يلتقطك هذا العرض مع بدايته بشحنة صادقة تمس نتوءات جدلك الإنسانى القابع؛ ذلك الهم الوجودى بأخاديد حيرته العميقة كزهرة تختنق فى قلب الجحيم، يقول سارتر"أنا الكائن الذى يضع كيانه موضع التساؤل". وهذا السؤال عن الذات والوجود محور أزمة عرض “الصحف” لنادى مسرح الطارف بالأقصر إخراج وسينوغرافيا جاسر المصرى الذى نال فى المهرجان الختامى لنوادى المسرح جائزتين عن الألحان لعماد عبد الكريم وعن التأليف المسرحى والأشعار لمحمد العارف الشاب الذى لفت الانتباه بموهبة أصيلة مدهشة فى أولى كتاباته المسرحية. حالة طقسية لرحلة البحث الوجودى شملت حتى اسمه “الصحف”؛ كمسرح طقسى دون حبكة وعقد تقليدية وزمان ومكان لكن لا ينقصه الصراع المجرد؛ كمسرح يراه أرسطو أصل التراجيديا شعرا وعاد له آرتو فى مسرح القسوة مستغنيا بالجسد وآلام اللاوعى عن الكلام، هنا مزج للإثنين؛ فالجسد محمل بأنين لاوعيه مع لغةعميقة تميل للتجريد وأشعار بنفس نسيجها وعمقها عذبة مضيفة دون إثقال،ينطلق العرض من فكرة المعرفة كعناء ينتهك سِلم البراءة ولا يكفى للحقيقة فهناك باحث يتمرد منهكا على مكتبته التى تتوسط المسرح ولا تملك إجابات لأسرار وجوده لتنقسم المكتبة لجزءين كل منهما فى جانب مبقيان ممرا بينهما لعالم أعمق فى لاوعى الباحث لتسود إضاءة الألترا المناسبة للعمق النفسى والماورائى مع خلفية سينوغرافية موفقة لوجهين جانبيين متخاصمين كل ينظر لاتجاه كانقسام نفسى تتوسطهما دائرة مظلمة بينما تتدلى شرائط بيضاء محاصِرة، لتظهر شخصية “المسلوب” المعادلة للباحث تحيلنا لمقولة سارتر”الوجود يعرف من خلال فكرتى السلب والحرية”ليدور الصراع بين الفكرتين فى رحلة يمر فيها المسلوب بشخصيات تعبيرية مجردة تمثل المسوخ الآسرين للإنسانية العذراء والعبيد الخانعين ورحلة الإنسان لتخليص نفسه والعذراء وفهم وجوده فى مراحل يخوضها منهكا متأرجحا مترنحا كحركة نفسجسدية بين أسرار الأبولونية السامية المثالية كالحب والمقدسات والديونوسية ومسكراتها المادية من جسد وشهوة وخمر لكن وصوله لا يراه إلا بارتقاء أخير ولف مشنقة الخلاص كفعل تطهيرى قربانى بإضاءة ألترا ليولد طفلا جديدا مستردا براءته وحريته مكتمل الوجود بالغا نيرفانا الحقيقة فى صوفية تحرك وتضيء الدائرة الكونية بين الوجهين لتنكشف الصحف.