وزارة الصحة في غزة: 36654 شهيدا و83309 مصابا بالقصف الإسرائيلي منذ أكتوبر    المصري يؤدي تدريباته الجماعية استعدادا لمواجهة الزمالك بالدوري    عاجل.. تشكيل منتخب السعودية الرسمي أمام باكستان في تصفيات كأس العالم    فتاوى بشأن صيام العشر من ذي الحجة 2024    وزير الخارجية يؤكد على مواصلة مصر تكثيف جهودها لوقف الحرب الإسرائيلية ضد غزة    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب تروسيكل على طريق المحيط بالمنيا    ضبط 37 طن لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقاهرة    هند صبري: غيرنا بعض التفاصيل في مفترق طرق ليتماشى مع المجتمع الشرقي المحافظ    قرار المركزي الأوروبي بخفض الفائدة يحرك الأسواق العالمية، وصعود تاريخي لأسهم منطقة اليورو    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة شاملة لقرية شابور بالبحيرة    رابط التقديم وشروط الحصول على زمالة فولبرايت في عدة مجالات أبرزها الصحافة    البدري يكشف.. سبب رفضه تدريب الزمالك.. علاقته بالخطيب.. وكواليس رحيله عن بيراميدز    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    حركة تغييرات محدودة لرؤساء المدن بالقليوبية    رئيس جامعة المنوفية يتفقد سير الإمتحانات بكلية التمريض    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 الجزائر وفقا للحسابات الفلكية؟    الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة يلتقي منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجلس الأمن القومي الأمريكي    جميلة عوض تودع السنجلة بصحبة صديقاتها.. صور    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    نقابة المهن التمثيلية تنفي علاقتها بالورش.. وتؤكد: لا نعترف بها    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    جيش الاحتلال ينفي إعلان الحوثيين شن هجوم على ميناء حيفا الإسرائيلي    «الإفتاء» توضح أفضل أعمال يوم النحر لغير الحاج (فيديو)    هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟.. الإفتاء تجيب    حج 2024| 33 معلومة مهمة من الإفتاء لزوار بيت الله    وزير العمل يلتقى نظيره التركي لبحث أوجه التعاون في الملفات المشتركة    هيئة الدواء تستقبل رئيس هيئة تنظيم المستحضرات الدوائية بالكونغو الديموقراطية    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    التحالف الوطنى للعمل الأهلى ينظم احتفالية لتكريم ذوى الهمم بالأقصر    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    البنك المركزى: 113.6 تريليون جنيه قيمة التسويات اللحظية بالبنوك خلال 5 أشهر    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    والدة الأبنودي مؤلفتها.. دينا الوديدي تستعد لطرح أغنية "عرق البلح"    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    انخفاض 10 درجات مئوية.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    قبل عيد الأضحى.. ضبط أطنان من الدواجن واللحوم والأسماك مجهولة المصدر بالقاهرة    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    رئيس شؤون التعليم يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية بالأقصر    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روح مغرمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 01 - 2017

فى عز حلقة الذِكر لمحنى بطرف عينه , يطوِِّح رأسه يمينا وشمالا , يرطِّب قلبه : «حى .. حى .. صلِّى على النبى» تذكرنى .. انفلت من الحلقة , ركبتاى ترتعشان , لم أكن جربت برد ليل القرية فى الشتاء , كان فستانى خفيفا فظلت أعطافى ترتعش , تقدم منى وألقى على ّ بردته , أحكمها من حولى امتننت , وشعرت بالدفء
نظرت إليه وقد اختلجت شفتى بكلمة شكر , ربما لم يسمعها فقد عاد فى لمح البصر إلى حلقة الذِكر .
« حى .. حى .. صلِّى على النبى « .
احتضنت بردته , صوفها السميك بلون أسود غامق كليل بلا قمر.
يتسلل الدفء مثل أرانب ناعمة الفرو , غنية بروح المحبة , آذانها الطويلة تصغى إلىّ , وعلى أنفها مثلثات صغيرة وشوارب رفيعة مشوكِّة , أعينها تختلج وتدور فى محاجرها بلطف , مكحولة أعينها بدمع يطل أحيانا فى حذر , وأحيانا فى ذعر .
مم تخاف ؟ , مم ترتعش ؟
أدفأتها معى ببردته , أحكمها حولها فيبتسم من بعيد , يطِّوح رأسه كأنه لايريدها , يتركها على سجيتها لتذهب مع كل ريح , على وقع دقات الطبول التى يمسحونها بأيديهم , يشدون طاراتها بطريقة خاصة ثم يدقون عليها بكفوف مشوقة , وجهه يتوهج , يلهث يدخل فى زمرتهم بكامل طاقته , ينفعل بموسيقاهم من كل قلبه , يغلق هدبيه ويفتحهما لأجدنى بين هدبيه , يتقطر عرقه فلا يجففه بمنديله , أكاد أقوم لأدخل حومة الرجال لأجفف عرقه لكننى أدرك أنه لاينبغى أن أغادر موضعى حتى يعود لى .
بعد عدة أدوار من الرقص المدوِّخ ارتمى بعضهم على الأرض , ونشط أكثرهم أما هو فقد شمّر عن ساعديه , واقترب من صحن كبير مغطى بشاش أبيض لايشى بما تحته , كانت أرغفة الخبز الأسمر محشوة بقطع من اللحم المسلوق , وأخرى كانت محشوة بالفول النابت , أخذ واحدا من هذا , وآخر من ذاك ووضعهما بين يدىّ وهو يبتسم .
رمقنى أحدهم فقال : جمال ربانى
انحنت امرأة عجوز على يدى فقبَّلتها مأخوذة بما تزينت به من عقود مضفرة من الخرز الأزرق والتركواز , أخفيت دهشتى وهى ترفع كفيها إلى السماء وتقول :
حورية ياناس .. حورية ياهوه .. مدد ! .
ثم التفتت إلىّ بغتة وضمتنى بقوة وهى تهمس : تعالى يا برهان العسل ! .
خلصنى منها الرجل الذى وصفنى بالجمال الربانى , أبعدها عنى , وصاح بها : امشى!.
انصاعت له ومضت .
اقتربت أخرى وقد التمعت عيناها بشرر خاطف : مين دى ؟ ! .
لم يجبها أحد , وعندما اقتربت منى , ترك صاحب البردة كل مافى يده , جاء مسرعا ودفعها بعيدا بكلتا يديه فنحاها جانبا .
يتنهد الصديرى فوق ضلوعه بقليل من القطن وكثير من العرق , يتضرج وجهه بالحمرة , أتأمل ساعديه القويتين وقد شمَّر كميه فأوقن أنه قد منحنى بردته الصوفية للأبد
بمجمرة أمسكت جيدا برقاب سلاسلها اقتربت , وهى تضع شيئا على سطح المجمرة تنثره بيدين واثقتين , كان خليطا من الشبّة والبخور .
حوَّمت حولى بمجمرتها وهى تلقى بدفقة جديدة منهما فتزداد اشتعالا اقترب منها وهو يضع يده فى جيبه , وأخرج حفنة من العيون الملونة أصغر من حبات الحمص يلقيها فى المجمرة وهو يهمس :
خذِى عينِ العفريت وامشى .
مضت , وأنهضنى , أمسك بيدى بقوة , أحاط ظهرى بذراعه القوية , استسلمت لحنان بردته كطفلة تتعرف على وجه أبيها للمرة الأولى , سار بى إلى خيمة أخرى
وهو يقول : ليلة مباركة
سألته : حلقة ذِكر جديدة ؟
شد على ذراعى ..
لازم تاخدى البركة
ممن ؟
ابتسم , وأنا أسير كالمسحورة , عيناه الواثقتان , صوته الحميم , وجهه المضىء , كل التفاصيل تدفع بى إلى عالم جديد يتفتح لى , وطاقات نور وحنان تتدفق فى قلبى . إرادتى تعزز رغبتى فى التعرف على دنيا المولد خيمة خيمة , وقد أبعد عنى ذيول الخيبات , و ذكريات الفقد , و أحزانى التى تكثفها الوحدة كبخار على سماء حياتى .
تقدمت معه إلى الخباء الجديد الذى كان مميزا , كان قماشه من اللون الأحمر وكانت معظم الخيمات لونها أخضر , وبعضها فقط كان ناصع البياض .
على جدران الخباء الأحمر وجدت أبيات شعر مكتوبة بخيوط السيرمة الذهبية , وأخرى مشغولة بخيوط الصوف على مساحات واسعة من قطع الخيامية التى تشبه ماينصب فى الأفراح .. وردات كبيرة ضخمة زرقاء وصفراء وأخرى بلون غزل البنات فى تشكيلات بديعة , مكتوب على جوانب الخباء :
« واللى صدق فى الحب قليل .. قليل
وان دام يدوم يوم ولا يومين « .
أما على الواجهة فقد كان هناك نقش بالقلم بخط جميل :
« ده السعد وعد ياعين
والإسم نظرة عين
وأنا وانت روح مغرمة
كان حظها م السما
واتجمعوا القلبين « .
وثم قلب مرسوم وفيه اسم جميل مكتوب بحرير أخضر « نور الدين « , وثم قلب آخر خال منسوج بحرير فستقى .
خرج إلينا فى بردة مزدانة , كانت فيها كل ألوان التنورة البديعة , كان يدور بها فأخالها بيضاء ناصعة كقمر كبير عملاق لم تره عين , ثم يدور بها ثانية فأجدها بألوان الطيف كفرحة قوس قزح بعد نوبة مطر غزيرة , اقترب منا فانحنى صاحبى مقبِِِِِّلا يده , بينما اقترب هو منى وقبّل يدى , ثم اقترب من القلب الخالى المنسوج بخيط فستقى , وأخرج من جيبه قلبا أحمر
سألنى برقة وعلى وجهه ابتسامة آسرة عذبة
اسم الكريمة ؟
فقلت اسمى
همس به فتأودت على شفتيه حروفه وهى ترقص
نقش اسمى فى مربع القلب الخالى الفستقى وكأنه نقشه على كيان الوجود , ثم دخلنا جميعا إلى الخباء الأحمر , جلس صاحبى بعيدا وهو يعد لنا شرابا من توت ثم سألنى :
كم قطعة سكر ؟
فيهمس ذو التنورة
أنت لاتحتاجين إلى سكر
وأشار للآخر :
هات كأسى وكأسها
فأتى بهما , وأمرنى أن أضع إصبعى السبابة فى الكأس تلو الآخر.
تحسى كأسه ببطء حسوة .. حسوة
وهو يهمس لى :
يكفى هذا شهدا وعسلا
فاجأنى وأخذ بيدى , قبض عليها بقوة فارتعشت مثل فرخ يمام زغيب .
قال صاحبى من مجلسه :
خذِى البيعة ... خذِى العهد
مد ذو التنورة يده الممتلئة الضخمة , وكان فص خاتمه فى اليد اليمنى كبيرا بلون أزرق , وفص خاتمه فى اليد اليسرى متخما بفص قرمزى , وكانت ثمة خواتم صغيرة من فضة فى كل إصبع من أصابعه , وقد زين كل خاتم بفيروزة صافية .
انسل صاحبى من باب صغير جانبى , كان متواريا فى جدار الخباء , وتركنى معه .
اقترب منى
بردانة ؟
نسى معى بردته , الجو بارد خارج الخيمة
لاتقلقى .. خليها عنك وأنا سأعطيها له
أشار إلى وسائد وتكايا بعيدة فى آخر الخيمة لأجلس .
سأقرأ عليك كل مافى العهد , ستجدينه واضحا , نور قلبك سيضىء لك كل شىء , صدقينى , سنصل إلى تفاهم .
صوته الآسر , نوعية التفاهم الذى سنصل إليه يتوقاننى , يشوقاننى .
دار دورتين كاملتين أمامى ببردته , تعاقبت الألوان الأبيض الناصع كقمر عملاق لم تره عين , وألوان الطيف فرحة قوس قزح بعد نوبة مطر غزيرة , ألقى بولاعته فى حجرى لأشعل سيجارته قال :
ستجدينها عندك فى علبة مذهبة
ابتسمت وتابعت رقصته بانبهار , وصار قلبى يدق كمعزوفة رق , شخاليل , وطبل , وصهللة
تقدم منى وطلب منى أن أشاركه الرقصة فاقتربت مشوقة إلى القمر العملاق الأبيض الناصع الذى يشرق من تنورته , بينما كان هو مولعا بألون الطيف , أمسك بيدى ودار بى , اقتربت من قماش التنورة , وجدت أسماء منقوشة بقلمه الأحمر , بخطه الجميل الذى أعرفه , وعلى جنبات التنورة أسماء نساء منقوشة بلون دم الغزال , وأخرى مموهة بلون الكوبيا , قبل أن أقرأ تفاصيل النقوش وطلاسم الأسماء , دار دورة أخيرة حول نفسه وهو يشهق بصوت عال , ويقذف بيديه دفقات من عين العفريت فى كل اتجاه .
كان رقصه مدوِّخا , ارتفعت التنورة إلى الأعالى , تخلت عن جذعه فأبصرت ثعبانا ضخما يمتد من فرعه إلى جذوع الأشجار المجاورة , قبل أن يستدير ناحيتى أدركت الباب المخيط المتوارى الذى انسل منه صاحب البردة السوداء التى خليتها فى آخر الخيمة .
كانت فرصتى الوحيدة والأخيرة فاندفعت أجرى بثوبى الخفيف بعيدا عن الدغل الكثيف , عن الأشجار التى صارت تزحف بأوراقها المتشابكة لتلتف على ساقى , نسيت خفىَّ لكنى انطلقت تحت نوبة غزيرة من المطر , تطلعت إلى السماء فلم أجد قوس قزح ولافرحة بألوان الطيف لكن القمر العملاق كان قد بدا لعينى ناصعا وأبيض ويرقص لى وحدى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.