مالكا يحمل نص القانون الذى يجرى إعداده الآن ويدخل على المستأجرين ويطلب منهم الرحيل تنفيذاً للقانون فأين يذهب هؤلاء وماذا لو استخدم المالك القوة ضد السكان الآمنين.. إن الأزمة تحتاج إلى حلول ولن يكون الطرد هو الحل.. فى الوقت الذى تشتعل فيه قضية طرد المستأجرين على لسان أعضاء البرلمان وغياب الوزارة المسئولة هناك صمت قاتل حول قرارات لم يعلم عنها البرلمان شيئا ومنها تعويم الجنيه والارتفاع الجنونى فى سعر الدولار وما ترتب على ذلك من قرارات الحكومة برفع أسعار مئات السلع ابتداء بالأدوية, وانتهاء بالسكر والغريب ان هذه القرارات هبطت على رؤوس المواطنين دون أن نسمع شيئا من أعضاء البرلمان بل إن الكثيرين منهم خرجوا يدافعون ويبررون القرارات وكأنهم فى بلد آخر.. إن السؤال الأخطر كيف تجاهلت الحكومة البرلمان فى مثل هذه القرارات وهل توجد دولة فى العالم تحرر سعر صرف عملتها دون موافقة من البرلمان كما حدث فى تحرير سعر الصرف عندنا دون مقدمات.. إذا كان القرار ضرورة وهو بالفعل ضرورة فأين الحماية التى وفرتها الحكومة للجنيه المصرى وهو يتهاوى أمام الدولار.. هناك إجراءات كثيرة كان ينبغى ان تسبق قرار التعويم وكان ينبغى ان يكون البرلمان حريصا على توافر جوانب الحماية للجنيه المصرى.. وفى الوقت الذى واجه فيه الجنيه هذه المحنة كانت الأسعار تعصف بالمواطنين دون رقابة من الحكومة حيث تركت عصابات التجار يرفعون أسعار كل شئ ما بين الأدوية والسلع والأغذية بحيث دخلت الأسرة المصرية فى دوامة لم تخرج منها حتى الآن.. هل كانت الحكومة تعرف رصيد الدولة من السلع الأساسية ومنها السكر وهل يمكن أن ترفع الحكومة الأسعار فى ظل نقص فى المخزون, وبماذا نسمى ذلك هل هو ارتجال أم أهمال أم تقصير..لقد اعتدنا دائما أن تطمئن الدولة على مصادر السلع الضرورية ومخزونها حتى لا نجد أنفسنا أمام أزمة خانقة مع السكر والأرز والسلع التموينية.. كان من الممكن جدا توفير الكثير من الأعباء النفسية التى وضعت فيها الحكومة والبرلمان المواطن المصرى, فى الفترة الماضية, أمام الدولار والأسعار وطرد المستأجرين وكلها أسباب جعلت المواطن يعيش ظروفا نفسية قاسية..إن الحكومة لم تمهد الرأى العام لقرار واحد من قراراتها حتى تعويم سعر الجنيه كان من الممكن ان يتم والدولار يقف عند ثمانية أو عشرة جنيهات بحيث إذا ارتفع لا يتجاوز 12 أو 14 جنيها وليس 20 جنيها, وكان من الممكن ان تطمئن الحكومة على المخزون السلعى قبل أن تشعل معركة الأسعار بهذه الضراوة..وكان من الضرورى أن تضع الحكومة ضوابط صارمة لمراقبة أسعار السلع فى الأسواق حتى لا يكون العذاب مزدوجا ويقع المواطن بين نار الحكومة وجشع التجار وان السبب فى ذلك كله هو غياب التنسيق فى مواقع المسئولية فى بمؤسسات الدولة أن كل وزير يعمل فى جزيرة منعزلة حيث لا تنسيق ولا متابعة ابتداء بزيادة الأسعار وانتهاء بما يصدر من قرارات مفاجئة والمطلوب ان تعمل الحكومة كفريق عمل وليس كجزر منعزلة.. ان غياب التنسيق بين الحكومة والبرلمان فى دراسة التشريعات والقوانين خطأ جسيم حيث تنهال تصريحات أعضاء المجلس حول مشروعات قوانين لم تدرس ولم تعلم بها الحكومة وتهبط التصريحات على رؤوس المواطنين كأنها الصواعق واكبر مثال على ذلك مشروعات طرد المواطنين من بيوتهم والذى تحول إلى زلزال فى الأسرة المصرية خاصة أن الناس لا ينقصها الكثير من الإزعاج..وهنا أيضا فإن صمت الوزارة المسئولة وهى وزارة الإسكان تجعل القضية أكثر حساسية.. لا أدرى أين الغرف التجارية من كل ما يجرى فى الأسواق إن دور الغرف التجارية أن تحمى التاجر والمستهلك خاصة مع غياب جمعيات حماية المستهلك عن الساحة تماما, إن جرائم رفع الأسعار فى الشارع المصرى تقع على التجار الذين استباحوا المواطن المصرى ابتداء بتجار العملة وما ارتكبوه من جرائم فى حق الجنيه, وانتهاء بالسلع الغذائية وما حدث فيها من زيادات مع غياب كامل للرقابة على الأسعار.. مازلت أطالب الإعلام بأن يتوقف عن عنتريات البرامج وألا يناقش تلك الأفكار الشاردة والمزعجة ويصدر للبيت المصرى كل يوم هاجسا جديدا وأزمة مفتعلة..لقد أزعج بعض أعضاء مجلس الشعب ملايين الأسر وهم يتسابقون على الفضائيات ويروجون لقضية طرد المستأجرين من بيوتهم..البرامج الجادة لا يمكن أن تناقش إلا القوانين بعد أن يتم الاتفاق عليها كمشروعات مدروسة مشتركة ما بين الحكومة والبرلمان كما أن مشروعات القوانين التى لا تحرص على استقرار المواطنين تدخل بنا فى متاهات من القلق والإحباط.. رفقا بالمواطن المصرى الذى وقع فريسة بين مبالغات الإعلام وعنتريات البرلمان ولهيب الأسعار وغياب الحكومة وجشع التجار والرقابة على الأسعار لأن هذه الأشياء سوف تتطلب فتح مصحات نفسية وعصبية للملايين من أبناء هذا الشعب.. حرام عليكم .. قليلا من الرحمة. ..ويبقى الشعر ألمٌ..ألمْ مَاذا جنيتُ من الألَمْ ؟ وجْهٌ كسيرٌ..وابْتسَامَاتٌ.. كضوْء الصُّبْح بعثرها السَّأمْ.. حُلمٌ حزينٌ بين أطلال النِّهايةِ.. فى ذبُول ٍ.. يبتسمْ عُمْر على الطُّرقات كالطفْل اللِّقيطِ.. يُسَائلُ الأيَّام عنْ أبٍ..وأمْ نهْر جريحٌ تنزفُ الشطآنُ فى أعْماقهِ حتَّى سواقيهِ الحزينة.. ماتَ فى فمهَا النغمْ ندمٌ..ندَمْ ماذا جنيْتُ من الندَمْ؟ سيْفٌ تحنط فوْقَ صدْر النيل ِ.. يَحْكى قصَّة الزَّمَن الأشمْ سجنُوهُ فانتحَرَتْ أغانيهِ الجميلة ُ وانزوتْ أحلامُه السَّكرَى وصَارتْ كالعدَمْ شطآنُه الخضْراءُ تَأْكلُُها الأفَاعِى مَاؤه الفضّىُّ تسْكنه الرمّمْ فى كلِّ شبْر ٍ.. منْ رُبُوع النَّهْر أفاقُ يبيعُ الناسَ جهْرًا..والذممْ منْ جاءَ بالوجْهِ الملطَّخ بالخطايَا كىْ يؤمَّ النَّاسَ فى قلبِ الحرمْ منْ جاءَ بالقلم الأجِير لكىْ يبيعَ لنا المَوَاعظ والحكمْ لنْ يسْتوى سيْفٌ يسبِّحُ للضَلال.. وَسَيْف عَدْل ٍ..قدْ حكمْ عدمٌ..عَدَمْ ماذا جنيتُ من العَدَمْ؟ يبْكى أبُو الهَوْل المحطمُ فى ذهُول ٍ.. تعلنُ الأحْجارُ عصْيانَ الهرمْ هلْ بعْدَ هذا العُمْر.. يسْقط تاجُهُ المرْصُودُ منْ نُور ودَمْ ؟ مَا بينَ أنصَافِ الرِّجَال ِ.. وباعَةِ الأوْهَام..والغلْمَان ِ تنتحرُ الشُّعوبُ.. وينْزَوى فجْرُ الأمَمْ مَازلتُ أمْضى فى الطَّريق ِ.. وأسْألُ الزَّمنَ الجَبَانَ بأنْ يثورَ..وَيقتحِمْ فيطلُّ منْ بيْن الخرَائبِ.. ألفُ دجَّال ٍ..وألفُ مُقامر ٍ.. والكلُّ منْ جسْم الغنيمَةِ يقتسمْ منْ علَّم الوطنَ الجميلَ بأنْ يبيعَ الإبن فِى سُوق النّخَاسَةِ والعَدَمْ ؟ يَا أيُّها الوطنُ الذى أسكنتهُ عيْنى وأسْكننِى سَراديبَ النَّدمْ قمْ منْ ترابكَ أطلِق الأحْجَارَ فى وجْهِ السُّكارَى.. والمَواخير الكئيبةِ.. لا تدعْ فى أىِّ رُكن ٍ منْ روابيهَا صنمْ كلُّ الذى أبقتْ لنا الأيَّامُ فى الوَادى الجَميل دموعُ حُزن ٍ..أو ألمْ منْ كاَن يا ترَى فينَا ظُلِمْ مَنْ يَا تُرَى فينَا ظَلَمْ فَإِلَى مَتَى سَيَظَلُّ يُحَمِّلُنَا زَمَانَ القَهْرِ.. مِنْ هُمْ..لَهُمْ وَإِلَى مَتَى.. سَنظَلُّ أَقْزَامَ الزَّمَانِ الوَغْدُ فِي أَعْلَى القِمَمِ؟. وَإِلَى مَتَى سَنَظَلُّ نَجْرِي فِي القَطِيعِ،. وَخَلَفِنَا.. ذِئْبُ الغَنَمْ؟ قصيدة «وخلفنا ذئب الغنم» سنة 1993 [email protected] لمزيد من مقالات يكتبها: فاروق جويدة