ثمة تساؤلات مشروعة وواجبة، حول مشروع القانون المعيب الذى قدمه نائب جمهورى فى الكونجرس الأمريكى يدعى دايفيد تروت، تحت اسم «قانون المساءلة المتعلق بالكنائس القبطية»، ويطالب من خلاله وزير الخارجية الأمريكية بتقديم تقرير سنوى للكونجرس بشأن ترميم وإصلاح الكنائس المصرية التى تعرضت للإتلاف، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة. ببساطة شديدة فإن تروت نصب من نفسه متحدثا ومدافعا صنديدا عن أقباط مصر، ولا ندرى من الذى أوكل إليه هذه المهمة، ويود وضعنا تحت الوصاية الأمريكية ومحاسبتنا حساب الملكين، وتوجيهنا إلى ما ينبغى فعله من عدمه، وفى غمرة انسياقه وراء سلوكه الأرعن غير المنصف وقع تروت، الذى يمثل احدى دوائر ولاية متشيجان، فى عدد من المحظورات والكبائر غير القابلة للغفران والسماح، منها التدخل السافر فى الشئون الداخلية لبلادنا، وتعمد الوقيعة والتفرقة بين المسلمين والمسيحيين المصريين الذين يشكلون نسيجا واحدا لوطنهم. أول ما نسأل عنه بوضوح وبدون مواربة مَن الذى يحرك تروت عضو لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب؟.. فالنائب الذى يحتل المرتبة السادسة على قائمة أثرياء أعضاء الكونجرس الأمريكى ثروته 113 مليون دولار اقتطع جزءا من وقته الثمين المفترض أن يخصصه لمتابعة قضايا تهم ناخبيه فى دائرته الانتخابية ليتابع عن كثب تطورات ما تم إنجازه من وعود الرئيس عبد الفتاح السيسى لإعادة بناء وترميم الكنائس التى خربها أنصار جماعة الإخوان الإرهابية فى 2013، ويجهز مشروع قانون بهذا الخصوص لحساب مَن ياتري؟. فهل دافعه شخصى محض، أم أن احدهم أوعز إليه للاقدام على ذلك؟. بداية استبعد الفرضية الأولي، وارجح أن جهة ما استدرجته واقنعته بأداء هذا الدور والتخفى وراءه، ربما تكون هذه الجهة عناصر اخوانية لها صلات ومصالح مع جماعات الضغط الأمريكية المؤثرة على نواب الكونجرس، ومعلوم أن تروت من أشد مؤيدى صناعة الأسلحة، وأقطاب هذه الصناعة لهم كلمتهم النافذة ونفوذهم الطاغى على الحياة السياسية الأمريكية، ويعتقد الإخوان أنهم بذلك يمسكون بورقة ضغط على مصر مع قرب تسلم الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة فى البيت الأبيض، مع علمهم بالعلاقة الجيدة بين ترامب والرئيس السيسي، فتوقيت تقديم مشروع القانون يعد لغزا غريبا ومريبا ولا محل له من الاعراب، لأنه يحمل فى ثناياه تناقضا فادحا وفاضحا. إذ أن المشروع فى ديباجته يشير إلى أن الرئيس السيسى كان أول رئيس يحرص على المشاركة فى قداس عيد الميلاد بالكاتدرائية المرقسية لتهنئة الأقباط، وأنه وعدهم باكمال عمليات الترميم والإصلاح فى كنائسهم المضارة خلال عام، وأنه جرى الوفاء بجزء كبير من تلك التعهدات، إذن لا افهم على وجه الدقة أين المشكلة؟. وقد تكون الجهة المتخفية وراء «تروت» بعض جماعات أقباط المهجر التى لا تكف عن اثارة حفيظة الدوائر الرسمية الأمريكية ضد مصر بزعم تعرض الأقباط للاضطهاد، وأن حقوقهم مهضومة، وأن أماكن عبادتهم أهداف ثابتة ودائمة للمتشددين والمتطرفين فى محافظات الصعيد وخارجه، وأن واجب الولاياتالمتحدة المحتم أن تتدخل لنصرتهم، وممارسة كل ضغط ممكن على الحكومة المصرية لرفع الظلم الواقع على المسيحيين. ويبدو أن هؤلاء ومعهم «'تروت» غاب عن تفكيرهم المريض أن الكنيسة المصرية طوال تاريخها العريق كانت ولا تزال وطنية حتى النخاع، ومواقفها الوطنية أكثر من أن يتسع المجال لذكرها وحصرها تفصيلا، ولم تترك مساحة يلعب فيها محترفو الصيد فى الماء العكر، ولعل رد الكنائس القبطية الثلاث، وعلى رأسها الكنيسة الأرثوذكسية، والنشطاء الأقباط على مشروع قانون تروت كان مفحما وشاملا، وأكدت فيه أن الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار، وأنها لن تقبل المساس بها اطلاقا. ودلل موقف الكنيسة المصرية ليس فقط على وطنيتها الخالصة ولكن أيضا على قدر التفاهم والود الموصول بينها وبين الدولة التى لا تدخر وسعا فى تمتين دعائم دولة المواطنة، وأنه لا فرق بين مسلم ومسيحي، فهم مصريون يعتزون بوطنهم وبانتمائهم إليه ولن يطعنوه فى ظهره، وأنهم أوعى واذكى من الوقوع فى فخ أطراف خارجية تدعى أن ما يهمها هو حماية المستضعفين والمضطهدين فى الأرض، وسقط من ذاكرة تروت ومن يوجهه أن الكنيسة المصرية وفى احلك الظروف والمحن رفضت رفضا باتا الاستقواء بالخارج، ولم تسع فى يوم من الأيام للاستنجاد بالغرب وحضه على التدخل العسكري، مثلما فعل المشاركون فى اعتصام رابعة الذين هللوا وكبروا ما أن سمعوا أن حاملة طائرات أمريكية فى طريقها للسواحل المصرية، ولسان حالهم يدعوهم للقدوم لإرجاع دميتهم محمد مرسى للحكم. رسالة الكنيسة والمصريين لتروت وأمثاله كانت واضحة وضوح الشمس، هى لا تقتربوا من كنائسنا واتركوها لنا فنحن أولى بها وبحمايتها وصيانتها وترميمها، ومارسوا لعبتكم الخبيثة الشريرة فى مكان آخر، ولا تتدخلوا فيما لا يعنيكم، ودعونا لشأننا فنحن اعلم به، وقادرون على حل مشكلاتنا داخل البيت الواحد بعيدا عن تدخل الغرباء والدخلاء. وبالإصالة عن نفسى كنت آمل أن تقوم وزارة الخارجية باستدعاء السفير الأمريكى فى القاهرة لتوبيخه على طرح مشروع قانون تروت، وأنه يجب على واشنطن وأجهزتها التنفيذية والتشريعية كف يدها عن سيادتنا واحترامها فهى خط احمر من يدنسه فلن يجد الا كل سوء. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;