اختتمت يوم الجمعة الماضى فعاليات أسبوع أفلام العنف ضد المرأة الإفريقية والذى أقامه مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية بالتعاون مع الجمعية الإفريقية ونادى السينما الإفريقية برئاسة د. آمنة فزاع ، وعرض الأسبوع ستة أفلام إفريقية من دول ( الكونغو الديمقراطية ورواندا و الكاميرون وأوغندا وليسوتو والسنغال )، وتناولت الأفلام العنف ضد المرأة الإفريقية وأعقب كل فيلم ندوة أدارها النقاد فاروق عبد الخالق وشريف عوض . ......................................................... هو مطرب البسطاء والمثقفين- على السواء - مطرب القرية والمدينة فى آن واحد ، مطرب العشاق والمتصوفين على ذات درب الهوي، فقد غنى وأجاد فى كل الألوان الموسيقية، ومثل هذه القدرة لا تتوافر عادة إلا لعدد قليل جدا من المطربين العرب، لكن المطرب العراقى الكبير «سعدون جابر» ورغم التعتيم الإعلامى الذى صاحب مشواره الفنى استطاع أن يكون جمهوره كل العالم العربي. فى طريقى إليه لإجراء هذا الحوار انتابنى شعور خفي، هذا الشعور هو أن سعدون جابر لم يظهر فى حياتنا الفنية بالصدق وحده، ولا بالموهبة وحدها، لكنه يحمل بداخله الشيء الذى يصقل الموهبة ويعطيها بريقا وجاذبية، كنت أحس بينى وبين نفسى أنه مطرب مثقف، من أين جاءنى هذا الإحساس لا أدري؟! ربما لأنه قدم عددا كبيرا من القصائد الهامة لكبار شعراء العالم العربي، وقام بأدائها بسهولة وفهم وحساسية، وربما لأننى لا أتصور أبدا أن هناك عمقا فى الفن أو فى الحياة بدون ثقافة. فإليكم حديثى مع «عندليب العراق» سعدون جابر الذى قرر الاستقرار والإقامة فى القاهرة،بعد سنوات من الغربة فى كثير من دول العالم. تعود للغناء والإستقرار فى مصر بعد انقطاع دام حوالى 25 عاما،فماذا تعنى مصر فى ذاكرة سعدون جابر؟. تعنى أمى حقيقة، فأنا فقدت أمى وأنا فى الثانية عشرة من عمري، وأرى فى «أم الدنيا»: العراق، والوطن، وأرى فيها روحى التى تشبه الروح المصرية، وشكلى الذى يشبه كثير من المصريين، وما أقوله لست مبالغا فيه لأن أبناء الحضارات القديمة تجد بينهم عناصر كثيرة مشتركة، ولعن الله السياسة التى قسمت شعبا واحدا، ودينا واحدا، وأهدافا واحدة، إلى شعبين، وجعلت من الأشقاء أعداء، ومن الأعداء أشقاء! يبدو من كلامك أنك تكره السياسة بقوة؟. أكرهها لأنها منعتنى من التواصل مع الناس فى كثير من الدول العربية! بمعنى أننى بسبب السياسة منعت على سبيل المثال من دخول مصر 25 عاما! أو بصورة أدق لم يكن مرحبا بى من الحكومات المصرية فى عصر حسنى مبارك، والتعتيم شمل كل نواحى الإبداع فى العراق، ولا أريد الخوض فى هذا الموضوع لأنه يسبب لى غصة فى حلقي! ورغم هذا أنشدت قصيدة رائعة فى حب مصرفى أول حفل لك فى دار الأوبرا المصرية بعد تكريمك فى مهرجان الموسيقى العربية قبل الأخير ؟. لأننى من عشاق مصر، وعدم الترحيب بى كان من الحكومة المصرية، ولم يكن من الشعب المصرى الحبيب، الذى حمل بعضهم صوتى وأغنياتى إلى مصر أثناء عملهم فى العراق فى السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وقصيدة «مصر» كتبها الشاعر الكبير الراحل عبدالرزاق عبدالواحد عام 1987 أثناء وجوده فى مصر، ومشاركته فى معرض الكتاب، وقد لحنتها منذ عشرين عاما،على أسلوب المقام العراقي، وكنت أقول لنفسى عندما تأتى الفرصة المناسبة سأغنيها. وفى حفلى فى مهرجان الموسيقى العربية، أصيبت بوعكة صحية شديدة جعلتنى أختصر فقرتي، وعدد الأغنيات المقرر تقديمها من سبع أو ثمانى أغنيات إلى ثلاث من بينهم قصيدة « مصر» ويومها قلت للجمهور الحاضر: « كم تمنيت أن أقف فى هذا المكان البهى لأغنى لبهية الدنيا مصر، وتحققت الأمنية، لكن للأسف وقفت معى الانفلونزا اللعينة فى العضم وجعلتنى لا أستطيع الوقوف، فكيف سأغني؟! سأحكمكم فى أغنية واحدة بعدها قولوا لى استمر أوانسحب؟! وقوبلت بعاصفة من التصفيق، وبالفعل قدمت قصيدة «مصر»، وشاء القدر أن يرحل عبدالرزاق عبدالواحد فى نفس اليوم الذى أنشدت قصيدته!. بحكم أنك رائد من رواد الأغنية العربية الحالية يهمنا أن نعرف رأيك فى الأغنية العراقية والعربية عموما الآن؟. الأغنية العراقية وأيضا العربية أصابها مرض ما يسمى الحداثة غير الواعية، نحن نرحب بأى حداثة جديدة تعطى معنى آخر للوعي، لكن الآن الأغنية تقدم بلا وعي، وبلا هوية، وأصبحت الأغنية العربية لا تبحث عن أذن بل عن خصر للرقص والحركة، وأصبح الغناء الحالى فى معظمه أشبه بالبالونات عالية البريق، لكنها لا تعيش طويلا، وهو أمر لا بد من الانتباه إليه، هناك العديد ممن يتغنون بكلمات نخجل أن نقولها لأنفسنا ولأولادنا، والغناء العربى كله فى حالة انحدار. وما يحدث فى مصر الآن يؤلمنى ويحزننى لأن مصر أعطتنا كأمة عربية الكثير من فطاحل الغناء والتلحين الذين تتلمذت أنا وجيلى على أيديهم، وعلى إبداعهم الجميل، لكن الجيل الجديد الموجود هذه الأيام لايمكن أن يكونواامتدادا لهؤلاء العمالقة بكل تأكيد، بل لا يمتون لهم بصلة!. ترى من أوصلنا لهذه الحالة وكيف نخرج منها؟. هذا أمر مستهدف، فالبترول ليس وحده هدف المحتل، فكذلك الثقافة العربية فى مجملها، عندما أخذوا من الأوطان كل شيء بقيت الثقافة، وعندما يصل المثقف إلى درجة من التفاهة فى مختلف مجالات الفن والثقافة نقول إن المجتمع فى خطر، وسلام على ذاك الزمان، ما نعيش فيه حاليا هو نتيجة هجمة شرسة ضد الفكر العربي، تمت للأسف بتنفيذ عربي، وأدوات عربية، وبدعم مالى وإعلامى لا حدود له، ولم يحدث من قبل، وبصورة جعلت الإنسان العربى يصفق للتفاهة، حتى الواعى جعلته يعطى رأيا فى هذه التفاهة، بعد أن سيطرت القوى الاخرى على الذوق العربى وصادرته ليكون كل شئ فى يد الغرب. وللخروج من هذه الحالة لابد أن يعلم الجميع أننا نعيش مرحلة خطرة، ونشجع ونتبنى الغناء الهادف، والأدب الجيد، والمقال المتميز، ونعمل على نشره، ونغمض أعيننا عن كل تافه ولا نتحدث أو نكتب عنه، أو نعرضه، ولابد أن تدعم الحكومات العربية الفن الهادف وتقف بمؤسستها وراءه ومساندته، والإسهام فى إنتاج أعمال هامة وهادفة لحماية الجيل الجديد، وعودة الذوق الجميل. فى هذا الحوار الاحتفائى بك، وبحكم أنه الأول لك فى جريدة «الأهرام» يهمنا أن نتوقف عند البدايات لنعرف كيف بدأ المشوار الفنى لك؟. نشأت فى بيت متواضع مثل معظم البيوت العراقية والمصرية، مكون من أب وأم وخمسة أولاد وثلاث بنات، كلهم يتمتعون بصوت جميل، لكنهم لم يحترفوا الغناء، ولقد تأثرت بوالدى الذى كان يغنى فى العائلة وبين الأصدقاء، كما كانت والدتى ترتل القرآن الكريم بصوت جميل مؤثر، وفى طفولتى كانوا يرسلوننى إلى الدكان فى نهاية الزقاق لشراء بعض الأشياء البسيطة للبيت، ونظرا لعدم وجود كهرباء ولأننى أخاف من الظلام، كنت أسلى نفسى بقراءة القرآن بصوت عال أوأرفع صوتى بالأذان، حتى أخلق بداخلى طمأنينة. وانتبه الجيران إلى جمال صوتي، ونقلوا إعجابهم إلى أمي، لكن نظرا لأننى من أسرة محافظة تنظر للغناء على أنه عيب، لم يشجعنى أحد على الغناء، وأثناء ذلك تعرفت على «تكة الدراويش»، وهم مجموعة من المنشدين ينشدون فى البيوت غناء صوفيا فى حب الرسول، وأعجبت جدا بغنائهم، واشتغلت معهم، وفى هذه الفترة اشتغلت فى الإجازات الصيفية أيضا كمساعد بناء لعامل اسمه « كليب» كان يتمتع بصوت جميل، ويغنى طول اليوم أثناء عمله، هذا العامل سحرنى بصوته، لدرجة أن اليوم الذى كان يتغيب فيه عن العمل، كنت أرجع إلى البيت ولا أشتغل مع أحد غيره، وبعد حصولى على الثانوية العامة التحقت بمعهد المعلمين ودرست الموسيقي، وأيضا بكلية الآداب. بمن تأثرت من المطربين المشهورين فى هذا الوقت؟. أحببت سيد درويش وكفاحه، محمد عبدالوهاب، أم كلثوم، محمد القبانجي، ناظم الغزالي، حضيرى أبو عزيز، داخل حسن، فرقة الإنشاد العراقي، وأحببت عبدالحليم حافظ حتى البكاء، وعندما جاء للعراق فى نهاية الستينات غنيت خلفه «كورس» حيث كنت أغنى فى هذه الفترة فى برامج الهواة،وأعمل «كورس» للمطربين العراقيين، كل هؤلاء شكلوا وأثروا فى وجداني، واستطعت أن أجمع بين الألوان المختلفة للغناء العراقى جميعها من الريفى إلى المقام. رغم تقديمها منذ ما يقرب من ال «40» عاما مازالت أغنيتك الأولى «يا طيور الطايرة» ناجحة بقوة، ويقوم بغنائها معظم الأصوات العراقية الجديدة فى برامج اكتشاف المواهب، ماهى ظروف غنائك لهذه الأغنية؟. ضاحكا ليست هذه هى الأغنية الوحيدة التى يقدمونها، فمعظم الأصوات العراقية والعربية يغنون أغنياتى القديمة، ولايذكرون أنها أغنياتي!، أما بالنسبة لسؤالك ففى عام 1971 دخلت الإذاعة كمنشد أغان بالكواليس، ويومها غنيت أغنية من الفلكلور الأردني، لكن مقامها عراقى اسمها «مكللة بورود» وشاهدنى أخى فى التليفزيون، وعندما عدت إلى البيت صفعنى بقوة على وجهى وسألني: « لماذا ذهبت ترقص فى التليفزيون؟» فالغناء بالنسبة له كان رقص وعبث!، وسيعطلنى عن دراستي، ورغم عدم تقبل أهلى لعملى فى الفن، لكننى ورغم صغر سنى فى هذا الوقت تحديت الجميع وأصررت على تكملة مشواري. وفى هذه الفترة وأثناء تسجيل إحدى الأغنيات لأحد المطربين فى الإذاعة، وأثناء الإستراحة ذهب جميع الموسيقيين والعازفين إلى «الكافيتريا» يشربون الشاي، ونظرا لجلوسى بمفردى أمسكت العود وبدأت أدندن الأغنية التى نسجلها، فاستمع كوكب حمزة ملحن الأغنية إلى صوتي، وأعجب به جدا، وسألنى متى حفظت هذه الأغنية؟ فقلت له أمس واليوم أثناء التدريب عليها، فقال لى لو أعرف أن صوتك جميل، كنت لحنت لك أنت هذه الأغنية، وطلب منى أن أغنى له أغنيات أخري، فغنيت له أغنياته الأخيرة التى تدربنا عليها ولم تظهر بعد للنور، فنلت إعجابه جدا وآمن بموهبتي. وبعد حوالى شهرين من هذا اللقاء، اتصل بى وسألنى «كوكب» : « تحب تغني؟! فقلت له: « ماذا أغني؟ فقال واحدة من الأغنيات الخمس التى تحفظها لي، وقدم لى طلبا إلى لجنة فحص الأصوات فى الإذاعة والتليفزيون لاختباري، لكنهم أقترحوا أن يتم تأجيلى عامين للتدريب! وجن جنون «كوكب» حيث كان يعلم جيدا أن صوتى جيد، وأنهم طلبوا تأجيلى نكاية فيه، لأنه ملحن شاب متطور، وخريج معاهد موسيقية، ويعمل على تطوير الأغنية العراقية التى كانت تقليدية جدا، وكلامها ركيك، ولم يرض كوكب بهذه النتيجة، فاصطحبنى وذهبنا إلى «محمد سعيد الصحاف» وزير إعلام العراق أيام العدوان الأمريكى على العراق، والذى كان مسئولا عن الإذاعة والتليفزيون فى هذا الوقت، وحكى له ما حدث وطلب منه أن يسمع صوتي، وبعد أن استمع «الصحاف» إلى صوتى قال: « اللجنة التى تطلب تأجيل مثل هذا الصوت لا أريدها، اذهب للاستديو يا ابنى وسجل الأغنية» وحل اللجنة، وتم اعتمادى فى الإذاعة والتليفزيون، ولحن لى «كوكب» أغنيتين الأولى «أفيش»، والثانية « يا طيور الطايرة». هل موقف الأسرة المعارض لعملك فى الفن كان وراء تغيير اسمك الحقيقى من سعدون جبر إلى سعدون جابر؟!. ضاحكا ليس هذا هو السبب، ولكن المخرج رشيد شاكر ياسين، مدير التليفزيون العراقى فى بداية السبعينات، رأى فى اسم سعدون جبر انكسار، فطلب أن أضيف الألف إلى اسم «جبر» ليكون «جابر» لأن الحروف الممتدة تكون أحلى وقعا على الأذن. المتابع لتاريخ الأغنية العراقية يجد أن بها كما كبيرا من الأصوات الرائعة، لكن من وصل منها للجمهور العربى العريض هم « ناظم الغزالي، سعدون جابر، وأخيرا كاظم الساهر» ما السر وراء هذا؟. الغناء عملية صدق بالمقام الأول والأخير، فعندما تكون صادقا تصل للناس، وأنا غنيت بشكل صادق، وكنت ومازلت أعيش الغناء، ليس من أجل الشهرة أو المال، ولكن لأن الغناء يعبر عما بداخلي، وداخل الناس، بصدقى وصلت للناس، فمنذ بداية مشوارى اخترت الكلام المفهوم البسيط المحترم الذى لا يحمل أى إيحاءات، واخترت الألحان الشرقية الشجية المبنية بشكل جيد، واخترت أيضا الوقت والمكان اللذين أغنى فيهما، واحترمت فنى ونفسى والناس الذين أغنى لهم، الأمر الذى جعل أغنياتى تبقى فى ذاكرة الناس حتى الآن، فأغنياتى كانت تحمل بداخلها سر ديمومتها وعمرها الطويل، وهو ما جعل الشباب يحفظها عن حق. هل الوعى والثقافة اللذان تتحدث بهما كانا لديك منذ بدأت مشوارك الفني؟. الحقيقة عندما بدأت الغناء لم أخطط، ولم أضع جدولا أردت تحقيقه، لكن الله سبحانه وتعالى أهدانى أن أتعلم من الذين سبقونى فى عالم الغناء، فبحكم عملى «كورس» مع كثير من المطربين العراقيين والذين تابعتهم عن قرب وتعلمت من أخطائهم ومن حسناتهم، فقد رأيت كيف يتحدثون؟ وماذا يقولون؟ وكيف تعصف بهم الحياة، بحيث يعجزون عن دفع قيمة الشاى أثناء جلوسهم على المقهي؟!، فقد رأيت بعينى كبير مطربى العراق «داخل حسن» يحتار فى كيفية دفع ثمن الشاى الذى يشربه! وكنت صديقا للعظيم «فاضل عواد» هذا العملاق الكبير الذى لم يستطع بناء بيت لأسرته، وتابعت عن قرب كيف يتحدث ويلبس «ناظم الغزالي» الذى شاهدته مرة واحدة، وعملت مع «محمد القبانجي» وتعلمت منه فن المقام العراقي، ودائما ما كنت أسأل نفسى : «يارب سأكون فنانا وسأصير مثل هؤلاء، يمكن أكثر شهرة أو أقل، فهل سيحدث لى ما حدث ويحدث لهم؟ وطلبت من الله أن يهدينى للطريق السليم، والحمد لله أن ربنا استجاب لدعائي، وظلت صورتى مضيئة فى العالم العربى حتى الآن. من هم الشموع الذين أضاءوا لك طريقك الفني، وساندوك لإيمانهم بموهبتك؟. الملحنون العراقون ( كوكب حمزة، محسن فرحان، كاظم فندي، والعملاق المصرى بليغ حمدي)وهم بالمناسبة الذين أعطونى الأجمل لحنيا فى مشواري، ومن الشعراء (زهير الدجيلي، كريم العراقي،عبدالرزاق عبدالواحد،والسياب)، وأخيرا محمد سعيد الصحاف. لو قمنا بعمل اسطوانة بلاتينية لمشوارك وأحببنا أن نختار عشر أغنيات تمثل مراحل هامة فى مشوارك الفنى ما هى هذه الأغنيات؟. إذاعة ال «B.B.C»أجرت استفتاء على أفضل مائة أغنية عربية، فتضمنت القائمة أغنيتين لى هما « يا طيور الطايرة» و» عينى عيني»، وهذا كان شرفا كبيرا لي، وأضم لهاتين الأغنيتين « مشوارك حبيبي، من الأول، ميجانا، اللى مضيع دهب، البارحة هاجت أشواق العمر، اليوم اللى ما أشوفك، أمى يا أمي، عشرين عاما، سفر أيوب، الرمال، يا صبر أيوب» وغيرها، فالحمد لله الأغنيات الجميلة فى مشوارى كثيرة. يعتبر عناق حنجرتك مع ألحان الموسيقار العبقرى بليغ حمدى نقلة هامة فى مشوارك الفنى ماهى ظروف لقائك بهذا العملاق المصري؟. فى بداية الثمانينات وبالتحديد عام 1982 كنت فى أبوظبي، وفى أحد الأيام وبعد انتهاء فقرتى فى الفندق الذى أغنى فيه، وبعد خروجى من باب الفندق،فوجئت بأحد الأشخاص ينادى الأستاذ «بليغ حمدي» الذى كان فى طريقه للدخول للفندق، ويقول له « يا أستاذ بليغ هذا سعدون جابر الذى تسأل عنه»، ونادى هذا الشخص على فرجعت للفندق وفوجئت بوجود العملاق «بليغ حمدي» أمامى فاستقبلته بحفاوة شديدة وقبلته على جبينه، ويومها أشاد بصوتي، وقال لى إن أغنيتى «عينى عيني» كلما ذهب إلى دولة يستمع إليها، وأثناء الحديث علمت انه سيسافر إلى الكويت بعد أبوظبي،وبالمصادفة كنت سأسافر أيضا للكويت، فاتفقنا أن نلتقى فى الكويت، وبالفعل التقينا فى بيت الملحق الثقافى العراقى فى الكويت. ويومها ظللت أغنى لمدة أربع ساعات على العود، دون انقطاع،غنيت فيها كل الأشكال والألوان الغنائية، وهو يستمع إليّ ولا ينطق بكلمة، بعدها قال لي: لازم ألحن لك فهل تغنى باللهجة المصرية، فقلت له أنا أغنى كل الألوان، بغض النظر عن جنسية مؤلف الكلمات، فما يهمنى هو الموضوع، لكن ماذا لو أعطيتك شعرا عراقيا، وأحضرت له بالفعل بعض النصوص لبعض الشعراء، وأسمعته الكثير من الشعر العراقي، واتفقنا أن نلتقى مرة ثالثة فى بغداد، وبعد شهر جاء الراحل لبغداد وطلب منى أن آخذه إلى كربلاء، حيث كنا فى أيام عاشوراء، ومراسم العزاء الحسينى غرب الزناجير قائمة، لأنها تحمل معها موسيقى خاصة، وبليغ - الله يرحمه - كان مهووسا بموسيقى الشعوب، وبعد تسجيله ما شاهده على كاسيت صغير كان معه، أخذ النصوص التى أعطيته إياها، ورجع إلى القاهرة. بعدها بسبعة أشهر سجل موسيقاه، والتقينا فى لندن، وقدمنا معا أربع أغنيات من كلمات الشاعر كريم العراقى وهي: « يا حبيبي، مشوارك حبيبي، أريدك، ورحنا والله رحنا»، ولن أنسى أنه سجل الألحان على نفقته الخاصة، ورفض فى البداية أن يتقاضى منى أى فلوس، وبعد عدة محاولات أخد جزءا بسيط مما يستحقه. فى مشوارك يهمنا أن تحدثنا عن أهم الصعوبات التى تعرضت لها؟. أهم الصعوبات تكمن فى التعتيم والمنع الذى تعرضت له فى بلدي، والذى أثر على مشوارى الفنى كله، كانت البداية مع أغنية « يا طيور الطايرة» التى منعت لمدة ثلاثة أشهر، حيث اتهم ملحنها «كوكب حمزة» وشاعرها «زهير الدجيلي» باليسارية، واتهمونى أيضا بأننى يساري، وعندما بحثوا ودققوا وعلموا اننى لست يساريا تم الإفراج عن الأغنية، وتكرر المنع لمدة عامين مع أغنية «تلولحي»، لأنها من وجهة نظر المسئولين تمثل حالة الحزب الشيوعى عندما «طحنته» الحكومة، وأنا فى الواقع لا شيوعي، ولا يساري، بعد هذا تولى «عدى صدام حسين» مسئولية الثقافة والإعلام، فمنعنى من الغناء مع زملائى «فاضل عواد، وحسين نعمه»، لمدة 15 عاما بحجة اننا موجودون بقوة على الساحة الفنية،وبالتالى سنمنع ظهور أصوات جديدة، فاضطررت للرحيل من العراق منذ عام 1991 والغناء فى كثير من الدول العربية والأوروبية،وكنت أزور العراق متخفيا حتى لا يعلم المسئولون بوجودي، ولأن أغنياتى كانت كبيرة فبقيت فى ذاكرة الناس رغم المنع!. تعتبر أغنيتك « عشرين عاما» هى الأكثر رواجا وانتشارا على موقع اليوتيوب حيث قاربت من الثلاثة ملايين، هل تعتبر هذه الأغنية هى درة أعمالك؟. ضاحكا لا طبعا ليست درة أعمالى هناك الأجمل والأشهر منها،صحيح هى من الأغنيات الجميلة التى أعطيت معنى سياسيا، وهى ليست كذلك بالمناسبة ، فهى أغنية حب عادية، وقد ولدت فى سوريا عام 1999 ، لشاعر سورى اسمه «عبدالناصر الحمد» وبعد تصويرها «كليب» من إخراج حسين دعبيس، وعندما استمع إليها الشعبيون السورى والعراقي، قالوا : «إن سعدون جابر هو الذى عمل المصالحة السورية العراقية»، وقد ربطوا بين الأغنية والقطيعة التى استمرت بين البلدين لأكثر من عشرين عاما. شاركت بالغناء فى مئات من الحفلات فى كثير من الدول العربية والأجنبية ماهو الحفل الذى لا يمكن أن تنساه؟. ليس حفلا واحدا بل ثلاث، الأول حفل قدوم الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ملك السعودية للعراق للتهنئة بانتهاء الحرب الإيرانية عام 1988، فيومها ورغم وجود زملاء آخرين معى لكننى نلت إعجاب الملك فهد والرئيس صدام حسين، وأثنيا على الأغنيات التى قدمتها،وطلب الملك فهد أن يقتنى الأغنيات التى غنيتها أمامه. الحفل الثانى كان فى السعودية وبالتحديد فى ملعب « الملز» الذى يسع 22 ألف متفرج، وفى هذا الحفل كان معى العمالقة (محمد عبده وطلال مداح، وعبادى الجوهر)، وعندما غنيت شاهدت مشهدا لم أره فى حياتي، حيث امتلأت السماء بغطاء رؤوس «عقال» معظم الموجودين، وعندما أنهيت فقرتى وسألت عن معنى هذا؟ قالوا لى ان «العقال» لا يرفع من على رأس الرجال إلا لكل غال والجيد من الناس. الحفل الثالث كان فى مصر وبالتحديد بعد عودة طابا للأراضى المصرية، فى احتفالات مصر بالعيد العاشر للعبور، يومها قدمت موالا كتبه الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، ولحنه الموسيقار جمال سلامه، بعنوان « طابا والفاو»، نال إعجاب الجميع، بمن فيهم الرئيس حسنى مبارك الذى طلب أن يسلم علي، وبعدها وجدت الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين يكتب مقالا فى جريدة الأهرام عنى بعنوان «سعدون جابر الصوت الذى لم نستحسن استقباله». لحن لك معظم ملحنى العالم العربي، ولحنت أيضا لنفسك، متى تمسك العود وتلحن أغنية؟. عندما تعجبنى نصوص شعرية معينة وأعرضها على بعض الملحنين، لكنهم يتكاسلون عن تلحينها، هذا التكاسل يستفزنى للتلحين لنفسي. قمت ببطولة أكثر من عمل درامي، هل التمثيل تجربة عابرة فى رحلتك الفنية؟. التمثيل تجربة أصيلة فى مشواري، فعندما منعت من الغناء، لجأت للتمثيل الدرامى الغنائي، ليصل صوتى وأغنياتى إلى الجمهور، فقدمت مسلسل «ناظم الغزالي» الذى يتضمن 28 أغنية، وفى مسلسل « السياب» قدمت 11 قصيدة من أروع ما كتب بدر شاكر السياب، قام بتلحينها مجموعة من أفضل الملحنين العراقيين. أيهما كان الأكثر فى مشوارك الدموع أم البسمات؟. بعد ثوان من الصمت قال بهدوء: حزن مغلف بفرح. من يعجبك الآن من المطربين الموجودين حاليا؟. يعجبنى كاظم الساهر، ماجدة الرومي، أصالة، أنغام، شيرين عبدالوهاب، آمال ماهر، على الحجار، محمد الحلو، مدحت صالح، هانى شاكر،محمد منير فى لونه. أخيرا ماهى أحلامك بعد كل هذه الرحلة من العمر؟. أن أغني، أشعر الآن أن صوتى أكثر نضجا وقدرة على الغناء، وكأنى بدأت الآن، وأن أغنياتى التى لم أغنها حتى الآن ستكون أجمل، كما أشعر أن أجمل أغنياتى لم تأت بعد، ففى داخلى أغنيات لو قدمتها ستكون أجمل مما مضي.