المجر.. حزب أوربان يحتفظ بالصدارة ويفقد مقاعد بانتخابات البرلمان الأوروبي    استشهاد عدد من الفلسطينيين جراء قصف إسرائيلي لمنزل في غزة    ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار لقدراته العقلية والكشف عن وجود مواد مخدرة في جسمه    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    آخر تحديث.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-6-2024 في محلات الصاغة    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    بدء عمل لجنة حصر أملاك وزارة التضامن الاجتماعي في الدقهلية    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    أمر ملكى سعودي باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة    يمينية خالصة.. قراءة في استقالة "جانتس" من حكومة الحرب الإسرائيلية    شقيقة كيم تتوعد برد جديد على نشر سيول للدعاية بمكبرات الصوت    غداً.. مصر للطيران تنهي جسرها الجوي لنقل حجاج بيت الله الحرام    أحمد دياب يكشف موعد انطلاق الموسم المقبل من الدوري المصري    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    ليفربول يعلن إصابة قائده السابق ألان هانسن بمرض خطير    بالأسماء.. إصابة 14 شخصاً في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز في المنيا    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    مواعيد امتحانات الدور الثاني لطلاب المرحلة الإعدادية بالإسكندرية    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    53 محامٍ بالأقصر يتقدمون ببلاغ للنائب العام ضد عمرو دياب.. ما القصة؟| مستند    لميس الحديدي: عمرو أديب كان بيطفش العرسان مني وبيقنعني أرفضهم قبل زواجنا    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    أحمد عز يروج لدوره في فيلم ولاد رزق 3 قبل عرضه في عيد الأضحى    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    أدعية مأثورة لحجاج بيت الله من السفر إلى الوقوف بعرفة    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    الانفصاليون الفلمنكيون يتصدرون الانتخابات الوطنية في بلجيكا    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    سقوط 150 شهيدا.. برلمانيون ينددون بمجزرة النصيرات    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    "ابدأ": 70% من المشكلات التي تواجه المصنعين تدور حول التراخيص وتقنين الأوضاع    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام فى النوبة..
«الأهرام» مع حراس بوابة مصر الجنوبية

رغم أن الفترة التي قضتها «بعثة الأهرام» في محافظة أسوان وقرى النوبة لم تتعد أياما قليلة، فإننا سجلنا مشاهد كثيرة والتقينا بنخبة من الأهالي وشيوخ النوبة وشبابها وتحاورنا مع المحافظ وعدد من المسئولين حول الواقع الحالي، والمشكلات التي ظهرت مؤخرا، وحاولنا معرفة الحقيقة من الشائعة، وموقف النوبيين من دعوات البعض للانفصال والمطالبة بحقوق أهل النوبة، وعلاقة كل ذلك بالتهجير والعودة الى القرى الأصلية، وغير ذلك من أمور.
اكتشفنا قلوبا من ذهب ، ومواطنين يعشقون تراب وطنهم ، ويدركون الى أي مدى تسعى الدولة الآن، لتحسين أوضاعهم وتنمية مناطقهم في اطار عمليات التنمية الشاملة بمصر ، وقيادة سياسية تفي بوعودها لهم وتواجه تحديات كبرى للحفاظ علي الوطن ، كل ذلك سجلناه بالكلمة والصورة في السطور القادمة .
قرية دار السلام.. مجتمع السلم والتكافل الاجتماعى
الأهالى : اخترنا اسم قريتنا من «المصحف» ..
وحولنا صحراءها إلى مزارع جماعية يعم خيرها الجميع ونحصد عنها ميداليات ذهبية

علي بعد35 كيلو مترا من مدينة أسوان.. تقبع قرية دار السلام النوبية علي الطريق الرئيسي القاهرة أسوان حيث يعيش أهلها علي الصفاء وصلة الأرحام منذ وطأت اقدامهم هذه القرية بعد أن هجروا إليها بعد غرق10 قري من44 قرية نوبية.
اختارت أن تكون قرية متحابة مترابطة، تعيش كما كانوا في الجوار في قرية الديوان النوبية ، حيث غادروا الأماكن التي أغرقتها مياه النيل بعد بناء السد وبذكائهم الفطري أثروا أن يختاروا أحسن البقاع الوادعة التي تناسب صفاءهم الروحي والاجتماعي وكان الشيخ طه والشيخ عبده هما أخوان تحابا في الله وكانا الأكثر حكمة وبعد نظر فأطاعهما أبناء القرية المهاجرة ووقع اختيارهما علي هذه الأرض المتميزة علي طريق أسوان الرئيسي - قبل تغول الروتين الحكومي عليها - ولأنهما كانا بعيدين عن النظر أثرا التخطيط الحديث وكان التخطيط للقرية, فيه طابع فني فطري مستمد من تراث النوبة الجميل فاختطت شوارع واسعة ودور فيها البراح وفي المنتصف حديقة واسعة ومضيفة كبيرة لجلسات المساء ومشاكل المجتمع الجديد وعلي الطرف الآخر الجامع الكبير الذي تم بناؤه بالجهود الذاتية ومحاطة بالأشجار والزراعات الخضراء وبعد بناء القرية لم يبق سوي اختيار اسم لهذه القرية محاطة الجديدة وألتقي الجميع في المضيفة من خلال الحوار المجتمعي والديمقراطي الشوري حيث رفض الجميع اسم الديوان علي مسمي القرية الكبيرة القديمة التي غمرتها المياه وغطاها طمي النيل وهناك جماعات منها موجودة بنفس التسمية وكانت الأسماء المقترحة بعيدة عن الاجماع فقام الشيخ طه والشيخ عبده بتقديم اقتراح الاحتكام الي كتاب الله فضجت المضيفة بالتهليل والتكبير وفتح المصحف علي أي صفحة يكون فيها الاسم وبفتحه وقعت عيناهما علي آية 25 في سورة يونس لقوله تعالي «والله يدعو إلي دار السلام ويهدي من يشاء إلي صراط مستقيم». فصاح الناس نعم هي «دار السلام» فكبر الجميع وقالوا هو اختيار الله فسميت بهذا الاسم وجاءت التسمية علي رغبة الجميع.
ويسترجع المهندس محمود طه ابن الشيخ طه ذكريات الماضي والحنين للعودة إلي النوبة القديمة رغم بلوغه الستين من عمره الحكاية فيضيف نشأنا في هذه القرية وحصلت علي بكالوريوس الزراعة وأذكر كم كانت هذه الأرض صحراء جرداء وكيف تعهدناها بالزراعة والاستصلاح في شبابنا حيث اشترينا هذه الأرض من شركة وادي كوم امبو بسعر زهيد واستصلحناها بالجهود الذاتية واستقر رأي الجميع علي شراء أكثر من460 فدانا في شكل مزارع جماعية.
لا يختص أحدنا بملكية خاصة فيها حتي نزرع والأنانية من قلوبنا ونؤثر التكافل الاجتماعي فأصبح جميع سكان القرية من أهلنا يمتلك أرضا مشاعا لا يعرف حدودها لكن يصله خيرها حتي من عجز أو انشغل بالدراسة أو أرامل.. إلخ, وتخرج مصاريفها وعمالها وزكاتها ويقسم ربع الأرض علي الجميع وقسمناها إلي أسهم بحيث أن كل مايمتلك فدانا في المزرعة الجماعية يحصل علي3 قراريط منافع عامة, وبحيث يبني علي قيراطين ويترك قيراطا كمنافع عامة منها الشوارع والحدائق والمسجد والمضيفة وملاعب الأطفال واعتدل المهندس محمود طه ليسترجع ذكرياته فلاحقه محمد عبده ابن الشيخ عبده «موظف في ادارة كهرباء نصر النوبة» علي مشارف الخمسين من العمر وقال باعتزاز هذه المزارع تحت إشراف هيئة التنمية الريفية كاشراف زراعي لتقنين وضعها بالنسبة للارشاد الزراعي والكيماوي والأسمدة ومساحتها426 فدانا بالتمام والكمال علي المشاع كما قال أخي المهندس محمود طه, وتابع المزرعة حاليا تعتمد علي محصول القصب بشكل رئيسي ونمتلك أيضا 4 جرارات زراعية وسيارة نصف نقل ومزرعة طيور كبيرة وخلية نحل وأبراج حمام وتعمل علي تربية الأبقار والخراف في حظيرة كبيرة ويكشف عليهم إطباء بيطريين للعناية بها.. في نهاية العام توزع الأرباح علي المساهمين دون تفرقة..
ويقول وهو يرتشف كوبا من الشاى: قريتنا حباها الله بكثير من نعمه وزارها كبار المسئولين في الدولة لأنها من أحسن القري النموذجية بالصعيد كله ومنهم الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشئون الاجتماعية السابقة ، وحكمت أبو زيد وزيرة الشئون الاجتماعية السابقة, اضافة الي المهندس سيد مرعي وزير الزراعة الأسبق وكان ذلك عام1974, كما زارها9 وزراء بيئة أفارقة وكل محافظي أسوان السابقين وآخرهم اللواء كمال عامر .
ولا ننسي الكثير من الأفواج السياحية من روسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا والذين أبدوا اعجابا وانبهارا بنظام القرية ومبانيها المميزة معماريا وحضاريا لا يخلو من الابتكار والفن النوبي الأصيل حتي المباني الطينية القديمة منها فتجمع بين الأصالة والحضارة.
ويلتقط أطراف الحديث الحسيني داود عواض مدير التخطيط والمتابعة بادارة نصر النوبة التعليمية فيقول: القرية مازالت تجتمع علي الحب والتعاون والتكافل الاجتماعي منذ إنشاء القرية1964 مشيرا الي أنه رغم احتفال القرية في العام الماضي بمرور نحو60 عاما علي إنشائها, فإنه يذكر قصة بناء القرية التي توارثها أجيال متعاقبة وبعد ذكر الآية التي سردناها آنفا أجهش بالبكاء ودعا لكل من أسهم في بناء القرية وكان سببا في عمل أهل القرية وترتيب معايشهم بالرحمة وأمن الحاضرون جميعا.
ويستطرد سليمان حسن «ناظر المدرسة الابتدائية» بالقرية فيضيف نعيش في هذه القرية اسرة واحدة فيها التكافل الاجتماعي والترابط.. لا فرق بين غني وفقير ونجلس جميعا علي مائدة واحدة في جميع المناسبات والحفلات سواء كأفراح أم أحزان, كمثل الجسد الواحد يجمعنا المسجد والمشاركة والتصاهر أخوة في الله لا يخالف الصغير الكبير ولا يطغي الكبير برأيه منفردا بل الشوري دستورنا.. ودعا بعثة الأهرام للتجول داخل المزرعة حيث لمسنا الجهد الخلاق والزروع والحيوانات والطيور وصحبنا إليها الحاج زكريا محيي الدين عضو مجلس إدارة المزارع الجماعية بالقرية وهي بالمناسبة تبعد عن مساكن القرية كيلو مترين وتضم زراعات القصب والخضراوات وأحواش الخراف والطيور وبرج حمام وحاورنا العاملين بالمزرعة فبدأ عبدالحارث حديثه بأنه يبكر في الحضور الي المزرعة كي يحلب الأبقار وتجهيز الألبان لتوزيعها علي أهل القرية في الصباح الباكر بأسعار زهيدة جدا ويلاحقه محمد عبده «موظف بالكهرباء» أطراف الحديث ليؤكد أن كل منتجات المزرعة.
ومعظم الأراضي لدينا منتجة وتدر دخلا يصب في مجموع الدخل بعد طرح المصاريف والنفقات منه حيث توزع الأرباح في نهاية العام.
ومن شباب القرية يقول محمد حسن «حاصل علي دبلوم صنايع» هناك فرص أخري للعمل داخل القرية من خلال مشروع الصندوق الاجتماعي الذي يسهم في نظافة القرية بتمويل قدره مليون جنيه وتم شراء معدات خاصة بالنظافة, وجرار لكسح المجاري بصفة يومية لافتقار القرية رغم أنها نموذجية الي الصرف الصحي رغم وعود المسئولين بقرب تخصيص ميزانية لمشروع الصرف الصحي عندنا خلال العام المالي الحالي.
ويكمل إيهاب عبد الخالق تاج الدين ان عادات وتقاليد القرية مازالت, كما هي منذ زمن بعيد حيث يحترم الصغير الكبير ويحتضن الكبير الصغير ويقدره.
وأشار الي أن اللغة العربية هي اللغة المتعارف عليها بين أبناء النوبة والسيدات أكثر حرصا علي التحدث بها فضلا عن إلمامهم باللغة النوبية التي توارثوها من النوبة القديمة علي ضفاف البحيرة.
وبفخر ومودة قال الحسيني داود ونحن علي أحدث طرق التواصل الاجتماعي الحديثة حيث أنشأنا موقعا للفيس بوك والواتس أب كما أن القرية لها موقع الكتروني يتواصل من خلاله الشباب والكبار ونساؤنا ويتعرفون من خلاله علي الأخبار ونكلم أبناءنا في الخارج في أنحاء العالم كله صوتا وصورة.
ويقول أمين طه «موظف بالوحدة المحلية لقرية بلانة والمشرف علي صندوق تكافل القرية» أنشأنا صندوقا خيريا بين أبناء القرية يسهم فيها المقيم بمبلغ120 جنيها سنويا بواقع10 جنيهات شهرية ويسهم العامل بالخارج بألف جنيه سنويا, مشيرا الي أن هذه المبالغ توضع داخل الصندوق وتقدم لمن يحدث له ظرف طاريء تحددد له اللجنة قيمة المبلغ المستحق عليه.
ويقول محمد صابر بيرم «رئيس جمعية تنمية المجتمع بدار السلام التكافل» إحدي سمات القرية المعروفين بها بين القري الأخري منذ سنوات بعيدة لذلك حرصنا علي تشكيل لجنة لمتابعة أموال الزكاة لتصرف في أوجهها التي حددها الله سبحانه وتعالي وتسير في هدي حديث الرسول صلي الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله»
ويطالب عوض محمد «موجه بالتربية والتعليم» بنجيل صناعي وإضاءة لملعب الكرة حتي تستطيع فرق القرية للكرة الخماسية وغيرها بممارسة الأنشطة عليها.
ويضيف عثمان بسطاوي بالمعاش أن بناء المساكن في بداية التهجير كان في غاية الصعوبة حيث لا يوجد ماء في القرية وتم حفر آبار لاستخراج الماء وصب قوالب الطوب اللبني للبناء وليستغرق وقتا طويلا وبعد مرور عام بدأت الحكومة في تخطيط القرية وبناء مساكن جاهزة لنا وتم تسليمنا هذه المساكن فقط بالاضافة الي بناء مدرسة ومركز للشباب وجمعية لتنمية المجتمع وتوالت بعد ذلك الخدمات حتي أصبحت الآن قرية نموذجية ومزارا للسائحين لقربها من الطريق الرئيسي للمحافظة.
واختتم محمود عليان رئيس مركز ومدينة نصر النوبة حديثه معنا بأن دار السلام تعتبر قرية نموذجية علي مستوي النوبة من حيث التعداد السكاني فهي الأصغر مساحة والأقل عددا وتجمعهم رابطة الأسرة الواحدة, وليس بينهم أمي واحد فالجميع يدرسون في أغلب المراحل التعليمية ويحمل بعض درجات علمية الماجستير والدكتوراه, وبينهم أطباء وأدباء وكتاب وشعراء وإعلاميون.
الأهالى : نرفض ‬مهاترات ‬‬«قلة» ‬يتاجرون بنا
من ‬أجل ‬حفنة ‬دولارات ‬لتمزيق ‬أوصال ‬الوطن
الشيخ ‬محمد ‬عبد العزيز:
الحقوق ‬النوبية ‬ يحفظها ‬الدستور ‬‬ولمسنا ‬اهتمام ‬القيادة
منى كبار : مطلبان للشباب .. الأول : إيجاد فرص عمل
والثانى : تخصيص جزء لهم من أراضى أسوان
«‬اللي ‬مالوش ‬كبير ‬يشتري ‬له ‬كبير»‬.. ‬هذا ‬لسان ‬حال ‬أهل ‬النوبة ‬كما ‬لمسناه ‬من ‬كلام ‬الكبير ‬والصغير ‬في ‬كل ‬القري ‬التي ‬زرناها.‬
الاحتفال ‬الكبير ‬الذي ‬أقامه ‬أهالي ‬النوبة ‬تكريما ‬لشيخهم ‬الكريم، ‬كان ‬مثار ‬حديث ‬من ‬قابلناهم ‬من ‬أهالي ‬النوبة.‬
الكبير ‬هو ‬الشيخ ‬محمد ‬عبد العزيز، ‬وكيل ‬أول ‬وزارة ‬الأوقاف ‬السابق ‬بأسوان، ‬وأحد ‬أبرز ‬علماء ‬الأزهر ‬بجنوب مصر ، ‬وكان ‬الشيخ ‬مثار ‬إعجاب ‬الدولة ‬كلها ‬حين ‬نزع ‬فتيل ‬أزمة ‬افتعلها ‬بعض ‬المارقين ‬والجهلاء ‬في ‬الجنوب، ‬وكان ‬تكريم ‬الرئيس ‬عبد الفتاح ‬السيسي ‬له ‬في ‬احتفالات ‬الجمهورية ‬بمناسبة المولد ‬النبوي، ‬وعاصفة ‬التصفيق، ‬وأمارات ‬الحب ‬والإجلال ‬له ‬من ‬أقرانه ‬من ‬علماء ‬الدين ‬الإسلامي ، ‬بالإضافة ‬إلي ‬أنك ‬ما إن ‬تراه ‬حتي ‬تنزله ‬في ‬أعلي ‬مكانة ‬بقلبك لتواضعه ‬، والنورانيات ‬التي ‬تشع ‬من ‬وجهه ..‬‬
حكاية ‬المواطن ‬الأمريكي
هذا ‬الشيخ صاحبتنا ‬صورته ‬وحكاياته ، ‬خاصة ‬حكاية ‬المواطن ‬الأمريكي ‬الذي ‬رآه ‬في ‬المنام ‬ثلاث ‬مرات ‬دون ‬أن ‬يعرفه ، ‬وعلمه ‬الأذان ‬وأم ‬الكتاب «الفاتحة‮»‬ ‬وسورة ‬قصيرة ‬قضت ‬مضجعه، ‬وغلبت ‬على ‬تفكيره ‬فطار ‬إلي ‬أسوان ‬يسأل ‬عنه ، ‬فدلوه ‬علي ‬أحد ‬الشيوخ ‬بالاسم ‬نفسه ، ‬وعندما ‬رآه ‬لم ‬يجد ‬السمت ‬والشكل ‬اللذين ‬رآهما ‬في ‬منامه ، ‬وبالبحث ‬والتحري ‬توصل ‬إليه ، ‬ولما ‬رآه ‬صاح: ‬»هذا ‬هو.. ‬هذا ‬هو ‬من ‬رأيته ‬في ‬المنام. «‬‬
فاندهش ‬الشيخ.. ‬وقال: ‬»ماذا ‬تقصد؟ «‬فأخبره ‬أنه ‬رآه ‬ثلاث ‬مرات ‬في ‬منامه، ‬ودعاه ‬إلي ‬الإسلام، ‬وعلمه ‬الأذان ‬الإسلامي، ‬والصلاة، ‬والفاتحة، ‬وقال: ‬ها ‬أنا ‬سعيت ‬إليك ‬لأعلن ‬إسلامي ‬علي ‬يديك، ‬رغم ‬أنني ‬لم ‬ألتق ‬بك ‬من ‬قبل.‬
كانت ‬القصص ‬والحكايات ‬عن ‬الشيخ ‬كثيرة ‬ومثيرة، ‬فاقتربنا ‬لنطابق ‬الصورة ‬بالحقيقة، ‬فوجدناها ‬أروع، ‬وفي ‬ليلة ‬محمدية ‬بالجمعية ‬النوبية ‬تحلق ‬الذاكرون ‬والذاكرات ‬حول ‬شيخهم، ‬ودخلنا ‬في ‬مساء ‬ليلة ‬باردة ‬مظلمة، ‬أضاءتها ‬أنوار ‬وسرادقات ‬الاحتفال، ‬ودفء ‬اللقاء ‬مع ‬الأهالي ‬الطيبين.‬
حقوقنا في ‬الدستور
حاورنا الشيخ ‬فيما ‬قدمنا ‬لأجله، ‬وانتزعناه ‬بصعوبة ‬بالغة ‬من ‬مريديه ‬وأحبائه، ‬وبداية ‬جلس ‬يسرد ‬أسباب ‬الأزمات ‬المتولدة ‬عن ‬سوء ‬الفهم، ‬ودسائس ‬خارجية، ‬وقال: ‬نحن ‬متأكدون ‬أن ‬الحق ‬لا ‬يضيع ‬أبدا، ‬والحقوق ‬النوبية ‬موجودة ‬في ‬الدستور، ‬ومادام ‬الدستور ‬أقر ‬بذلك ‬فإن ‬حقوقنا ‬محفوظة، ‬ولمسنا ‬اهتمام ‬القيادة ‬السياسية بشكل ‬كبير ‬بحقوق ‬النوبيين، ‬وحل ‬مشكلات ‬أهل ‬النوبة، ‬لكن ‬التوقيت، ‬خاصة ‬بعد ‬الثورة، ‬لابد ‬أن ‬نتريث ‬في ‬المطالبة ‬بها ‬إلي ‬أن ‬تقف ‬الدولة ‬علي ‬أرض ‬صلبة، ‬والنوبيون ‬أول ‬من ‬يساند ‬الدولة، ‬وأرى ‬أنه ‬علي ‬النوبيين ‬أن ‬ينتظروا ‬حتي ‬تتثبت ‬أركان ‬الدولة، ‬وتصد ‬الفتن ‬التي ‬تكاثرت ‬عليها، ‬ومادامت ‬هناك ‬مقدمات ‬ونيات ‬طيبة ‬في ‬الحلول، ‬ولم يتبق الا ‬القليل ‬من ‬كثير ‬قطعناه، ‬وأنا ‬بشخصي ‬الضعيف ‬أطالب ‬القيادة ‬السياسية ‬التي ‬أثق ‬فيها، ‬بأن ‬تحل ‬المشكلة ‬تدريجيا، ‬وأناشد ‬شباب ‬النوبة ‬وصغارهم ‬الصبر ‬وحسن ‬المطالبة، ‬وهذا ‬ما ‬تربينا ‬عليه، ‬وعرفه ‬الجميع ‬عن ‬أخلاقنا ‬وعراقتنا، ‬وعلي ‬القيادة ‬السياسية ‬أن ‬تحتوي ‬حمية ‬الشباب، ‬ولابد ‬من ‬التريث ‬في ‬المطالبة ‬بالحقوق، ‬وعندما ‬التقيت ‬أهلي ‬وأبنائي ‬الشباب ‬شكرتهم ‬علي ‬المطالبة ‬بحقهم، ‬وحرصهم ‬عليه، ‬وطالبتهم ‬بالتريث، ‬وعدم ‬تعطيل ‬التنمية، ‬وإعادة ‬بناء ‬الدولة.‬
الحقوق ‬آتية
وقال : أري ‬أن الشباب ‬الآن ‬امتثلوا ‬لنصائح ‬الكبار، ‬وصوت ‬العقل ‬والضمير، ‬وطبقا ‬لديننا ‬الحنيف ‬‮«من ‬لم ‬يهتم ‬بمصالح ‬المسلمين ‬فليس ‬منهم‮»‬.. ‬وأقول ‬للشباب: ‬نحن ‬معكم ‬وبكم، ‬والحقوق ‬آتية ‬آتية، ‬إما ‬عاجلا ‬أو ‬آجلا، ‬فلا ‬تستعجلوها ‬مرة ‬واحدة، ‬وأري ‬أن ‬دولتنا ‬سوف ‬تعيد ‬النظر ‬في ‬مناطق ‬الخلاف، ‬وتقرب ‬وجهات ‬النظر.‬
وعن ‬وجهة ‬نظر ‬الدولة ‬في ‬لقاءاته ‬وكبار ‬رجال ‬النوبة ‬بالقيادات، ‬فهي ‬تتلخص ‬في ‬رغبة ‬الجهات ‬الأمنية ‬في ‬التريث ‬أولا ‬حتي ‬تستقر ‬أركان ‬الوطن، ‬وهو ‬أجل ‬ليس ‬ببعيد، ‬كما ‬نطمئن ‬أهالي ‬النوبة ‬الذين ‬لم يحصلوا ‬علي ‬تعويضات ‬حتي ‬الآن، ‬وهم ‬أعداد ‬قليلة ‬بالبدء ‬في ‬إعطائهم ‬حقوقهم.‬
في ‬غرب ‬سهيل ‬أصل ‬الحكاية
كانت ‬السيارة ‬تقطع ‬منطقة خزان ‬أسوان ‬بسرعة ‬حتي ‬نصل ‬إلي ‬غرب ‬سهيل، ‬الحلقة ‬الباقية لرحلتنا ‬في ‬بلاد ‬النوبة.‬
التقينا مع ‬علي ‬أحمد ‬عوضين، ‬مدير ‬عام ‬الخدمات ‬المالية ‬والمحاسبية ‬للمنطقة ‬الجنوبية ‬للسكة ‬الحديد ‬سابقا الذي قال : نقيم ‬في ‬غرب ‬سهيل، ‬وهي ‬إحدي ‬القري ‬النوبية ‬شمال ‬السد ‬العالي، ‬وأنا ‬مسن ‬شهدت ‬تهجير ‬أهالي ‬النوبة ‬في ‬عام 4691 ‬بعد ‬بناء ‬السد ‬العالي، ‬وكنت ‬في ‬الصف ‬الثالث ‬الإعدادي، ‬وتم ‬تهجيرنا ‬من ‬جنوب ‬السد ‬العالي ‬إلي ‬منطقة ‬كوم ‬أمبو ‬شمال ‬أسوان، ‬ثم ‬نزلنا ‬في ‬مساكن ‬أعدتها ‬الدولة ‬لنا، ‬وبعض ‬أهالينا ‬حصلوا ‬من ‬الدولة ‬علي ‬أراض ‬زراعية ‬عبارة ‬عن ‬فدانين ‬أو ‬فدان ‬من ‬أجل ‬الإعاشة، ‬وكانت ‬هذه ‬القري ‬متكاملة ‬الخدمات ‬من ‬مدارس، ‬ووحدات ‬صحية، ‬ومستشفيات، ‬ومساجد، ‬وتلك ‬القري ‬مسماة ‬بأسماء ‬بلادنا ‬القديمة، ‬مثل ‬توشكي، ‬ودهيمت، ‬ودابود، ‬وأبو ‬سمبل، ‬وكان ‬أهالي ‬النوبة ‬ينقسمون ‬إلي ‬ثلاثة ‬عناصر: ‬الكنوز.. ‬ولهم ‬لهجتهم، ‬والعرب ‬العقيلي.. ‬وهؤلاء ‬يتحدثون ‬بالعربية ‬الفصحي، ‬والفاديجا.. ‬ولهم ‬لهجتهم.‬‬
شريان ‬الحياة
وعندما ‬تم ‬تقسيم ‬النوبة ‬الجديدة، ‬وهي ‬كوم ‬أمبو، ‬ومركز ‬نصر ‬النوبة، ‬وقامت ‬الدولة ‬بتصنيف ‬هذه ‬العائلات ‬الثلاث ‬إلي ‬قري ‬تجمع ‬أهالينا ‬في ‬النوبة، ‬وهي ‬قري ‬متكاملة ‬الخدمات، ‬تعايشنا ‬فيها ‬كلنا، ‬والأجيال ‬الجديدة ‬تأقلمت ‬مع ‬الوضع ‬الجديد. ‬وكنا ‬قديما ‬في ‬النوبة ‬القديمة ‬مرتبطين ‬بمياه ‬النيل، ‬التي ‬هي ‬شريان ‬الحياة ‬لكل ‬نوبي ‬ومصري، ‬وكل ‬المنازل ‬كانت ‬تطل ‬علي ‬النيل، ‬وعاداتنا ‬وتقاليدنا ‬مرتبطة ‬به، ‬ففي ‬الأفراح ‬لابد ‬أن ‬يذهب ‬العريس ‬إلي ‬النيل، ‬وعند ‬الوفاة ‬في ‬اليوم ‬الثالث ‬يذهب ‬أهالي ‬المتوفي ‬إلي ‬النيل، ‬وفي» ‬سبوع ‬ المولود «‬تذهب ‬النساء ‬والأطفال ‬بالمولود ‬ليستحم في ‬النيل، ‬كذا ‬في ‬احتفال ‬عاشوراء ‬وكل ‬مناسباتنا، ‬لذلك ‬قدس ‬النوبيون ‬النيل، ‬حتي ‬إنه ‬مستحيل ‬أن ‬يلقي ‬نوبي ‬مخلفاته ‬أو ‬حاجته ‬بالنيل، ‬رغم ‬أنهم ‬يسكنون ‬أمامه، ‬لأنه ‬مقدس ‬لنا ‬جميعا، ‬وكنا ‬نمتلك ‬زراعات، ‬وثلاثة ‬ملايين ‬نخلة، ‬ومنها ‬أجود ‬أنواع ‬البلح ‬الإبريمي ‬والملكال.. ‬إلخ، ‬وأغلبية ‬الناس ‬كانوا ‬يعملون ‬بالزراعة ‬والصيد، ‬وقلة ‬منا ‬كانوا ‬يعملون ‬بالتجارة ‬بين ‬مصر ‬والسودان.‬
حراس ‬مصر
وأضاف‬: إننا ‬كمصريين ‬حراس ‬مصر ‬من ‬بوابتها ‬الجنوبية ‬حتي ‬الآن، ‬ثم ‬قامت ‬الدولة ‬بإنشاء ‬8 ‬قري ‬بوادي ‬كركر ‬جنوب ‬السد ‬للنوبيين ‬الذين ‬لم يتحصلوا ‬علي ‬مساكن ‬بنصر ‬النوبة.‬
ويستجمع ‬عوضين ‬أفكاره ‬ويضيف ‬باهتمام: ‬هناك ‬مهاترات ‬تتم ‬من ‬قلة ‬قليلة ‬من ‬النوبيين، ‬ونحن ‬نرفضها ‬تماما ‬لأننا ‬أصل ‬مصر، ‬والكلام ‬الذي ‬يتردد ‬في ‬الشائعات ‬بتدويل ‬القضية، ‬هم ‬ليسوا ‬منا، ‬وليسوا ‬نوبيين، ‬وهم ‬يتاجرون ‬بآلام ‬النوبيين ‬والقضية ‬النوبية ‬العادلة ‬من ‬أجل ‬حفنة ‬دولارات ‬من ‬الخارج ‬من ‬دول ‬معروفة، ‬ولها ‬مصالح ‬في ‬تمزيق ‬أوصال ‬الوطن، ‬وإثارة ‬الفتن، ‬لكن ‬النوبيين ‬الأصليين ‬الحقيقيين ‬يجرفهم ‬الحنين ‬إلي ‬الوطن ‬مصر ‬والدليل ‬علي ‬ذلك ‬أنهم لم ‬يقفوا ‬أو ‬يشاركوا ‬في ‬أي ‬مطالب ‬فئوية ، ‬أو ‬تظاهرات ، ‬لأننا ‬نعرف ‬ونقدر ‬الظروف ‬والضائقة ‬التي ‬تمر ‬بها ‬البلاد ، ‬وهي ‬ظروف ‬طاحنة ‬تستدعي ‬الالتفاف ‬حول ‬الوطن، ‬ونحن ‬نقدر ‬هذه ‬الظروف ‬تماما، ‬ولا ‬نستغل ‬الوطن ‬أبدا ‬في ‬مثل ‬هذه ‬المهاترات.‬
شائعة ‬مغرضة ‬
ويلتقط ‬أطراف ‬الحديث ‬نصر ‬الدين ‬عبد الستار ‬طه، ‬الشهير ‬بالحاج ‬ناصر، ‬موظف ‬في ‬وزارة ‬الشباب ‬والرياضة، ‬حيث ‬قال: ‬ أعمل ‬في ‬البيت ‬النوبي ‬السياحي، ‬والأحداث ‬الأخيرة ‬التي ‬أدت ‬لقطع ‬الشباب ‬الطريق ‬أصلها ‬يرجع ‬لسريان ‬شائعة ‬مغرضة ‬تناقلها ‬بعض ‬الشباب ‬بأن ‬هناك ‬بعض ‬الشركات ‬ستقوم ‬بزراعة ‬التبغ ‬في ‬النوبة، ‬بدلا ‬من ‬زراعة ‬النخيل ‬والزراعات ‬الأخري، ‬فرفض ‬الشباب ‬ذلك ‬وقالوا: ‬نحن ‬أحق ‬بزراعة ‬أرضنا، ‬وقام ‬بعض ‬الشباب ‬بنصب ‬خيامهم ‬علي ‬الأرض ‬للمكوث ‬فيها، ‬ونحن ‬ندرك ‬أن ‬قطع ‬الطريق ‬جريمة، ‬ونحن ‬النوبيين ‬جميعا ‬نعمل ‬في ‬السياحة، ‬ونعلم ‬أن ‬مثل ‬هذه ‬الشائعات ‬والتحركات ‬الرعناء ‬تقطع ‬أرزاقنا، ‬فأي ‬تأثير ‬علي ‬السياحة ‬هو ‬ضرر ‬بالغ ‬بمعايشنا، ‬ويعتبر ‬سلبا ‬من ‬رصيدنا، ‬ونطلب ‬من ‬الدولة ‬تمليكنا ‬جميع ‬منازلنا، ‬ومد ‬المرافق ‬من ‬صرف ‬صحي ‬وغيره ‬لهذه ‬القري.‬
واعتدل ‬وهو ‬يشير ‬بأصبعه ‬مؤكدا: ‬نحن ‬شركاء ‬الدولة ‬في ‬تنمية ‬هذه ‬المناطق، ‬ويقول: ‬أنا ‬أدفع 061 ‬جنيها ‬أسبوعيا ‬لكسح ‬بيارات ‬الصرف ‬الصحي ‬لمنزلي، ‬ويطالب ‬بوسائل ‬نقل ‬عامة ‬للطلاب ‬والموظفين، ‬واستكمال ‬عمليات ‬رصف ‬الطرق.‬
الهجرات ‬كانت ‬طواعية ‬
أما ‬أنور ‬جودة ‬جمعة ‬كبير ‬فنيين ‬بقطاع ‬أسوان)علي ‬المعاش( فيقول: ‬النوبيون ‬قطعة ‬من ‬نسيج ‬الشعب ‬المصري ‬العظيم ‬الموحد، ‬وقد ‬تعرضنا ‬لعدة ‬هجرات ‬في ‬سبيل ‬تنمية ‬هذا ‬الوطن، ‬حيث ‬كان ‬حظهم ‬أن ‬مشروعات ‬التنمية ‬التي ‬أقيمت ‬بأسوان ‬تسببت ‬في ‬تهجيرهم ‬من ‬مساكنهم ‬التي ‬كانوا ‬يقطنون ‬بها ‬قبل ‬بناء ‬خزان ‬أسوان ‬والسد ‬العالي، ‬والهجرات ‬التي ‬كانت ‬طواعية ‬بمحض ‬إرادتنا ‬نتيجة ‬ارتفاع ‬منسوب ‬المياه ‬في ‬أثناء ‬تعلية ‬خزان ‬أسوان، ‬أثناء ‬العهد ‬الملكي، ‬ولم ‬يكن ‬هناك ‬أي ‬تنسيق ‬أو ‬حصر ‬كامل ‬للمساكن ‬والأراضي، ‬وتم ‬تعويض ‬المتضررين ‬من ‬هذه ‬الهجرة ‬بإقامة ‬منازل ‬لهم ‬وتعويضهم ‬بالأراضي ‬بمركز ‬نصر ‬النوبة ‬وكوم ‬أمبو .
وعندما ‬فكرت ‬الدولة ‬في ‬تنمية ‬بحيرة ‬ناصر، ‬ونحن ‬النوبيين ‬أبناء ‬غير ‬سهيل ‬من ‬منكوبي ‬بناء ‬خزان ‬أسوان ‬في ‬ثلاثينيات ‬القرن ‬الماضي، ‬وهناك ‬البعض ‬يقيمون ‬في ‬أسفل ‬الجبل، ‬والخوف ‬من ‬تسرب ‬المياه ‬الجوفية ‬وغياب ‬الصرف ‬الصحي ‬في ‬تخلخل ‬تربة ‬الجبال، ‬فتسقط ‬علي ‬رءوسهم ‬الصخور ‬مثلما ‬حدث ‬في ‬الدويقة.‬
مطلبان ‬للشباب
أما ‬مني ‬كبار، ‬مديرة ‬مدرسة ‬بلانة ‬الإعدادية ‬الحديثة، ‬فقالت: ‬هناك ‬مطلبان ‬للشباب، ‬الأول : ‬إيجاد ‬فرص ‬عمل، ‬والثاني: ‬أن ‬يخصص ‬لهم ‬جزء ‬من ‬أراضي ‬أسوان، ‬خاصة ‬أنهم ‬في ‬حواراتها ‬معهم ‬يتعجبون ‬من ‬أنهم ‬مصريون ‬من ‬الأب ‬والجد، ‬ولهم ‬حقوق ‬كغيرهم ‬من ‬شباب ‬مصر، ‬ولنا ‬حق ‬الاستفادة ‬بجزء ‬من ‬أراضي ‬توشكي، ‬وأغضبت ‬الشباب ‬شائعة ‬أن ‬هذه ‬الأراضي ‬ستطرح ‬للمستثمرين ‬فقط، ‬وتلقفوا ‬الشائعات ‬وصدقوها، ‬خاصة ‬أن ‬هناك ‬شروطا ‬تعجيزية ‬لمنافسة ‬المستثمرين ‬علي ‬تملك ‬تلك ‬الأراضي، ‬وضربوا ‬أمثلة ‬بنجاح ‬مشروع ‬مماثل ‬في ‬وادي ‬النقرة ‬عندما ‬أعطوا ‬لكل ‬شاب ‬5 ‬أفدنة ‬وعشرة ‬آلاف ‬جنيه ‬ومنزل، ‬والآن ‬تتم ‬زراعتها، ‬وهو ‬مشروع ‬ناجح ‬ومنتج،فلماذا ‬لا ‬نكرر ‬مثل ‬هذا ‬المشروع ‬الناجح، ‬وبهذا ‬نشغل ‬فراغ ‬الشباب ‬وتحويله ‬من ‬البطالة ‬والفراغ ‬إلي ‬شباب ‬منتج ‬ومسئول ‬ونافع ‬للبلد،
وهناك ‬مشروعات ‬ناجحة ‬مثل «ابني ‬بيتك‮»‬ ‬وغيرها ‬التي ‬يمكن ‬تكرارها ‬عندنا ‬لامتصاص ‬الشباب ‬بدلا ‬من ‬البطالة، ‬ونعمل ‬ندوات ‬تثقيفية، ‬وتنمية ‬قدرات ‬بشرية، ‬وتعليمهم ‬حرفا ‬يدوية ‬للاستثمار ‬والتشغيل، ‬وشغل ‬أوقات ‬الفراغ، ‬ولابد ‬من ‬تقوية ‬الجمعيات ‬الأهلية ‬الموجودة ‬بقرانا، ‬والاهتمام ‬بمراكز ‬الشباب ‬وإنشاء ‬بيوت ‬ثقافية ‬في ‬كل ‬قرية ‬لتثقيف ‬وبناء ‬وعي ‬الشباب، ‬وترسيخ ‬القواعد ‬الأخلاقية ‬التي ‬درجنا ‬عليها ‬في ‬العرف ‬النوبي، ‬ومنها ‬أننا ‬نسمع ‬كلام ‬الحكماء ‬والكبار، ‬وأري ‬أن ‬كل ‬ما ‬حدث ‬هو ‬زوبعة ‬في ‬فنجان، ‬والنوبيون ‬مصريون ‬ونعتز ‬بأننا ‬مصريون، ‬ولن ‬يستطيع ‬دخيل ‬أو ‬قائد ‬أو ‬مستغل ‬اختراق ‬وحدتنا، ‬أو ‬بيع ‬مصريتنا ‬أبدا، ‬وسنظل ‬أوفياء ‬لمصرنا.‬
«هيسا».. جزيرة سياحية بلا «هيصة»
مشهد أسطورى للصخور الجرانيتية تحتضن
أعشاش وأفراخ الطيور وأمواج النيل تداعب القوارب
مع إشراقة يوم جديد لفريق عمل «الأهرام» كانت السيارة تجوب الطريق تجاه خزان أسوان مغادرة وسط أسوان وكورنيشه الذي تداعبه الشمس المشرقة والجو البديع .. ونسمات هواء البحيرة أمام سد أسوان تلمع كأنها صحاف من فضة منثورة.
المراكب غادية ورائحة والمعدية تقترب من شاطئ جزيرة .. الموقف صاعد وضيق والسيارة تصعد بتؤدة تخطف قلوبنا توقفت بعد ثنيات الطريق علي حافة هضبة وعرة المطالع الصخور والنتوء في الطريق إلي الساحل تعرقل أقدامنا علي اقتحام بكارة البحيرة.
فتح المرشد باب السيارة وأشار إلي شجرة نبق مدلية فروعها لتعانق صفحة النيل ، ونظر الى الطريق خلف الشجرة ، حيث مرساة المركب تقدمنا صفا واحدا لضيق الطريق نازلين إلي صخرة أمسك بعدها المراكبي بمقدمة المركب يضمه لنصعد إلي مركبه ليعلو صوت الموتور شاقا أديم البحيرة.. طيور البط الصغيرة المهاجرة تغوص لتلتقط الأسماك والعوالق وتطير فوق الماء وينزل غيرها .
وطيور البشروش والبجع وأبو منجل - كما عرفنا أسماءها من مرافقنا شريف النوبي - اندهشنا من تجمعها بهذه الأعداد التي تكاد تغطي أغلب سطح البحيرة ، وسبب دهشتنا أننا كنا نظن أنها منقرضة مثل أبو منجل وهو طائر فرعوني قديم ، وبعضها غير متوار بمصر كالبجع والبشروشي فهما من طيور الأجواء الباردة كما قالت د. نهلة الضمراني التي تدرس الدكتوراه في أمراض وأبحاث الطيور المهاجرة بالبحيرة ، وأخذت تعدد أسباب نقاء البحيرة ومنها منع صيد الطيور وبكارة الجزر وأكدت أن هذه الطيور خالية تماما من الأمراض المتفشية في الطيور .
ولاحت الصخور الجرانيتية تحتضن أعشاش وأفراخ الطيور وأمواج النيل تداعب جسم القارب الذي يشق المياه نحو جزيرة مختفين بين هذه الصخور المدهشة ، الجو أسطورى والهواء المبلل يملأ رئاتنا بأنظف هواء وجو وللعجب الحشائش الخضراء تنبت من الصخور والأحجار الكبيرة والأشجار خلفها مما يشي بجنات منسية في أحضان الطبيعة في خليج بلا شاطئ فوق ممر بلوكات سفينة صاعدة علي طول الطريق تلوح بين مرتفعاتها أسقف وجدران بيوت نوبية ملونة ومنقوشة في فسيفساء نوبية أحسن من أروع منتجع سياحي تفاجئك نظافة الطريق وحتي الرمال وتحت الأشجار مما ذلل علينا صعوبة الصعود والهبوط .
شرح لنا مصطفي جمعة نواري مدير عام سابق بالتربية والتعليم ، وهو رجل سبعيني ممشوق القامة نحيف لا تفارق الابتسامة شفتيه وكان كلامه يمس القلب ونحن نسير : نقيم في هذه الجزيرة هيسا منذ1878 قبل إنشاء خزان أسوان بعد غرق منازل الأجداد في القري النوبية المجاورة توماس وعافية جنينة والشباك , بريم والمروتود قبل بناء خزان أسوان1902 وهي التعلية الثالثة ثم هجرة النوبيين1964 طبيعة المكان والظروف أغلقنا علي أنفسنا وكانت عاداتنا النوبية وتربيتنا يعلوها الخجل وعدد السكان لم يتجاوز الخمسة آلاف نسمة.
وصلنا إلي ساحة تتوسط البيوت المحيطة فانضم إلينا شعبان بشير عابد يعمل بكهرباء أسوان ، وقال: متزوج ولدي ولدان, تمنيت أن تقيم المحافظة المرساة حتي تستريح علي جانبيها المراكب وتعبد الطرق وينال قريتنا الاهتمام بترقيم البيوت واستكمال الطرق بجزيرتنا واستكمال خزان مياه الشرب المقام منذ سنوات ، ولم يستكمل حتي الآن رغم أنه متوقف علي أجهزة بسيطة وغير مكلفة أما شغلنا الشاغل فهو الحصول علي التموين من منفذ يقام بقريتنا ونحن وفرنا المكان والمخزن الذي سيحتوي علي السلع التموينية تيسيرا علي نسائنا وكبارنا الذين يضطرون للنزول إلي مدينة أسوان مرارا وتكرارا للحصول علي حصصهم التموينية والتي لا نجدها في كثير من الأحيان, إضافة إلي حاجتنا إلي مخبز عيش بلدي مدعم مناسب لأعدادنا الكبيرة.
ولدينا مدرسة واحدة للتعليم الأساسي, أما الصفوف الإعدادية والثانوية فنضطر إلي إرسال أبنائنا وبناتنا إلي أسوان وهو شيء صعب خاصة علي البنات.
وفي بيت الشيخ عابد دارت أكواب الشاي ، وجاءت سهير محمد عابد التي تغلبت علي خجلها وعدم إتقانها التحدث بالعربية لدرجة أننا استعنا بزوجها وجدها لترجمة لغتها النوبية رغم أنها أربعينية ومتزوجة ولديها ابناء في المدارس, وقالت: نساؤنا يعشقن الذهب, الذي نتوارثه عن نساء العائلة والبنات فقط يرثن الذهب, وعن الصلاة وكيفية إقامتها دون إلمامها باللغة العربية أجابت بانها تحفظ آيات صغيرة تكررها في الصلوات ومثلها كثيرات, حيث إننا ليست لدينا مكاتب لتحفيظ القرآن, وأنا غادرت المدرسة من الصف الرابع الابتدائي وهجرت اللغة.
أما وهيبة محمد بحر وهي في الثامنة والعشرين منتقبة ومعها دبلوم الصنايع الفني فتهوى الرسم واشغال الابرة وتصنع الطواقي وسلاسل الخرز والمشنات الملونة المنسوجة التي يتهافت عليها السياح وتقول: الطاقية النوبية تستغرق عمل يوم بعد أعمال الطبخ والأعمال المنزلية وأبيعها للمصريين من15 إلي20 جنيها ونتوارثها عن الأجداد وكل النساء يصنعنها في منازلهن صناعة فردية يدوية.
وفي الطريق إلي المضيفة النوبية رافقنا شباب القرية الذين حاصرونا بالتساؤلات وعرفنا أن هناك قافلة طبية بيطرية تزور القرية ونحن نتجه إليها قال «محمد» أحد الشباب: هناك جزيرتان هما : هيسا عواض وقرية سنجار وقرية الشلال شيشة وطالب أهالي هيسا بقافلة طبية بيطرية لعلاج الطيور المنزلية بعد هذه القافلة التوعوية المفيدة جدا ونحن في طريقنا إلي المركب للعودة حاصرتنا تساؤلات حيوية : لماذا لا تستغل هذه الجنات في السياحة البيئية وتقام منتجعات وفنادق نوبية وسط هذا السحر الذي لا بد أن يجذب أي محب للجمال والطبيعة الخلابة؟ خاصة أنها الأنظف والأنقي جوا وماء وأطيب بشرا , لكن ينقصها فقط المرتادون وتحتاج فقط المرسي وبعض اللمسات الإنسانية.
أما عن المرسي, فقال : الاعتمادات مرصودة لهذا الجانب من سنوات مضت وتجدد الاعتمادات والعقبة هي ولاية32 جهة حكومية ورقابية لا بد من الحصول علي موافقتها لأي أعمال علي ضفاف النيل لأنها من اختصاصات وزارة الري والري توزعها علي الجهات المختصة , لكن المحافظ النشيط والعملي يضغط بكل ثقله من أجل إنجاز المرسي وعلاج أوجاع النوبيين خاصة أهالي هيسا .
أما مشكلة مكتب التموين , فقد تم حلها , حيث تمت الموافقة علي انشاء المكتب وكذلك المخبز ، وأمرنا باستكمال الطرق , أما الخزان فسوف يستكمل تجهيزه في الساعات القليلة المقبلة , وهذه المشاكل تخضع لعناية المحافظ نفسه والقيادة السياسية التي أمرت بإزالة أوجاع النوبة ، كما تجري دراسة استغلال المكان الساحر سياحيا بعد إنشاء المرسي وتعبيد الطرق.
واستكمالا لتجهيز هيسا ثقافيا وتربويا, خاطبت «بعثة الأهرام» محمد إدريس وكيل وزارة الثقافة ومدير ثقافة أسوان لتجهيز بيت ثقافة بهيسا وارسال قافلة ثقافية شبه مقيمة وعمل برامج للتدريب التحويلي والتنمية البشرية لايجاد مصادر دخل عن طريق التدريب علي النسيج والحياكة وتسويق منتجات أهالي هيسا.
نصر النوبة تتحدث عن نفسها
كانت رحلتنا الى نصر النوبة بمثابة رحلة عبر الزمن ، لذا نرويها فى مشاهد نصطحبكم فيها لتعيشوا معنا فى مشهد حياتى بكل مفرداته يضم الحجر والبشر والأرض والماء بأنواعها..
المنظر الأول: المكان: أرض بكر تعانقت على أديمها الدور العتيقة التى أرهقتها السنون الثمانون منذ انتقل إليها ساكنوها هربا من فيضان النيل وأذرعته العفية، الذى قوض بيوتهم على ضفافه فاستجابوا لنداء الدولة بالانتقال من أماكنهم التى قوضها مد النهر، لينتقلوا على عجل بأطفالهم ونسائهم وأمتعتهم إلى هذه الأرض الرحبة، ليعمروها، فبدأ البناء والتشجير على قلته، ولأن النوبيين يعشقون النظافة، وتزيين الجدران والدور بنقوش ومفردات التراث النوبى القديم الذى تعانق مع الشوارع الواسعة، وأعمدة الإنارة المزروعة فى جنبات الوادى الفسيح، وبدأ الجيل الجديد يجتر ذكريات النوبة القديمة من حكايات الآباء والأجداد، لكن التغيير سار بطيئا متثاقلا، واكتفوا بالتعليم الأولى والإعدادي، خاصة الصناعي، وتفضيلهم العمل بالسياحة، والصناعات الحرفية اليدوية من طواقي، وأسبتة، وأقفاص، وحلي، معتمدين على مواهبهم الفطرية من الفنون التشكيلية التراثية النوبية، وأعمال النساء بالمنازل التى استحيت أن تنفتح على التعليم العالي، أو الصناعات المتطورة، فانغلق رغما عنهم على نفس العادات والصناعات والفنون الشعبية دون تطوير أو تعظيم موارد.
المشهد الثاني : صوت الجرارات والغبار المتصاعد من عجلات تثبيت الطرق ودقها وتوسيعها، والتمهيد لرسم قرية حديثة تقوم على أنقاض البيوت المهدمة القديمة على أحدث طراز مناسب للبنية النوبية من الخامات نفسها الموجودة فى البيئة، مع استخدام أحدث كيماويات البناء، وعلاج هشاشة التربة النفشية التى كانت سببا فى تداعى المنازل عليها، لترتفع من بعيد شوارع تطل منها البيوت الجديدة تزدهى بألوانها وحداثتها وتجهيزها الجديد والعصري، باشتراك جمعيات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، إلى جانب أجهزة الدولة وقيادات الحكم المحلي.
المشهد الثالث : : فى مندرة الشيخ محمد صديق رضوان عبدالغفور، الذى تعدى الستين بثلاث سنوات، وأحد المسئولين من الجمعيات الأهلية للإشراف ومراقبة كفاءة البناء والرصف والإنارة وعلاج الجدران المشروخة فى البيوت، حتى يأتى دورها فى الإحلال والتجديد حتى لا تقع على رءوس ساكنيها.
المشهد الرابع نهار داخلي: فريق العمل يتجول بداخل المنازل ويلمس جودة البناء والفرش والأدوات المنزلية وأدوات الإعاشة: غسالة ثلاجة مطبخ بوتاجاز آنية ومطبخ لحفظ الأطعمة،وأسرة وكنب وأنتريه وغرف نوم متكاملة بأثاثها، وفرش وبطاطين فخمة.. الأسقف من الأخشاب المعالجة والمدهونة، والطلاء والشبابيك الملونة تبعث الانشراح . المصاطب موجودة فى فناء البيت الخارجي، تستقبل الضيوف، وجلسات المساء والسمر والأفنية بين المنازل والشوارع لا تقل عن عشرة أمتار مفروشة بالرمال المثبتة بالماء، ومقدمات الرصف والجرارات تنتهى من تجهيزها للرصف، والأطفال يبعثون فى جنباتها نشاطا وصياحا يبعث الحياة فى القرى الجديدة.
المشهد الخامس: مهندس محمود عليان رئيس مركز ومدينة نصر النوبة، يدخل علينا بعد اطمئنانه على سير العمل، وعلى دوران عجلة البناء والتعمير، وهو أربعيني، غاية فى النشاط والتواضع باندماجه وسط أهل القرية يجلس بينهم، يناولنا كوبين من الشاى الذى حمله إلينا شباب المنطقة النوبية بجلاليبهم الواسعة، والابتسامة التى تضعك فى صدارة المجتمعين، وكأنك أحدهم، بل كبيرهم، تواضعا وترحابا، واكتشفنا أن هذا الرجل البسيط هو رئيس مركز ومدينة نصر النوبة، وهو المحرك لكل خلايا العمل التى تسارع الخطى لإزالة معاناة الأسر، ومباشرة انتقالهم إلى مساكنهم الجديدة.
المشهد السادس : أمام مسجد القرية والأذان يعلو من ميكروفونه مناديا على المصلين.. تفحصنا البيوت القديمة، ومهندس محمود عليان يشرح تاريخ المنطقة:
منطقة توشكى تنقسم إلى شرق وغرب، وهما بعيد لقرى أبو سنيل تهجير النوبة، وهى إحدى قرى الوحدة المحلية لمركز ومدينة نصر النوبة وأن جميع المنازل التى تم تطويرها هى 52 منزلا لمواطنى قرية توشكى شرق وغرب، معظم هذه المبانى كانت مبنية بالدبش ومونة الأسمنت والطين اللبن، والمبادرة التى أقامتها هى جهود ذاتية وحكومية قامت المبادرة بمعاينة جميع منازل القريتين، وتحديد المنازل المتداعية التى تحتاج إلى تطوير وإعمار وتصميم حديث متجانس، قياسا على معاينات خبراء الجهات المعنية، وخلال مراعاة البعد الاقتصادى والاجتماعى والثقافى للسكان، وكانت المنازل مسقوفة بالجريد، وفلق النخيل، إلى جانب عدم استكمال أعمال الكهرباء، ثم بدأت رياح التطوير تغير شكل الحياة، وتجاوب معها السكان بكل أفرادهم ذكورا وإناثا، وكانت المعايشة مع المواطنين عن قرب.
المشهد السابع: أمام المنزل رقم 25.. باب أخضر، وحوائط ملونة ممتدة لفناء يأخذك إلى ساحة واسعة يظهر فيها النشع من المياه الجوفية مرطبا الأرض، وأسفل الجدران، والأسقف من الجريد المرصوص.. البيت فقير لكنه نظيف جدا مرتب، وبه ثلاث غرف للنوم تحتوى على أربعة أسرة ودولاب، والحوائط بها شقوق معالجة فى بعضها، وتدخل منها أشعة الشمس على استحياء من الشقوق الصغيرة، وطبلية مركونة على الجدار.
المشهد الثامن : نهار خارجي: أمام البيوت تجمع نسائى حول المشايخ ورئيس المدينة محمود عليان، الذى استكمل قصة النساء فقال: سعر متر الأرض التى أقيمت عليها هذه المنازل كان 50قرشا زمان، .
مصريون من أخمص القدمين إلى منبت الشعر
يضحك الشيخ صديق رضوان، الذى استرجع حكاياته مع حركة التعمير وقال: كانت البيوت واسعة، ونحن مجتمع بلا أمية، فكلنا والحمد لله مصريون من منبت الشعر إلى اخمص القدم، وتعايشنا مع الأزمات المتلاحقة، ونقبل على تعلم القراءة والكتابة حتى إن والدى الذى بلغ من العمر 80 عاما مازال حتى الآن يقرأ ويكتب، وخطه أحسن من خطي، رغم أنه ترك التعليم من الصف الثالث الابتدائي، ويقول بفخر: لدينا مكاتب وكتاتيب لتحفيظ القرآن يشرف عليها الأزهر فى توشكى شرق وغرب، منها دار الأرقم لتحفيظ السيدات القرآن، وجمعية رحاب، ومعهد أزهري.
المشهد التاسع: انطلقت بعثة «الأهرام» تتفقد جنبات القرية.. فاستوقفنا 3 تلاميذ يحملون حقائبهم المدرسية، حجم أجسامهم ينبئ عن أنهم فى الصفوف الإعدادية، والذكاء يشع من عيونهم السوداء الواسعة والابتسامة تنساب من ثغورهم.
محمود ومحمد وهادي، بمدرسة توشكى شرق الإعدادية، قال الأول: نفسى أطلع طبيب، أما الثانى فأمنيته الهندسة، والثالث قال: نفسى أطلع ضابط بالجيش .
أما باتعة محمود (45 سنة) فطالبت بعرض ابنتها على طبيب متخصص حيث تعانى الحساسية، فقال لها رئيس المدينة إن قافلة طبية من جامعة أسوان ستزورهم بعد يومين، تضم أساتذة أكفاء فى مختلف التخصصات، وأجهزة وأدوية، ومن يحتاج إلى جراحات سيتم تحويله إلى أعلى مستوي.
وطالبت الحاجة عزيزة مصطفي، التى تعيش فى جوار منزل أخيها المتوفى وبناته اليتيمات فى بيت مقسوم إلى نصفين، بباب جديد لأن نصف المبنى كان بباب واحد،وسارع عليان بتنفيذ رغبتها فورا.
المشهد العاشر : نهار خارجي: الميكروباص يشق الطريق يحمل فريق العمل، بالإضافة إلى الحاج صديق، ويسبقنا على الطريق مهندس محمود عليان رئيس مركز ومدينة نصر النوبة لنقف أمام مدرسة توشكى الابتدائية المشتركة، موعد خروج التلاميذ، الذين انطلقوا إلى منازلهم، وجلس بعض التلاميذ والتلميذات على جدار مبنى أسمنتى تحت الإنشاء يصوره المصور أمير ليسجل تلك المشاهد، كانت أطماعنا فى اقتحام المجهول، ومصاحبة رئيس المدينة، دافعا لنا لاستكمال مشاهد الصورة لنقف على أسوار المستشفى المركزي، فطلبنا زيارته رغم أنه دون موعد، والزيارة أصلا مفاجئة للجميع دون ترتيب.
المشهد الحادى عشر: داخل استقبال المستشفى بدعوى أننا مصابون بالسكر والضغط، سارع الطبيب النوبتجى والممرضة بالاستقبال باقتيادنا إلى غرفة الطوارئ، وأخضعونا لجهاز مونيتوروأجهزة إلكترونية، سألنا عنها فأخبرونا أنها مونيتور وأحدث أجهزة لقياس الضغط، بعد أن ظننا أنها أجهزة قلب بالمجهود، أو أشعة، لأننا لم نشاهدها فى أى مستشفى حكومي آخر، لكن المفاجأة أن الطبيب قال: نمتلك 4 أجهزة هى الأحدث لقياس الضغط والسكر، والإسعافات السريعة، وتوجد جميع الأمصال والأدوية، مما دعانا إلى التعجب.
وبتجوالنا أسرع إلينا د. شريف عبدالرحمن الذى عرفنا أنه مدير المستشفي، وللعجب هو طبيب من الشباب فى الأربعين من عمره، من المنصورة، وبتواضع شديد ونشاط لم نعهده فى أقرانه من الأطباء، والروتين الحكومى المعروف، وأصر على أن نتجول فى أقسام المستشفى لنتلمس الواقع وقال: العدد الفعلى للحالات المرضية شهريا من 7 إلى 8 آلاف مريض، بخلاف من يترددون على العيادات الخارجية وعددهم من 6 إلى 7 آلاف مريض شهريا.
فى الدور الثانى وقفنا أمام غرفة الغسيل الكلوي، واستكمل د. شريف: يتردد علينا 52 مريضا للغسيل الكلوى شهريا، ودلفنا إلى غرفة العناية المركزة، بها أربعة أسرة مجهزة بأحدث الأجهزة.
وتابع د. شريف: يتردد على العناية من 11 إلى 12 مريضا شهريا، أما بالنسبة للحضانات، وكان بها طفل مبتسر بجانبه الممرضة تعتنى به، فبالقسم 4 حضانات تعالج من 15 إلي20 طفلا شهريا، وهى تكفى بالنسبة للمترددين والسكان.
وتابع: كل الأدوية والأمصال متوافرة، ومجانا، ولا نكلف المريض أى أموال، حتى فى الصيف أمصال لدغات الثعابين وعقر الكلاب الضالة، ولا توجد لدى أى أزمات في الأدوية، وللعجب وجدنا الجبس متوافرا مجانا، وحتى مذيبات الجلطات.
ويضم المستشفى غرفتين للحريم والرجال، وغرفة للجبس والجراحة، وغرفة أيضا للاستراحة.
وبسؤاله عن نقص أطقم الأطباء يقول: للأمانة ليس هناك أى نقص إلا فى تخصص التخدير، فهناك عجز فيه، لكننا نقوم بالعمليات الصغرى والمتوسطة بالمستشفي، وتوجد أطقم من الأطباء على أعلى مستوي، كشف وجراحة، أقر بذلك المرضى الذين شاهدناهم فى أثناء الجولة.
وأكمل: لدى جهاز سونار، لكن ينقصنى جهاز ملحق به صغير وهو جهاز «الايكو» فقط، وعن عدد الأسرة بالمستشفى قال د. شريف: هى 100 سرير.
ونحن فى السيارة لاحقتنا إحدى الموظفات وقالت: نعمل بالأجر على العقد الشامل.. وشيرين موظفة بعثة على العقد الشامل بند 2 على 3 بنصر النوبة، لكنها تحصل على 700جنيه فقط، والمطلوب مساواة العاملين بالمستشفى بأقرانهم فى المستشفيات الأخرى الذين رفعوا أجورهم إلى 1070 جنيها (ألف وسبعين جنيها). تعجبنا من وجود صرح طبى بهذا الجمال، وإدارة شابة فى منتهى النشاط، بشهادة المترددين والمرافقين لنا من المجلس المحلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.